2024-03-29 01:51 ص

السعودية ومصر وتنظيم الاخوان المسلمين

2014-04-09
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
لا شك ان ما يدور على الساحة المصرية من احتدام المعارك بين الجيش المصري والقوى الأمنية من جانب والمجموعات الإرهابية بكافة تصنيفاتها واسمائها التي تتبدل وتتغير ويظهر الجديد منها بين الحين والأخر وكذلك مع تنظيم الاخوان المسلمين، انما تهدف الى خلق نوع من الفوضى وزعزعة الاستقرار والأمن المصري الداخلي، ومحاولة لتدمير الدولة المصرية ومقدراتها، وجيشها بزجه في معارك جانبية لإضعاف قدراته وامكانياته، وتمزيق النسيج الاجتماعي المصري. وبالتالي لا يمكن فصل ما يدور في مصر عما يدور في سوريا او العراق أو اليمن أو ليبيا أو غيرها من الدول العربية ولو انها بأقل حدة لغاية الان والمرشحة لان تدخل في اتون النار ربما قريبا. وربما خير دليل على ذلك ما رشح أخيرا من اخبار تدلل على اتصالات بين المجموعات الإرهابية العاملة على الأراضي المصرية وتلك التي تعمل على الاراضي السورية، ليس هذا فحسب بل أن هناك اخبار على هجرة بعض المقاتلين من الساحة السورية الى الساحة المصرية، مما يعزز التلاحم بين المجموعات الإرهابية العاملة في المنطقة ككل. من الواضح ان جانب ان لم يكن الاغلب من الازمة المصرية وما يدور على ساحاتها هو انعكاس للصراع السعودي بشكل رئيسي من جانب والقطري التركي من الجانب الاخر وكلاهما يستخدم هذه الساحة’ لتصفية حسابات الى جانب بسط النفوذ والهيمنة وكلاهما يمتلك على ما يبدو هامش من المناورة والحرية من قبل الإدارة الامريكية، ففي نهاية الامر أحد الاهداف المخطط الامريكي الصهيوني هو الإبقاء على حالة من عدم الاستقرار والإحتراب ما بين الفرقاء واضعاف الجيوش العربية التي يمكن ان تشكل تهديدا للأمن الصهيوني. ولا بأس من ابقاء على هذا الحال من عدم الاستقرار طالما أن الولايات المتحدة تستطيع ضبط الإيقاع بحيث لا تخرج الأمور عن السيطرة. السعودية وضعت الاخوان المسلمين على لائحة الارهاب كما هو الحال في مصر، ليس هذا فحسب بل ان الاخوان يتصدرون لائحة المنظمات التي تعتبرها السعودية إرهابية. فبعد ان استطاعت حركة الاخوان المسلمين تسلم السلطة في كل من تونس ومصر، شعرت السعودية بالخطر الداهم عليها واعتبرت ان الدور قد يأتي عليها وخاصة مع وجود بعض التسريبات بأن هناك مخطط لتقسيم المملكة. ومن هنا عملت مع بعض القوى الفاعلة في الداخل المصري وخاصة الجيش على مل يبدو في إزاحة الرئيس السابق الدكتور مرسي عن الرئاسة، ومما لا شك فيه أن السياسة الاقصائية التي اتبعها الرئيس المعزول وتحكم الاخوان بالدفة السياسية والتصلب في المواقف، بالإضافة الى عدم النجاح في تغيير الوضع الاقتصادي ولو بشكل بسيط عما كان سابقا، حيث ان الحكومة المسيطر عليها من قبل الاخوان تبنت نفس السياسة الاقتصادية لنظام مبارك من حيث الاعتماد على الاستثمارات الأجنبية والقروض وعدم وضع خطط او برامج التي كان من الممكن أن تعطي مؤشرا على السلوك بالاتجاه الصحيح للنهوض باقتصاديات البلد والتخلص من التبعية الكاملة لاقتصاد السوق والعولمة، بما يشكلون من كوارث اقتصادية واجتماعية وسياسية، كل هذه العوامل مجتمعة