2024-04-20 02:02 م

أردوغان: استبداد في الداخل وتوتر مع الخارج!!

2014-08-22
محمد نور الدين
لم يكن مفاجئاً انتصار رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية. كل استطلاعات الرأي كانت ترجح ذلك واحياناً بفارق كبير. ولكن بدلاً من نسبة الـ52 في المئة التي نالها، كانت تعطيه حتى الـ57 في المئة.
رهان المعارضة في تحقيق مفاجأة لم يكن أيضاً من دون أساس. فمجموع أصوات حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» وحدهما في الانتخابات البلدية السابقة كان 43 في المئة. ومجموع ما نالاه من أصوات حينها كان حوالي 19 مليوناً.
اليوم نال إكمال الدين إحسان أوغلو حوالي 14 مليوناً، يعني أن خمسة ملايين صوت من الحزبين لم تذهب إلى إحسان أوغلو ولكنها لم تذهب إلى أردوغان إلا بالنزر اليسير. تراجع نسبة المشاركة في التصويت من 90 في المئة في الانتخابات البلدية إلى 77 في المئة في الانتخابات الرئاسية كشف الحقيقة، وهي أن ربع ناخبي حزبي المعارضة امتنعوا عن التصويت فخسر إحسان أوغلو الرهان على تحقيق مفاجأة كانت إلى حد ما بمتناول اليد.
يعيد المحللون السبب إلى أن إحسان أوغلو لم يشكل خياراً مبدئياً للكتلة العلمانية الصلبة من جهة، فامتنع الكثير من الذهاب إلى الانتخابات وخصوصاً العلويين المكتوين بنار أي مرشح له بعد مذهبي.
أيضاً يبدو أن العديد من ناخبي «الحركة القومية»، ولاسيما في أنقرة فضّلوا أن يصوتوا لأردوغان نفسه على مرشح آخر يشترك في دعمه «حزب الشعب الجمهوري».
مع ذلك فإن تجربة تقديم مرشح مشترك لم تكن سيئة، بل كانت أول محاولة للتحالف والتنسيق بين حزبين معارضين في وجه «حزب العدالة والتنمية» منذ 12 عاماً، وقد تؤسس لتحالفات مستقبلية في الانتخابات النيابية والبلدية مستفيدين من ثغرات التجربة الرئاسية.
لكن الظاهرة الأبرز التي نتجت عن الانتخابات الرئاسية كانت من دون منازع هي نسبة الأصوات التي نالها مرشح الكتلة الأوجلانية صلاح الدين ديميرطاش والتي بلغت 9,7 في المئة، بعدما كانت ستة في المئة في الانتخابات البلدية.
وارتفع عدد الأصوات المؤيدة له من 2,7 مليون إلى أربعة ملايين، ما يعني بحساب بسيط: برغم ازدياد عدد الذين يحق لهم الانتخاب، نال أردوغان عشرين مليوناً من دون أي زيادة عن الانتخابات البلدية. وإذا جمعنا الأصوات التي نالها إحسان أوغلو وديميرطاش لبلغت قرابة 18 مليوناً. ولو أن نصف الممتنعين فقط من حزبي «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» قد ذهبوا إلى صناديق الاقتراع وانتخبوا إحسان أوغلو لما أمكن لأردوغان أن يفوز من الدورة الأولى. ولو تحالفت المعارضة في الدورة الثانية لكانت هزيمة أردوغان مؤكدة.
لكن شيئاً من هذا لم يحدث، وخطأ المعارضة أن بعض قواعدها غلّبت الاعتبارات الشخصية والحساسيات السياسية وغيرها على هدف إسقاط سلطة «حزب العدالة والتنمية».
حصول ديميرطاش على أكثر من تسعة في المئة أخرجه من أن يكون مرشح الأكراد فقط. وهنا نال ديميرطاش بحملة انتخابية ناجحة وواضحة تأييد فئات غير كردية وخارج منطقة جنوب شرق الأناضول أو كردستان تركيا، إذ نال تأييداً لم يكن من قبل من مناطق الغرب التركي والبحر الأسود مع ترجيح أن تكون هذه الفئات ذات ميول علمانية ويسارية.
