2024-03-29 11:31 ص

الموقف الامريكي :القتال في العراق والعين على سوريا..عرقلة واحتواء داعش وانقاذ الحلفاء الاكراد

2014-08-17
مجلة "الايكونوميست" الرصينة عنونت غلاف عددها الأخير "العودة الى العراق،"  معلنة تأييدها السافر لتجدد الغارات الاميركية لعرقلة تقدم "داعش،" وبعد نجاحها قد تجد "الولايات المتحدة مهمتها تختزل في تنفيذ غارات جوية متباعدة لمعاقبة واحتواء داعش." وحثت زعماء الدول الغربية قاطبة "على ضرورة تهيئة الرأي العام في بلدانهم لخوض عمليات عسكرية طويلة الأجل في ذاك الجزء من العالم."الاخطر ان تقرير المجلة يمهد الارضية لاستكمال الغارات الجوية في سوريا، قائلة "من غير المرجح ان تتمكن الولايات المتحدة من تدمير او احتواء الظاهرة الجهادية، في المدى البعيد، دون اعداد نفسها للتدخل في سوريا؛" بحجة ملاحقة تشكيلات داعش. جاء ذلك بالتساوق مع تصريحات وزيرة الخارجية السابق هيلاري كلينتون التي تصر في تصريحاتها الاخيرة انه كان يتعين على الولايات المتحدة قصف الاراضي السورية قبل العراق. واضافت الايكونوميست "عاد الاميركيون للقتال البري، وستطول اقامتهم لفترة مقبلة."النخب الفكرية الاميركية ممثلة بأحد اهم اركنها، مجلس العلاقات الخارجية، حث رئيسه ريتشارد هاس الادارة الاميركية على "القيام بشن غارات متواصلة ضد داعش في كل من العراق وسوريا. الحدود القائمة ليست ذات أهمية .. الهدف هو وقف (اندفاع) داعش وايضا انجازه بوسيلة من شأنها تفادي ان تصبح ايران هي المستفيدة." (مقال نشرته يومية "فاينانشال تايمز" البريطانية في 12 آب).ما تقدم من عرض كان ضروريا للدلالة على النوايا الحقيقية المبيتة للادارة الاميركية، ليس في العراق فحسب، بل ابقاء سوريا في صلب دائرة استهدافها. ضمن هذا السياق ينبغي قراءة تأجيج الخلافات الداخلية لنظام ارست الولايات المتحدة أسس المحاصصة الطائفية، ورمت بعرض الحائط نتائج الانتخابات "الديموقراطية" الاخيرة التي صدعت العالم بها واصرت على الاطاحة برئيس الوزراء نوري المالكي لتصفية حسابات سابقة معه وعلى رأسها: اصراره على رحيل كافة القوات الاميركية من العراق عام 2011، ورفضه عرضا اميركيا لبقاء قوات عسكرية في العراق قوامها 10 آلاف عسكري على الاقل؛ وموقفه المؤيد لسوريا وحكومتها في محاربة قوى المعارضة السوريا المسلحة المدعومة اميركيا. كما ان البعد الاقتصادي لم يكن غائبا عن اللوحة لا سيما في "العطاءات النفطية" التي اقدم عليها العراق والتي "لم تحفظ لواشنطن حصة الاسد" لشركاتها كما رغبت.هذا الصراع الخفي بين نوري المالكي، بصفته الرسمية وفق صلاحياته كرئيس للوزراء كما صاغها الدستور الذي وضعته اميركا، ينبغي اخذ عناصره بعين الاعتبار للتوقف على حقيقة التوجه الاميركي في تشظي العراق والحيلولة دون تحقيق شبح سقوط الاقليم الكردي، وتسليحه ودعمه برا وجوا. 


الولايات المتحدة تسارع إلى استحضار الخيار العسكري مع تمدد داعش في مناطق شمال العراق، خصوصاً بعد اقتراب التنظيم من مدينة أربيل في إقليم كردستان، وتوالي الأنباء عن وجود خلايا نائمة له في الإقليم.

      بعد طول ترقب وانتظار لسبر اغوار مخططات "داعش" لم تحرك فيها الولايات المتحدة ساكنا خاصة للمجازر الموثقة التي ارتكبها في الموصل ومحيطها، وما لبثت ان سارعت اميركا استحضار الخيار العسكري عندما لاح خطر تهديد داعش للسيطرة على مدينة اربيل، تاج المخطط الصهيوني لتقسيم العراق الى كانتونات متعددة؛ وبات على بعد 50 كلم من تخومها. وشكل تقدمه واندفاعه "نكسة استراتيجية" لمشروع فصل اقليم كردستان عن الوطن الأم، سيما لتوارد معلومات تفيد بأن داعش لديه خلايا نائمة في اقليم كردستان.في خطوة اخرى ذات دلالة، تزامن اعلان الرئيس اوباما شن غارات جوية متواصلة في العراق مع توزيع "داعش" منشورات باللغة الانكليزية في قلب العاصمة البريطانية وعلى بعد امتار قليلة من مقر السفارة الاميركية في لندن. الاعلان وزع بكثافة في شارع "اكسفورد" الشهير والمركزي، وبالقرب من حديقة "هايد بارك،" مبشرا بقيام دولة "الخلافة الاسلامية" داعيا الجمهور الى شد الرحال والهجرة الى هناك اذ ان "فجر عصرٍ جديدٍ بدأ بالفعل." المنشورات المذكورة قد لا تكون ذات تأثير كبير في السياق العام للحرب الدائرة على وحدة ما تبقى من العراق، الا انها مؤشر على جرأة وعمق تأييد القاعدة الشعبية التي يتمتع بها داعش في الغرب.برر الرئيس اوباما اعلانه بدء الغارات الجوية على العراق، الذي قد يستغرق "بضعة أشهر،" بانه ضروري "لحماية المصالح الاميركية" هناك. المغيب في اعلانه هو تحديد ماهية المصالح الممثلة في امتيازات شركات النفط الاميركية الكبرى، اكسون موبيل وشيفرون، واستثماراتها الضخمة في اقليم كردستان في تحدي سافر لحكومة بغداد. الناطق باسم البنتاغون، جون كيربي، اوضح اهداف الغزو الاميركي المتجدد بالقول "القوات العسكرية الاميركية ستمضي في مهامها بالمواجهة المباشرة ضد داعش اينما نجده يهدد قواتنا ومنشآتنا."صحيفة نيويورك تايمز لمحت الى حجم "المصالح" الهائلة بالاشارة الى تواجد "عدة آلاف من الاميركيين،" في اربيل، ولا شك ان عددا لا بأس به منهم ضباطا في وكالة الاستخبارات المركزية. صحيفة الغارديان البريطانية علقت بالقول ان الاميركيين "لم يستطيعوا البقاء خارج (العراق). بالكاد مضى عامين على انسحاب القوات الاميركية من العراق، والآن عادوا للقتال مرة اخرة. وجاء الرئيس اوباما في المرتبة الرابعة على التوالي من الرؤساء الاميركيين الذين صادقوا على العمليات العسكرية في العراق" بمعزل عن تفويض من الامم المتحدة. (عدد 13 آب الجاري).بعبارة اخرى، جاء تطبيق "سياسة الحرب الكونية على الارهاب" مفتوحة الأجل استكمالا للمخططات السابقة لفرض السيطرة الاميركية المطلقة على موارد المنطقة، وهذا يدحض مزاعم اركان الادارة الاميركية، لا سيما سفيرتها لدى الامم المتحدة، سامانثا باور، التي ما برحت تردد تقديس "مبدأ مسؤولية الحماية" للاميركيين اولا، دون ان يرف لها جفن على حجم الضحايا الابرياء الذين تسببت السياسات الاميركية بابادتهم، صغارا وكبارا. 
المصدر: "الميادين"