2024-04-18 11:56 م

أزمة سد النهضة بين الحلول السياسية والخيار العسكري

2014-04-17
القاهرة/كثيرة هى السيناريوهات التي رسمت للمواجهة المرتقبة بين مصر وإثيوبيا في ظل اصرار كل طرف على موقفه، وأصبحت مسألة انشاء قاعدة عسكرية بالقرب من إثيوبيا أمراً وارداً استعداداً لأي نوع من التدخل العسكري،

ولكن في نفس الوقت هناك المواثيق الدولية والمعاهدات التي تحترمها مصر، مما يجعلنا غير قادرين على توجيه ضربة عسكرية لتدمير سد النهضة، فما هو الحل الأمثل للتعامل مع هذا التعنت الإثيوبي؟
إذا عدنا الى الوراء سنجد أن الاتجاه الى الحرب من أجل حماية الأمن المائي لمصر ليس جديداً، ففي القرن التاسع عشر وضعت حكومة محمد علي باشا خطة طوارئ للتدخل العسكري ضد أي دولة يمكن أن تشكل خطراً على ذلك، وفي عام 1979 عندما أعلنت إثيوبيا عن نيتها في اقامة سد لري 90 ألف هكتار في حوض النيل الأزرق، دعا الرئيس الراحل السادات خبراءه العسكريين لوضع خطة طوارئ مهدداً بتدمير هذا السد، وعقد اجتماعاً طارئاً لقيادة هيئة أركان الجيش المصري.. وربما كان التفكير الآن في توجيه ضربة عسكرية لتدمير سد النهضة، أمراً ليس في محله نظراً لأن مصر قادرة على تشكيل ضغط قوي على اثيوبيا بدلاً من توجيه ضربة عسكرية قد يفسرها المجتمع الدولي على أنها عدوان.
هذا ما أكده العسكريون الذين رغم تباين مقترحاتهم، الا أنهم اتفقوا جميعاً على ضرورة استخدام الأساليب الدبلوماسية من أجل اثبات حق مصر في مياه النيل.. باختصار أن اللجوء للحل السياسي قد يكون هو الأفضل.
يقول اللواء د. أحمد عبد الحليم، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية: ليس من الحكمة أن تكون لنا قاعدة عسكرية بالقرب من اثيوبيا فعل سبيل المثال: انشاء قاعدة عسكرية في باب المندب الذي يعد مخرج البحر الأحمر وهو قناة الاتصال من البحر المتوسط والمحيط الهندي وتسير فيه الأساطيل الأمريكية وكذلك البريطانية، فكيف يمكن وسط كل هؤلاء انشاء قاعدة عسكرية لنا؟ وليست هناك نية لاستخدام القوة العسكرية في الوضع الراهن وعلى مصر أن تتبع كل الحلول الدبلوماسية للحصول على حقوقها التاريخية في مياه النيل.. كما يمكن اللجوء للتحكيم الدولي لأن هناك اتفاقيات خاصة بالمياه الدولية والأنهار.
باختصار إننا بحاجة الى توطيد علاقاتنا بالدول الافريقية بشكل عام وبدول حوض النيل بشكل خاص وبدول النيل الشرقي بشكل أخص وهى السودان واثيوبيا.
يقول اللواء طلعت مسلم، الخبير الاستراتيجي: إن وجود قاعدة عسكرية لنا لن يجدي، وانما يمكن التفكير فيما يسمى بالتسهيلات العسكرية، لاستخدامها عند اللزوم، بمعنى أن يكون هناك تعاون عسكري بين مصر  وجنوب السودان أو الصومال او اريتريا، فإذا كان هناك تعاون فهذا من شأنه أن يساعدنا في حالة اللجوء الى الحل العسكري، لذا ينبغي علينا الحرص على وجود نوع من التعاون العسكري مع أكبر عدد من الدول بالمنطقة، دون أن نقيد أنفسنا بقاعدة عسكرية حتي لا تنقلب علينا بقية الدول، ولنبدأ بالسودان حتى يكون موقفها محايداً ولا تتخذ أي موقف ضدنا.
يقول اللواء د. طلعت موسى، المستشار بأكاديمية ناصر العسكرية العليا: إن أمام مصر ثلاثة محاور متوازية لمواجهة مشكلة سد النهضة، أولها: عن طريق اتصال وزارة الري بالوزارات المناظرة في دول حوض النيل، ثانيا: أن تلعب وزارة الخارجية دوراً في تعريف دول العالم والمنظمات الإقليمية بحقيقة الموقف القانوني لمصر تجاه مشكلة سد النهضة، ثالثاً: مطالبة الدول التي تقدم الدعم لإثيوبيا من أجل انشاء السد بوقف هذا الدعم فوراً لأنه يخالف القوانين والقواعد الدولية والاقليمية المتعارف عليها وحق كل دولة في الحصول على نصيبها من المياه، ويمكن لمصر استخدام حقها في منع الدول التي تخالف ذلك من المرور في قناة السويس، وذلك طبقاً لقانون المعاملة بالمثل في العلاقات الدولية.
أما بالنسبة للتدخل العسكري، فلا يجب اللجوء له حتى لا نخسر التعاطف الدولي، ومازالت الحلول مطروحة لحل تلك الأزمة دبلوماسياً.