ولكن حصول ديميرطاش على هذه النسبة ستضغط حتماً على أردوغان كي يتعامل بواقعية وتفهم مع المشكلة الكردية، ويدرك أنه لا يستطيع إغفال النمو الملحوظ في تأييد الجمهور للمنحى الأوجلاني في تركيا، وما كان يسعى لتجنبه بواسطة الفوز من الدورة الأولى واجهه في نسبة التأييد التي نالها ديميرطاش.
غير أن ثابتاً وحيداً بقي، وهو أن كردستان تركيا لم تسمح لـ«حزب العدالة والتنمية» أن يزيد من شعبيته في المناطق الكردية وأن يبقيها في حدود الربع أو الثلث على الأكثر ولعوامل دينية إسلامية. وهذه النتيجة تعتبر بشكل أو بآخر هزيمة كما لأردوغان، كذلك لرئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني الحليف القوي لأردوغان الذي لم يتحرك لدعم أكراد سوريا في وجه «داعش» إلا بعدما دق خطره باب أربيل.
أما أردوغان فتكفيه هذه النسبة من الأصوات (52 في المئة) التي كان يتمنى أن تكون أكبر بقليل ولو بنقطة واحدة، كي يخرج ويعلن انتصاره وبالتالي ليدخل مشاريعه حيز التنفيذ. في مقدمة هذه المشاريع الانتقال إلى نظام رئاسي.
لا يمكن لأردوغان صاحب الشخصية التسلطية أن يكون رئيساً شكلياً أو مقيد الصلاحيات والحركة. هو يريد أن تكون السلطة حيث يكون. حتى بالصلاحيات الحالية المعطاة لرئيس الجمهورية لن يكون من الصعوبة أن يفسرها أردوغان ويمارسها على أنها حق له، خصوصاً إذا لم يكن عبدالله غول هو رئيس الحكومة المقبل.
وكل من هو مرشح لرئاسة الحكومة والحزب ليس سوى خاتماً في أصبع أردوغان، وعلى رأس هؤلاء علي باباجان أو أحمد داود أوغلو أو محمد علي شاهين. حتى بولنت أرينتش الرجل القوي في الحزب كانت مواقفه المعترضة احياناً على أردوغان تنتهي بتراجعه. أردوغان هو ولي نعمة الجميع وبالتالي تركيا اليوم أمام مرحلة جديدة بالكامل عنوانها سلطة الشخص الواحد وليس الحزب الواحد حتى لو لم يتغير النظام إلى رئاسي، فكيف إذا ما تم ذلك عبر استفتاء شعبي؟ الانتقال إلى نظام رئاسي يهدف، فضلاً عن تحقيق غريزة أساسية لدى أردوغان في التسلط، إلى منع انهيار «حزب العدالة والتنمية» من بعده. ذلك أن الابقاء على النظام البرلماني الحالي يمنع رئيس الجمهورية من التدخل في الشأن الحزبي ويفتح أمام وهن في بنية «العدالة والتنمية» بغياب الشخصية الجامعة المؤثرة. فيما يؤمن الانتقال الى نظام رئاسي عودة اردوغان رئيساً للحزب مع بقائه رئيساً للجمهورية وبالتالي حفظ الحزب بزعامته من التشرذم والانقسام. مع ذلك فإن السيناريوهات والتوقعات كثيرة ومرهونة بأوقاتها.
لقد أطلق أردوغان عبر «خطاب البلكون» بعد انتصاره رسائل متعددة أهمها أنه لن يكون رئيساً لفئة من الأتراك بل لكل الأتراك، وأنه يريد عهداً من خطاب الانفتاح والمصالحة وحل المشاكل بما فيها المشكلة الكردية. لكنه خطاب ليس بجديد وكان يكرره أردوغان بعد كل انتصار في انتخابات سابقة، غير أنه كان يعمل بخلافه.
بل إن الانتخابات الرئاسية الأخيرة عرفت أكبر ارتفاع في جرعة النزعة المذهبية لديه، التفريق علناً بين السنة والعلويين وبهجومه الشهير على الشيعة قبل أشهر معدودة كما في دق إسفين التفرقة بين الأكراد أنفسهم. كما عبر عن نزعة إتنية مقيتة عندما تعرض لمن يتهمه بأن أصله أرمني أو جورجي معتبراً أن من أقبح الأشياء أن يكون أصله ارمني أو جورجي كما لو أن الانتماء إلى هذين العرقين جريمة أو عار، قائلاً: «بل أنا تركي»!
