2024-03-29 10:40 ص

الأوضاع في ليبيا والتدخل الأجنبي

2014-08-19
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
انشغل الاعلام المحلي والعالمي في الفترة الأخيرة بالعدوان الصهيوني الهمجي على غزة، والاثار التي ترتبت عليه وخاصة حرب الإبادة التي شنت على السكان المدنيين الذين أصبحوا بنك الاهداف الرئيسية لآلة الحرب الصهيونية، بالإضافة الى الاحداث في العراق والتمدد الداعشي السريع والاستيلاء على العديد من المناطق الاستراتيجية، بما فيها سد الموصل، والمجازر التي ارتكبت بحق الأقليات الدينية والعرقية الى جانب الشيعة والسنة والذبح على الهوية. هذا الى جانب الازمة السياسية التي عصفت في بغداد والتي كان من الممكن ان تؤدي الى صدامات مسلحة في البلاد. كل هذه الاحداث المتسارعة أدت الى اهمال الأوضاع الأمنية المتردية للغاية في ليبيا والتي تدريجيا تتحول الى ما قد يسمى بالدولة الفاشلة، وما من الممكن أن تجلبه الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار وانتشار الميليشيات من تداعيات على الدول المحيطة بليبيا. عندما شنت قوات حلف الناتو العدوان على ليبيا في مارس عام 2011 تحت ذريعة حماية السكان المدنيين مما ادعوه من بطش نظام العقيد معمر القذافي، وقامت بتسليح العديد من المليشيات في العديد من المناطق، والتي في النهاية أدت الى انهيار النظام والقضاء على العقيد القذافي، هلل الكثيرون لسقوط النظام وقدمت الوعود بالعمل على بناء الدولة الليبية وجعل ليبيا دولة حديثة تنعم بالديمقراطية وتشكل نموذجا للدولة الحديثة. وتدفقت الدول وعلى رأسها قطر وتركيا وفرنسا والمملكة المتحدة والشركات العالمية التي كانت تحلم باستثمار المليارات في العديد من القطاعات وخاصة في مجال الطاقة النفط والغاز وبناء والموانئ والمعادن وبناء مؤسسات الدولة، فلقد كانت ليبيا بحاجة الى العديد من الاستثمارات، وخاصة بعد التدمير الهائل للبنى التحتية الذي تسبب من القصف الجوي العنيف من قبل طائرات حلف الناتو. رويدا رويدا تبخرت كل هذه التطلعات وذلك لان الأهداف الرئيسية من العدوان على ليبيا لم يكن هدفه فقط تغيير النظام، بل كان الهدف هو تحطيم الدولة الليبية وإشاعة الفوضى أو ما أسمته كونداليزا رايس عنما شغلت منصب وزيرة الخارجية بالفوضى الخلاقة وتقسيم ليبيا واشغالها في حروب داخلية بين المناطق المختلفة. وهو ما انزلقت اليه الساحة الليبية وخاصة مع تواجد المليشيات والقبائل المتنازعة فيما بينها على مناطق النفوذ والثروات الطبيعية وخاصة النفط والغاز. ولقد أدت الحالة الأمنية المتردية ووجود كميات كبيرة من الأسلحة المخزونة في عهد القذافي، الى أن تتحول ليبيا الى بؤرة لتجارة السلاح وللمجموعات الإرهابية التي باتت تبيع السلاح بكافة اشكاله وانواعه، كما تقوم بتصدير العناصر الإرهابية والسلاح الى سوريا ومصر وبعض الدول الافريقية مثل مالي. وتلاشت السلطة المركزية ولم تعد الحكومة الليبية تسيطر على معظم الأراضي الليبية وحتى على العاصمة طرابلس، التي يدور بها الان معارك للسيطرة على المطار بين كتائب الزنتان الموالي للواء المنشق خليفة حفتر الذي تمثل الاجنحة العسكرية المنضمة له بما يمكن تسميته بالجناح العسكري "لليبراليين" في البلاد، والذي تخوض المعارك ضد جناح الاخوان المسلمين ومجموعات من كتائب إسلامية متشددة مثل "كتائب