2024-04-19 02:42 ص

مأزق السياسة القطرية في سوريا!

2014-08-16
بقلم: الدكتور خيام الزعبي*
تمكنت قطر من ممارسة سياسة خارجية نشطة في ظل واقع عربي خامل وفرضت نفسها كلاعب أساسي في السياسات العربية، إذ تحولت خلال عقدين من دولة صغيرة لا يسمع عنها أحد، لتصبح إحدى القوى الإقليمية الفاعلة في الشرق الأوسط، كما تمكنت من الإنطلاق في الساحات العربية المأزومة وأخذ دور الوسيط في الصراعات المختلفة في المنطقة، بمعنى إن قطر إعتبرت الربيع العربي الفرصة التي كانت تنتظرها لتأكيد نفوذها وموقعها الإقليميَّين على كافة المستويات.
لا خلاف على أن قطر كانت بمثابة الحجر الذي حرك المياه الراكدة في العالم العربي، وأنها أكثر الدول العربية مناصرة للثورات، لكن الغريب واللافت أن منتج الثورات العربية لم يكن كله إيجابياً لها، بل يمكن القول أنه مع الثورات بدأ العد التنازلي لتراجع الدور القطري، فأغلب الدول التي قامت فيها أزمات شهدت مظاهر وبوادر أزمة مع قطر، وفي بعضها مؤشرات على الكراهية للسياسات القطرية، وكانت ليبيا أول المنقلبين، فبعد سقوط طرابلس ومقتل العقيد القذافي، إتهم مسؤولون ليبيون قطر بتنفيذ أجندة خفية وتسخير جماعة من الإسلاميين لتحقيق أهدافها في ليبيا، وفي اليمن لم يكن الدور القطري مقبولاً منذ البداية خصوصاً من جانب الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وهو ما إضطر قطر إلى التخلي عن مبادرتها لمصلحة السعودية، ولم تكن العلاقات بين مصر وقطر، قبل ثورة 25 يناير، على ما يرام، فقد شهدت الصحف المصرية حملات هجوم شديدة على القيادة القطرية ودولة قطر، وواجهت تونس الحالة نفسها، فإتهم بعض التونسيين الحكومة بأنها خاضعة لإستعمار قطري.
رهنت قطر مجمل نشاطاتها الدبلوماسية والإستخباراتية والإعلامية والمالية على مدى أربع سنوات بمشروع إسقاط النظام في سوريا، وربطاً بهذا المشروع، دخلت في خصومات مع كل من يعارض أو ينأى بنفسه عنه، واليوم لا شك في أن موقف قطر من الأزمة السورية يعد من أكثر الأمور التي سيتحدد وفقاً لها مستقبل الدور القطري في الإقليم العربي، ويسبب الوضع السوري المتماسك والذي يستعصي عليه السقوط قلقاً وصداعاً بالنسبة لقطر، فقدرة النظام السوري على البقاء ومجابهته الجهاديين والإسلاميين وتغلبه عليهم شكل كابوساً إقليمياً لدول مجلس التعاون الخليجي برمتها، ولقطر على وجه التحديد، لذلك بذلت قطر كل ما في وسعها من أجل الوضع السوري بعدما تفرغت من ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن، ويمثل مستقبل الوضع في سورية الرهان القطري على التغيير الشامل بالإقليم العربي، وبناء النظام العربي الجديد الذي يدين لقطر بالتغيير الشامل، حيث يقف الموضوع السوري عائقاً أمام تربع قطر على عرش ثورات التغيير في العالم العربي، في إطار ذلك إستثمرت قطر الكثير في سورية وإنخرطت في الشأن السوري حتى النخاع بما تملكه من إمكانيات مادية وإعلامية، ولأجل ذلك إنطلقت تدعو للتدخل العسكري في سورية في كل الساحات الدولية والعربية، وحملت الملف السوري إلى مجلس الأمر أكثر من مرة، ودفعت بقرار في جامعة الدول العربية يبيح لمن يشاء من الدول بتقديم الدعم للفصائل المسلحة، وقاتلت من أجل منح مقعد سورية بالجامعة العربية والأمم المتحدة إلى قوى المعارضة ومن ثم تعتبر قطر أن معركة سورية تتعلق بمستقبلها الخاص وليس فقط بمستقبل دورها الإقليمي، وبالتالي يمثل بقاء النظام السوري في ظل الدعم الروسي والإيراني  وحزب الله أحد الأمور التي يمكن أن تنهك السياسة القطرية والدور القطري بالإقليم العربي. 
وفي سياق متصل يمكنني القول أن هناك تراجعاً للحالة الثورية في المنطقة الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع في الدور القطري، أو ما يسمى بدعم التغيير، فضلاً عن تراجع دورها في أزمات الإقليم، وخاصة سوريا، لأن جبهة النصرة وداعش هما جوهر المعارضة السورية، وتعتبرهما الولايات المتحدة جماعتين إرهابيتين، وكذلك تراجع الإخوان وهم أحد أدوات تحرك قطر في المنطقة، وبالتالي ستواصل قطر تحالفها مع تركيا لوجود دافع من جانب تركيا لإستمرار هذا التحالف، كونها متقاربة مع تركيا فيما يتعلق بمفهوم سيادة الإسلام المعتدل، ولعبت دوراً أساسياً في منظمتين، هما التعاون الإسلامي ورابطة العالم الإسلامي، وأن هناك تنسيقاً بينهما فيما يتعلق بالإخوان المسلمين، وهذا يفسر إجتماعات التنظيم الدولي في أنقرة وإسطنبول وباكستان، وإستضافة قطر للقيادات الإخوانية الهاربة من مصر.
في إطار ما سبق يمكن القول أن قطر خسرت الكثير من حلفائها، بدءاً بالإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، كما تراجعت قوة قطر أيضاً بصفتها الداعم الأول للمعارضة السورية، بعدما تولَّت السعودية دفة القيادة فيها، وحلت بالتالي محل قطر كمموّل رئيس وداعم للمعارضة ضد النظام السوري، وبالتالي فإن تراجع قطر عن دعم حلفائها في سوريا جعل الجماعات المعارضة تنأى بعيداً عنها، ما يعني أنها من الناحية السياسية لم تعد في موقع القيادة، بل أصبحت في المقعد الخلفي، وربما ليست في السيارة أساساً.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول لقد سعت قطر بالتعاون مع حلفائها في المنطقة نحو تنفيذ الخطط المرسومة من قبل قادة عسكريين عرب وأميركيين وبريطانيين وفرنسيين إستعداداً لحرب عسكرية متدحرجة تفضي تدريجاً الى شل القدرات العسكرية لدى النظام السوري وتنتهي بسقوطه، بذلك فشلت كل محاولاتها لإسقاط النظام هناك، ولا تزال قطر غارقة في خصوماتها مع دول المنطقة،  وبالتالي ليس واضحاً فيما إذا كان رهان قطر على تغيير النظام في سورية سيؤتي ثماره، فقطر لم تتراجع بشكل كامل عن تدخلاتها في سورية، إلا أنها سعت إلى إحياء علاقاتها مع سوريا وتحسين ما أفسده الماضي.
    *صحفي وكاتب أكاديمي
Khaym1979@yahoo.com