ولم تتوقف آلة عمل الأجهزة الرسمية من اعتقال كل المعارضين له ولا سيما جماعة فتح الله غولين حيث لا تزال فضيحة الفساد تلاحق أردوغان وحزبه، ولم يقدم أحد حتى الآن إلى القضاء الذي يبدو أنه سيبرئ جميع المتهمين لأن المسلم لا يسرق ولا يقتل!
وقبل أيام، بل ساعات من بدء الانتخابات، كان أردوغان يتعرض علناً للصحافية عمبرين زمان ويتهمها بقلة الأدب (أدبسز) لأنها استغربت كيف يمكن للأخلاق أن تنهار في بلد مسلم مثل تركيا ليستأنف بذلك «تعنيف المرأة والحرية معاً»، بعدما سبقه رفيق دربه بولنت أرينتش بتوبيخ النساء اللواتي يقهقهن في الشارع أو يخرجن إلى العطلة من دون اصطحاب أزواجهن، ومضافاً إليها تحذير أحد المحافظين من أن يقوم الرجال والنساء معاً برقص الدبكة التركية لأن هذا حرام في الإسلام.
وإلى ذلك كان أردوغان يضغط على رئيس تحرير صحيفة «حرييت» أنيس بربر أوغلو، فيستقيل هذا، فضلاً عن اعتقال الصحافي المعروف محمد برانسو قبل أن يطلق سراحه.
هذا «الأردوغان» بهذه السلوكيات، كيف يمكن له أن يتغير بين ليلة وضحاها وهو خاض كل معاركه منذ عشرة أعوام من أجل أن يتفرد وينفرد بالسطة ويلغي كل شركائه من اليساريين والديموقراطيين إلى نجم الدين أربكان إلى فتح الله غولين، ولم يبق سوى أن يلغي نفسه بنفسه؟
لم يعط «خطاب البلكون» أي أمل بالتغيير الجدي الذي يبدأ من تلبية مطالب الأكراد والعلويين، ولا يتوقف عند إعادة الاعتبار للمؤسسات والحريات والديموقراطية. وما عدا ذلك، فإن المتوقع أن تكون تركيا في ظل أردوغان الرئيس، أقل علمانية وحرية وديموقراطية وأكثر دينية وعرقية ما يفتح على اضطرابات اجتماعية وسياسية متعددة.
أما على صعيد السياسة الخارجية، فلم يعط خطابه ما يشير إلى أي تغيير في السياسة الخارجية، بل عاد مجدداً الى نغمة المتاجرة بالقضية الفلسطينية من خلال قوله إنه سيعالج الجرحى الفلسطينيين في تركيا تماماً كما يعالج جرحى «داعش» في المستشفيات التركية والموثقة بالصوت والصورة في وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
وصول أردوغان الى الرئاسة سيعزز قبضته على مركز القرار في تركيا بعيدا عن احتجاجات المعارضة، وبالتالي الإمعان في سياسات الانحياز والتورط في المنطقة بعدما كان وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالطاغية، وباتت علاقاته بالسعودية والإمارات وقبلهما سوريا والعراق مقطوعة بالكامل.
ومع انه حافظ على كل علاقاته الجيدة مع اسرائيل برغم آلاف الشهداء والجرحى في غزة، غير أن خطابه المعادي لها يفاقم أيضاً من عزلته. واضطرار الغرب الى التعاون معه للضرورات الإستراتيجية لا تعني أن العلاقات مع الغرب ستتحسن، بل ربما نشهد المزيد من تراجع تركيا على صعيد التزام المعايير الأوروبية على جميع الأصعدة.
وسط هذا التشاؤم في مسار الاستقرار الداخلي والتوتر مع الخارج، ربما يكون باب الخروج منها هو على قاعدة «اشتدي أزمة تنفرجي»، وأبواب الانفراج متعددة.. وقد تكون غير متوقعة.
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية