2024-03-29 05:07 م

فوز بوتفليقة والتحديات القادمة

2014-04-19
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
فاز الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية بولاية أخرى مدتها خمس سنوات كما كان متوقعا وبفارق كبير في نسبة الاصوات التي حصل عليها مقارنة بالمنافس الأقوى علي بن فليس من بين المرشحين الاخرين. اذ حصل بوتفليقة على 81% ( 8 ملايين و الف 332صوت ) بينما حصل علي بن فليس على 21% (مليون و 244 ألف) وبلغ عدد المصوتين 11 مليون من أصل 23 مليون ناخب سجلوا للاقتراع للانتخابات الرئاسية، حيث بلغت نسبة المشاركين في الانتخابات 51.7% (18 ابريل جريدة الانباء اللبنانية ) لقد سبقت الانتخابات نقاشات حادة بين المعارضة والحكم الذي سيطرت عليه جبهة التحرير الوطنية الجزائرية منذ استقلال الجزائر عام 1962 من الاستعمار الفرنسي، ولعبت المؤسسة العسكرية دورا رئيسيا في حكم البلاد. ولقد تمحورت النقاشات في اغلب الأحيان حول قانونية وأحقية الترشيح لولاية رابعة بالإضافة الى الحالة الصحية الغير جيدة للرئيس خاصة على أثر تعرضه لجلطة دماغية العام المنصرم حيث أمضى فترة للعلاج في فرنسا أبقته خارج البلاد لمدة ما يقارب من الثلاثة أشهر، مما اثار الكثير من التكهنات حول عودته وعن حالته الصحية وإمكانية مقدرته على الترشح وإدارة البلاد في حالة فوزه بالانتخابات. وعلى الرغم من وجود بعض الأصوات داخل جبهة التحرير الوطنية الجزائرية بضرورة إيجاد البديل لبوتفليقة، الا ان الجبهة قررت بأغلبيتها ترشيحه بالرغم من بعض الاعتراضات وذلك حفاظا على الامن والسلم الأهلي وخاصة وأن بوتفليقة كان صاحب "الوئام المدني والمصالحة"، والذي تمكن من اعادة الهدوء والاستقرار الى الجزائر بعد عدد من السنوات الدموية نتيجة الحرب مع الإسلاميين المتشددين والذي راح ضحيتها ما يقارب من 200 الف جزائري ، وفيها قطعت الرؤوس والأطراف وبقرت البطون وارتكبت المجزرة تلو الأخرى للناس الامنين على يد التكفيريين كما هو الحال الان في سوريا. بالإضافة الى ذلك ربما لم يكن هنالك بديلا لدى الجبهة جاهزا وخاصة وأنها عاشت فترة لم يكن لديها تصور واضح عن حالة بوتفليقة الصحية وما ستؤول اليه الأحوال، وربما رأى البعض ان النقاش في من سيكون البديل، قد يشكل نوع من الخيانة أو الطعن ببوتفليقة من الخلف. وهذا لا ينفي أن يكون من أحد الأسباب أيضا وجود فئة منتفعة من وجودها في السلطة أو قريبة منها وتريد أن تبقي الأوضاع على ما هي، وخاصة وانه من المعروف ان هنالك فساد اداري ومالي مستشري في البلاد. وبغض النظر عن الأسباب التي قدمت من أجل الإبقاء على بوتفليقة وانتخابه لولاية رابعة، فانه من المؤكد انه لن يستطيع الحكم هو أو نائبه الذي من المرجح ان يعين لاحقا والمعول عليه إدارة البلاد، بنفس الطريقة المعهودة ولا شك أن هنالك الكثير من التحديات والاستحقاقات سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، والتي لا بد من مجابهتها والتصدي لها وإيجاد نوع من الحلول الجذرية لبعضها. وسنشير هنا الى بعض هذه التحديات والاستحقاقات. أولى هذه التحديات يكمن في النهوض في الوضع الاقتصادي للبلد التي شهدت الكساد والجمود الاقتصادي في السنوات الأخيرة، وهنالك تذمر شعبي واسع من الظروف المعيشية والاقتصادية والبطالة المتزايدة وخاصة بين أوساط