مصراته" وغيرها ومن ضمنها مجموعات منتمية الى القاعدة والتي تنتشر في بنغازي. ولقد أدى هذا الانفلات الأمني الى حالة كبيرة من عدم الاستقرار في البلاد، ممل استدعى مجلس النواب الليبي مؤخرا في جلسة عقدت في طبرق التي تبعد ما يقرب من 1600 كلم عن العاصمة طرابلس، باتخاذ قرارا يقضي بحل كافة التشكيلات المسلحة والكتائب "غير النظامية" في ليبيا. وللأسف فان هذا المجلس ولو انه جاء بعملية انتخابات ليس لديه من سلطة فعلية على البلاد. بالإضافة الى هذا القرار اتخذ قرار آخر بأغلبية ساحقة يدعو فيه البرلمان "المجتمع الدولي" بالتدخل الفوري والسريع "لحماية المدنيين" في ليبيا وخاصة في طرابلس وبنغازي. وللأسف أن تدخل حلف الناتو عام 2011 الذي أدى لتدمير ليبيا والوصول الى ما وصلت اليه ليبيا الان انما جاء بناء واستنادا الى هذا البند بالتحديد والالتفاف على قرارات مجلس الامن الدولي وبمشاركة ومباركة الجامعة العربية آنذاك وامينها العام السيد عمر موسى وبتدخل قطري واضح وفاضح، في فترة كانت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة تراهن على حركة الإسلام السياسي في المنطقة بالتعاون مع تركيا أردوغان الذي كان يأمل ان يعيد الحقبة العثمانية الى المنطقة ويصبح السلطان الجديد. المصيبة أن البعض في منطقتنا أصبح يطالب وبشكل علني دون استحياء أو خجل بالتدخل الأجنبي ويستقوي على أبناء شعبه، مظهرا الدول الاستعمارية التي دمرت العديد من بلداننا اما بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك بإغراقها في حروب دامية وطاحنة داخلية عبر ادواتها في المنطقة، ومن خلال مجموعات إرهابية تكفيرية أصبحت تعيث في الأرض فسادا تحت شعارات دينية متطرفة لا تمت الى الإسلام بصلة، وتريد ان تعيدنا الى العصور الحجرية، وتدمر الصرح الحضاري والثقافي والارث الانساني للمنطقة والممتد عبر التاريخ، خدمة لمخططات الامبريالية العالمية وعلى رأسها الامبريالية العالمية التي تسعى في المرحلة الحالية الى تدمير دولنا من الداخل وبأقل تكلفة من عندها-هذا ان لم يدفع البعض منا فاتورة هذا الدمار الذاتي من أموال البترودولار- بهدف تحويل المنطقة بأكملها الى دويلات وكانتونات طائفية ومذهبية وعرقية متنازعة فيما بينها، لتأبيد السيطرة والهيمنة على مقدرات شعوبنا وخاصة مصادر الطاقة من نفط وغاز طبيعي وضمان تدفقه للأسواق الغربية العالمية وبأسعار تتناسب مع مصالحها الاقتصادية، وتحقيق الامن لربيبتها الكيان الصهيوني. ونظرة الى وطننا العربي وما حدث ويحدث الان في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين واليمن والسودان ومصر والمغرب العربي بشكل عام، لهو أكبر دلالة على هذه الأهداف والنوايا الخبيثة ما ظهر منها وما خفي. وكما ذكرنا ونعود للتذكير أن المصيبة الكبرى والذي يبعث على الأسى في النفوس في كثير من الأحيان أن البعض أصبح يستعين بالتدخل العسكري الأجنبي بعظمة لسانه مظهرا المستعمر وكأنه المنقذ وفاعل الخير. ان تدخل حلف الناتو وبدعم من الولايات المتحدة الامريكية، تحت أي مسميات لن يجلب الا مزيدا من الدمار على الساحة الليبية ومزيد من التشرذم والانقسامات وتفتيت البلاد. ولن نستبعد في المستقبل القريب أن تتدخل بعض الدول العربية عسكريا في ليبيا في محاولة لضبط الأوضاع الأمنية التي أصبحت تهدد بشكل جدي كل دول الجوار في الشمال الافريقي.