أكد الدكتور «عصام شلتوت»، الخبير العسكري وأستاذ الادارة الاستراتيجية، أن انشاء قاعدة عسكرية بالقرب من إثيوبيا لحماية حقوق مصر في مياه نهر النيل، إن لم يكن مستحيلاً فهو صعب جداً، فمصر ليس لديها من المعدات والأسلحة ما يجعل دور هذه القاعدة دوراً فعالاً، فنحن لا نملك صواريخ يصل مداها الى 120 كيلو متراً تبعاً لإتفاقية المنعقدة بين مصر، وأمريكا وهى واحدة من الاتفاقيات التي أضعفت مصر عسكريا، كما أن مصر لا تستطيع الاعتماد على الطائرات الامريكية في شن حرب على إثيوبيا أو توجيه ضربة على سد النهضة لحماية الحقوق المصرية في مياه نهر النيل، وبعد امتناع شلتوت عن البوح بأسباب عدم اعتماد مصر على الطائرات الأمريكية أكد شلتوت أن الحل الوحيد لاستعادة القدرات العسكرية والاستعداد لحل أزمة سد النهضة بالطرق العسكرية هو استيراد طائرات وصواريخ من دول أخرى بخلاف أمريكا مثل كوريا الشمالية.
ويشير شلتوت الى أن مشكلة مصر الحالية هى اهتزاز صورتها أمام الدول الأفريقية التي تتآمر حالياً على مصر، فالسودان على سبيل المثال يتحالف الآن مع إثيوبيا ضد مصر فيما يخص سد النهضة، وعلى القيادة المصرية ان تضع ذلك في الاعتبار خاصة أن الحكم السوداني في الوقت الحالي حكم اخواني ومن الطبيعي أن يسعى النظام السوداني الحالي الى حصار مصر مائياً.
ويري شلتوت أن اتخاذ خطوة عسكرية رادعة لهدم سد النهضة اجراء ضروري وهام خاصة أن الجميع يعلم أن اسرائيل هى  الراعي الرسمي لمشروع سد النهضة، وهى الدولة التي تعاقدت مع إثيوبيا لادارة الكهرباء المنتجة من سد النهضة.
ويستطرد شلتوت حديثه قائلا: إن في الوقت الذي تؤمن إثيوبيا نفسها ببيع ملايين الأفدنة من أراضيها لدول مختلفة على رأسها الصين لاستهلاك مياه نهر النيل، مشيراً الى أن هذا الاجراء من أثيوبيا يدل على استراتيجيتها المناهضة لمصر، فهى تضع الدول المالكة لأراضي إثيوبيا والمستهلكة لمياه نهر النيل في المواجهة البديلة مع مصر، لذا فالخطوة العسكرية المصرية المنتظرة لردع الاثيوبيين لابد أن تتم قبل بنائه وليس بعد بناء السد، اضافة الى أن الخطوة العسكرية المنتظرة على سد النهضة ستعيد لمصر قيمتها بين الدول الأفريقية التي أثارتها إثيوبيا ضد مصر، وجعلتهم ينسون فضل مصر عليهم وعلى رأسها السودان التي وهبتها مصر استقلاليتها في الماضي.
اختلف اللواء أحمد رجائي، الخبير العسكري، تماماً مع اللواء شلتوت قائلا: إن مصر قوية عسكرياً وتمتلك أسلحة وصواريخ مصرية الصنع ويصل مداها الي 300 كيلومتر إضافة الى طائرات التوي لوف، لذا فالحديث عن عدم قدرة مصر على ردع إثيوبيا عسكرياً غير صحيح الا أن هناك أوراق ضغط اخرى لدينا أهمها اثارة القضية مع الدول الاسلامية فسد النهضة خطر على الكعبة، ففي حالة انهياره ستندفع المياه في الشقوق الأرضية والتي من ضمنها شقوق أسفل الكعبة لذا فهذا السد يهدد المقدسات الاسلامية، لذا فمن المفترض ان تتكاتف دول الخليج والدول الاسلامية مع مصر للوقوف أمام انشاء سد النهضة، هذا خلاف الحل السياسي واللجوء الى القضاء الدولي والدفاع عن حقنا في ايقاف انشاء هذا السد.
من جانبه يرى الدكتور نبيل فؤاد، أستاذ العلوم الاستراتيجية، أن مصر في غنى عن الحلول العسكرية نظراً لظروفها الاقتصادية والسياسية، مشيراً الى أن المسافة ما بين إثيوبيا ومصر كبيرة جداً، تجعل أي خطوة عسكرية في غاية الصعوبة فمثل هذه العملية تحتاج طائرات من نوع خاص، كما أن وجود قاعدة عسكرية مصرية في باب المندب لن يخدم القضية، فإثيوبيا لم تعد دول بحرية بعد استقلال اريتريا، اضافة الى بعد المسافة بين باب المندب وإثيوبيا، كما يرى «فؤاد» ان المجتمع الأفريقي والعالمي لن يسمح بالتدخل العسكري، لذا فمن الأفضل لمصر أن تلجأ إلى الحلول السياسية والقانونية، وهذه حلول كافية لوقف بناء سد النهضة لما له من أضرار على الشعب المصري وحقوق مصر المائية في نهر النيل.

 
المصدر: "بوابة الوفد"