أدت الى إزاحة الاخوان المسلمين من السلطة عن طريق تدخل الجيش المصري بعد المظاهرات الجماهيرية الحاشدة التي طالبت برحيل الرئيس مرسي . ولا بد من التنويه بان السعودية كانت قد فتحت أبوابها للعديد من قيادي حركة الاخوان المسلمين وأعضاء من الحركة في زمن الرئيس الراحل عبد الناصر وخاصة بعد تعرضهم للملاحقات من قبل الاجهزة الأمنية المصرية بعد عملية الاغتيال الفاشلة التي دبرها الاخوان للرئيس الراحل. وتبوء العديد من رجال الاخوان مراكز في أجهزة الدولة وخاصة في وزارة التربية والتعليم والجامعات والمدارس الحكومية. لم ترى السعودية آنذاك أي خطر من الاخوان وخاصة مع تمازج ايدولوجيتهم الدينية مع الوهابية في تلك الفترة. ولكن الحال اختلف كلية بعد ما سمي "بالربيع العربي" وربما عاد ذلك على الأقل لسببين أساسيين: أولهما التقارب الواضح بين تنظيم الاخوان المسلمين في كل من مصر وتونس مع تركيا التي تراها السعودية المنافس لها على الساحة الاسلامية السنية. ومحاولة تركيا الى اقناع مصر بتبني النظام الإسلامي التركي في الحكم المنفتح على الغرب وعدم التشنج في المواقف، وذلك ضمن مخطط كان من المفترض فيه أن يتبوأ الإسلام السياسي سدة الحكم في أغلب دول المنطقة بمعونة وتشجيع أمريكي. أما الثاني فهو التقارب الواضح بين الولايات المتحدة وتنظيم الاخوان المسلمين على أكثر من محور، وخاصة بعد تعهد تنظيم الاخوان بعدم المساس باتفاقية كامب ديفيد أو التعرض من بعيد او قريب الى أمن الكيان الصهيوني. ولا شك ان البرجماتية التي ابداها تنظيم الاخوان المسلمين في التعاطي مع الإدارة الامريكية ومع الملفات في المنطقة قد شجعت الإدارة الأمريكية ليس فقط في التعامل معهم بل العمل على إيجاد نوع من التحالف العريض بين الإسلام السياسي في المنطقة تحت الراية التركية والولايات المتحدة حيث لعب اردوغان دورا هاما في اقناع الإدارة الامريكية بهذا التوجه، وذلك قبل ان تنهار هذه المنظومة التي لم ترى النور بسبب الهزيمة التي مني فيها التنظيم العالمي للإخوان المسلمين في البلد الام الى جانب انكفاء الدور التركي أثر الاحتجاجات في ميدان تكسيم والمظاهرات العارمة التي شملت معظم المدن التركية الرئيسية احتجاجا على سياسة اردوغان الداخلية الى جانب سلسلة فضائح الفساد المالي والتي هزت الداخل التركي وطالت وزراء في حكومته وعائلاتهم ، بالإضافة الى الصمود الأسطوري للجمهورية العربية السورية أمام الهجمة الكونية والارهابية عليها. من هنا استخلصت السعودية الخطر الاتي اليها نتيجة التغييرات التي ذكرناها هنا. فلقد رأت السعودية أن هذه المتغيرات تشكل تهديدا مباشرا على سلطة عائلة آل سعود الحاكمة والتي استحوذت على مقدرات البلاد بأجمعها، واحتكرت عائدات نفطها لعقود من الزمن، والتي وصلت الى ما يقرب من 700 مليار دولار سنويا مؤخرا. بالإضافة الى أن هذا التوجه الإسلامي البراجماتي المعتدل والمتماشي مع الغرب، يشكل خطرا على المذهب الوهابي التكفيري والمتشدد التي تبناه آل سعود كركيزة أساسية للحكومة والدولة السعودية منذ انشاءها بالتحالف مع الحركة الوهابية، والذي أتاح لهم حكم البلاد واستعباد العباد، والسيطرة الشبه مطلقة على الأمور داخل السعودية، الى جانب ترأس الموقع القيادي بين الأوساط الإسلامية السنية على المستوى العالمي باستخدام الأموال الطائلة من عائدات النفط الخيالية، وتأسيس العديد من المؤسسات والمنظمات الدولية (الارهاب ومصنعيه الأصليين،المنار المقدسية 01-04-2014). بالإضافة الى ذلك فإن البراجماتية التي ابداها تنظيم الاخوان المسلمين وتبني الاعتدال والنموذج التركي الذي كان ولفترة قريبة محبب لدى الغرب عموما، قد قدم للغرب بديلا عن المذهب الوهابي السعودي المدان غربيا وذلك لأنه شكل مذهبا لإنتاج التطرف والإرهاب. ومن هنا فإن الخطر من الاخوان المسلمين لم يقتصر على وضع علامات استفهام أو شكوك حول شرعية تمثيل السعودية للإسلام ووضعه على المحك، بل تجاوزها الى زعزعة العلاقة الاستراتيجية بين والسعودية والراعي المتمثل بالولايات المتحدة ، تلك العلاقة التي بنيت عليها السياسة الخارجية السعودية منذ الثلاثينات من القرن المنصرم. من هنا كان الاندفاع الشديد السعودي لمحاربة الاخوان المسلمين، ولم يكن من المستغرب أن تختار السعودية الساحة المصرية بالتحديد لحربها الرئيسية مع تنظيم الاخوان المسلمين وذلك لعدة أسباب وقد يكون على رأسها ان مصر تشكل مهد تنظيم الاخوان المسلمين حيث ولد التنظيم على الأرض المصرية قبل امتداده عالميا، بالإضافة الى أن التنظيم في مصر يشكل العصب الرئيسي والرافعة المركزية لتنظيم الاخوان العالمي. ولا شك ان توجيه ضربة قوية للتنظيم في مصر سيكون لها ارتداداتها على تنظيم الاخوان على المستوى الاقليمي والدولي، وربما هذا ما استدركته قطر وتركيا مما دعاها الى تقديم كل اشكال الدعم الى تحركات الاخوان المسلمين في مصر ولا نستبعد ان يكون هذا الدعم قد تخطى الدعم المالي والسياسي الى الدعم العسكري بإرسال الأسلحة الى الداخل المصري. ولا ندري إذا ما كانت الزيارة الأخيرة لأمير قطر الى السودان قد ينجم عنها بشكل او بآخر تسهيل تهريب سلاح الى مصر عن طريق الجنوب وخاصة وان حركة الاخوان المسلمين في السودان لها حضور فاعل هناك. المتتبع للسياسة السعودية يدرك جيدا ان السعودية قد أطلقت حملة مكثفة وواسعة وخاصة بعد احداث 11/9 ، لتبرئة ساحتها من تصدير الارهاب وخاصة بعد ان اتضح بأن 15 من 19 الذين خططوا ونفذوا العملية آنذاك كانوا سعوديون، الى جانب أن الايدولوجية التي تبنتها القاعدة ينظر اليها على انها تحمل بذور الوهابية التي تعتنقها الدولة السعودية رسميا. ومن هنا كانت الحملة التي قادتها السعودية على الساحة الدولية لتقنع الدول الغربية بأن تنظيم الاخوان المسلمين والايدولوجية التي يتبناها هي مصدر التطرف والجهاد المتميز بالعنف وليس الوهابية السعودية. والبيانات الملكية التي صدرت مؤخرا في السعودية بشأن تجريم الارهاب والتحريض على القتال خارج أراضي المملكة وإنزال العقوبات الصارمة تجاه السعوديين الذين يقاتلون خارج المملكة الخ، واعتبار تنظيم الاخوان المسلمين تنظيما إرهابيا، كلها تصب في هذا المنحى، أي القاء اللوم على الاخوان المسلمين حول ظاهرة الارهاب. ومن هذا المنظور يمكننا ان نضيف هذا الى الأسباب حول اختيار الساحة المصرية لمحاربة الاخوان المسلمين، وخاصة مع وجود اعمال إرهابية تكاد تكون شبه يومية في الساحة