الشباب الذين يضطرون للهجرة الى الخارج وخاصة الى الدول الأوروبية بحثا عن عمل. ومما يضاعف من هذه المسألة هو التركيبة السكانية في الجزائر حيث تصل نسبة من هم أقل من 45 عاما الى ما يقارب من 80% من السكان البالغ عددهم 37 مليون نسمة. وبينما تصل نسبة البطالة عامة الى حوالي 10% ، فان هذه النسبة تصل الى حوالي 25% بين أوساط الشباب (16 ابريل واشنطن بوست). ويزيد الامر سوء نظرا لوجود زيادة في الاعمال الموسمية أو الغير دائمة وانخفاض الأجور. وتعتمد الجزائر في اقتصادها الى حد كبير على تصدير البترول والغاز الطبيعي الذين يشكلان فيما بينهم ما يقرب من 95% من صادرات الجزائر، ويسهم في ما يقارب من 70% من دخل الدولة. وبالرغم من المدخول العالي الذي حققه تصدير الطاقة فان الانخفاض في الأسعار العالمية للبترول والغاز الطبيعي سينعكس سلبا على الاقتصاد الجزائري، وتزداد المشكلة حدة مع ارتفاع الاستهلاك المحلي للطاقة والنقص التدريجي لمخزون مصادر الطاقة. وهذا يستدعي وضع البرامج الاقتصادية الكفيلة بتنويع الصادرات وعدم الاعتماد على تصدير النفط والغاز بشكل رئيسي. وهذا يتطلب من الدولة الاستثمار في القطاعات الإنتاجية بالإضافة الى تشجيع الاستثمارات الأجنبية في هكذا قطاعات. ومن المؤكد أن الدولة تتحمل مسؤولية القضاء على الفساد الإداري والمالي الذي يتسبب عن اهدار الكثير من مقدرات الجزائر، والذي لا يشجع الاستثمار الاجنبي أو القطاع الخاص المحلي. وكانت قد اشارت الكاتبة سامية مباركي في مقال لها في جريدة. Com ( 17 ابريل 2014) الى حادثتين في هذا المجال، احداهما تتعلق بفضيحة المؤسسة الوطنية للمحروقات سونطراك والتي ما زال الغموض يلفها نظرا على ما يبدو تورط العديد بها وهروب احد المتهمين الرئيسيين وهو وزير الطاقة الأسبق الى الولايات المتحدة. والقضية الأخرى تلك المتعلقة بفضيحة الطريق السريع الرابط بين شرقي الجزائر وغربها بمسافة 1200 كلم، والذي قدرت تكاليفه 11 مليار دولار والتي من المرشح أن تقفز الى 16 مليار دولار حين الانتهاء من المشروع. وتشير الكاتبة الى ان هذا المشروع تخلله صفقات مشبوهة شملت شخصيات جزائرية واجنبية. وثاني هذه التحديات تتعلق بمكافحة الارهاب والإبقاء على حالة من الامن والاستقرار وعدم العودة الى ما حصل في تسعينيات القرن الماضي من احداث إجرامية والحرب مع مجموعات إسلامية متشددة لها ارتباطات مع القاعدة على الأرض الجزائرية. ولا شك أن تنظيم القاعدة في المغرب العربي يشكل تحديا أمنيا لكل دول المغرب العربي دون استثناء، وخاصة مع الأوضاع الأمنية المتردية في ليبيا وتحولها تدريجيا الى مصاف الدول الفاشلة، والتي أصبحت مصدرا للأسلحة المتنوعة الى جانب أنها مركز لتدريب وتصدير الإرهابيين والمرتزقة الى الخارج. ولنا في التجربة السورية مثال واضح على ذلك حيث يتم تجنيد المرتزقة وتدريبهم وارسالهم الى الداخل السوري للقتال مع المجموعات المرتبطة بالقاعدة، الى جانب تهريب الأسلحة عن طريق تركيا. الى جانب ذلك هنالك تنظيم القاعدة في تونس االتي تتمركز عناصره في جبال الشعانبي والتي يحاول الجيش التونسي منذ فترة ليست بالقليلة القضاء على هذه العناصر التي التجأت الى الجبال. ولقد أعلنت المنطقة منطقة عسكرية مغلقة مؤخرا، يمنع دخولها من قبل المواطنين وذلك لخطورة الموقف هناك. ولا شك أن سهولة الحركة في المناطق الجبلية الوعرة تتيح للإرهابيين التنقل من دولة الى أخرى، وهذا يستدعي تعاونا وتنسيقا امنيا متواصلا وعلى أرفع المستويات بين دول المغرب العربي لمحاربة هذا الارهاب الزاحف، خاصة مع عودة العديد من الإرهابيين من ليبيا وتونس والمغرب من القتال في سوريا وقد اكتسبوا خبرات قتالية عالية. بالإضافة هنالك الخطر الداهم من الجنوب وبالتحديد من مالي الذي أصبحت مرتعا لعناصر القاعدة والمجموعات الإرهابية، وحيث قامت فرنسا بإرسال قوات فرنسية مؤخرا لمحاربة هذه المجموعات. وكانت ان طلبت فرنسا تعاون الجزائر بهذا الشأن بما يتضمن ارسال قوات جزائرية، الا ان الجزائر رفضت ذلك التدخل المباشر خوفا من ان ينعكس هذا على الأوضاع الأمنية داخل الجزائر وذلك بإعطاء تبريرا لهذه المجموعات بمهاجمة الجزائر. والتحدي الاخر الداخلي يرتبط بكيفية التعامل مع المعارضة وخاصة مع ظهور الأصوات التي تنادي بعدم شرعية الانتخابات وتدعي انها مزورة، وبالتالي الدعوة الى تكوين جبهة عريضة من المعارضة للتصدي للحكومة بالطرق السلمية، مما يستدعي اللجوء الى الشارع. من المؤكد انه من السابق لأوانه الحكم إذا ما كانت المعارضة ستنجح في مشروعها في تكوين هذه الجبهة واستقطاب الشارع الجزائري وزعزعة الامن والاستقرار بالتظاهر اليومي كما هو الحال في مصر، أو دخول العناصر المتشددة على الخط. غير اننا يجب ان لا نقلل من حالة الغضب الشعبي على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والفساد القائم في أجهزة الدولة والتي بمجملها قد تنذر بتدهور الأحوال في الجزائر تدريجيا، وخاصة إذا قامت بعض الأطراف الخارجية باستغلال مثل هكذا وضع داخلي لأجندات إقليمية أو دولية معينة. وقد تكون الاحداث التي جرت مؤخرا في جنوب الجزائر في مدينة غرادية والتي صنفت بانها احداث طائفية ارتكبت ضد سكان المدينة الامازيغ اتباع المذهب الاباضي، هي محاولة لتمزيق النسيج الاجتماعي الجزائري . ففي هذه المدينة الآمنة تم احراق العديد من محالهم وبيوتهم والاعتداء عليهم، وقتل أكثر من عشرة اشخاص منهم. وتأتي هذه الاحداث على خلفية الشحن الطائفي والمذهبي في المنطقة التي تقودها فضائيات ووسائل اعلام الفتنة التي تكفر الغير وتستبيح الدماء واعراض هذا الغير. وهنالك بعض المؤشرات التي تدلل على مخططات جهنمية للجزائر وخاصة وإنها تقف الى جانب سوريا وبالضد من الهجمة الكونية عليها، وتتخذ مواقف واضحة من هذه القضية في "الجامعة العربية" وكذلك في مؤتمر القمة الذي عقد مؤخرا في الكويت. الذي يبدو أن هنالك من يريد أن يعاقب الجزائر على مواقفها الوطنية، ولديه استعداد لاستخدام دولارات البترول كما يستخدمها في سوريا. في النهاية نؤكد على ان بوتفليقة مقدم على تحديات داخلية وخارجية ليست بالسهلة، وعلى الجزائر مجابهتها لكي تحقق الاستقرار آخذين بعين الاعتبار السخط الشعبي للأحوال المعيشية المتردية وخاصة للفقراء والمهمشين، وظاهرة الفساد المستشري في أجهزة الدولة والقضاء عليه، وإيجاد حلول لظاهرة البطالة خاصة بين الشباب بإيجاد فرص عمل لهم والاستثمار في القطاعات الإنتاجية لتقليص الاعتماد على البترول والغاز الطبيعي كمصادر رئيسية للدخل القومي، هذا بالإضافة الى التصدي لظاهرة الارهاب قبل الولوج الى الساحة الجزائرية مرة أخرى. فهل ينجح بوتفليقة أو نائبه في مثل هكذا تحديات؟