المصرية، التي يمكن اتهام الاخوان بها، على الرغم من وجود العديد من المنظمات الإرهابية التي تعمل حاليا في الداخل المصري. والذي يبدو أن السعودية قد حققت بعض النجاحات في حملتها، حيث أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن التحقيق في نشاطات وماهية الأفكار والاهداف لتنظيم الاخوان المسلمين في بريطانيا، وهي الدولة التي أقامت علاقات حميمة مع الاخوان المسلمين منذ فترة زمنية تمتد الى عقود. ومن الواضح أن هذه المهزلة أتت نتيجة الضغوطات التي مارستها السعودية على الحكومة البريطانية. ولن يكون مستبعدا ان استجابة الحكومة البريطانية قد يكون من وراءها صفقة أسلحة بالمليارات للسعودية نسمع بها عن قريب. ومما لا شك فيه ان الدور الوازن والفاعل لمصر الذي من الممكن ان تلعبه على الساحة الإقليمية والدولية حال تعافيها ، بالإضافة الى ثقلها الديمغرافي والعسكري، واعتبارها تنظيم الاخوان تنظيما إرهابيا يجد صدا جيدا لدى السعودية، مما حداها الى تقديم كافة أنواع الدعم السياسي وخاصة مع الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام والإعلامي والمالي بشكل غير مسبوق حيث قامت بضخ مليارات الدولارات لمنع انهيار الاقتصاد المصري، كما قامت بتعويض الجيش المصري عن المعونة المالية التي تقدم من البنتاغون الأمريكي له سنويا، التي استخدمت في شراء أسلحة من روسيا. ومن المؤكد أن السعودية تعول مستقبلا على ان يلعب الجيش المصري دورا في تامين الامن في السعودية في حال تعرضها الى "مشاكل" داخلية، ونحن نعتقد ان المسألة أصبحت مسألة وقت لكي ينفجر الوضع هناك، وخاصة مع بدء عودة اعداد من الذين قاتلوا في سوريا الى السعودية، ووجود حراك شعبي وخاصة على شبكات التواصل الاجتماعي التي تنتقد العائلة الحاكمة وتشكي من سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وبالتالي فان السعودية تستبق الاحداث. السعودية لا ترى حكمة ربما في شن حروب جانبية مع الاخوان في الأردن او الكويت وذلك بدفع أو تشجيع السلطات هناك، لعلمها أن ذلك قد يؤدي الى زعزعة الاستقرار في دول صديقة او حليفة. الى جانب أن المصدر هو الأساس، والمصدر في مصر. وهي بالإضافة الى ذلك تشارك بشكل غير مباشر في حرب بعيدة عن أراضيها أو هكذا تعتقد. ومصر ليست الدولة الوحيدة التي نالت من التدخل السعودي فتدخلها أكثر من واضح وتعتبر طرفا أساسيا في العراق وسوريا واليمن ولبنان بالإضافة الى تدخلها العسكري المباشر في البحرين لصالح النظام وقمع المعارضة الشعبية السلمية البحرانية. ومن الواضح ان السعودية وحلفائها من الخليجيين وخاصة الامارات قد استثمرت المليارات في مصر والجيش المصري معولة بانه سيقضي على الاخوان. ومن الجانب الاخر تستثمر قطر وتركيا في دعم تنظيم الاخوان في مصر لتتحول مصر الى ساحة للصراعات والتجاذبات والمحاور الإقليمية الى جانب صراعاتها الداخلية. ومن المرشح أن تزداد اعمال العنف والعمليات الارهابية بالتزامن مع استحقاقات الانتخابات الرئاسية المقبلة، وخاصة مع تواجد من العناصر الإرهابية التي قاتلت في سوريا على الساحة المصرية. وهنالك سؤال كبير يطرح هذه الأيام وهو هل ستتحول مصر كما هو الحال في سوريا والعراق؟

الملفات