2024-04-16 07:38 ص

تصريحات نتنياهو الأخيرة بشأن مواقف بعض الدول العربية من العدوان على غزة

2014-08-23
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
الحديث الذي ادلى به نتنياهو مؤخرا والذي يشير فيه بوقوف بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني في عدوانها الهمجي على قطاع غزة، والذي يريد اختزاله وعرضه بانه يشن لمحاربة حماس وليس عدوانا على الشعب الفلسطيني بكل مكوناته دون استثناء، ليس بالمستغرب وليس بالجديد. فقد سبق وان ادلى بنفس التصريحات في خطابه الشهير في الاجتماع السنوي للجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث أكد أن هنالك العديد من الدول العربية تلتقي مع اسرائيل في عدائها لإيران، وأنها لم تعد تعتبر اسرائيل دولة معادية أو شيء قريب من هذا المعنى. ولقد أشارت العديد من الصحف الغربية ومراكز الابحاث في الدول الغربية الى وجود تنسيق استراتيجي وعلى أرفع المستويات بين بعض الدول الخليجية برئاسة السعودية والكيان الصهيوني، كما وتحدثت عن زيارات لوفود خليجية رفيعة المستوى لتل ابيب، والاجتماع بقيادات اسرائيلية من ضمنها رئيس الوزراء نتنياهو لوضع الخطط والتحرك الاقليمي والدولي لإحباط المفاوضات بين دول الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وروسيا مع إيران فيما يخص البرنامج النووي الايراني والعمل على عدم توقيع الاتفاقية. وليس سرا ان الكيان الصهيوني قام بإرسال وفد رفيع المستوى الى أمريكا للتأثير والضغط على الإدارة الامريكية من خلال الكونغرس واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، بينما تحركت السعودية على فرنسا في محاولة لإغراءها بعقد صفقات لتزويدها بأسلحة تصل قيمتها بمليارات الدولارات، مستغلة انتهازية الرئاسة الفرنسية التي تريد أن تقحم نفسها على الساحة السياسية الدولية بأي ثمن، وكذلك الوضع المترهل للاقتصاد الفرنسي المستميت في الحصول على مليارات الدول الخليجية من خلال المشاريع المشتركة أو صفقات الأسلحة التي تنافسه عليها كل من الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة. والان يعود هذا الحلف الغير مقدس الى الواجهة، ويبرز مرة أخرى بسبب وقوف السعودية ضد تنظيم الاخوان المسلمين باعتبار أن حماس جزء من التنظيم الذي وضع على قائمة الإرهاب من قبل السعودية، ليس لأسباب عقائدية او أيدولوجية بقدر ما هي أسباب تتعلق بالدور السعودي في المنطقة، ومكانة المملكة في العالم الإسلامي التي بدأت تهتز، لان هنالك قوى إقليمية بدأت تنافسها على هذا الدور الا وهي تركيا وإيران. والدلالة على ذلك هو الموقف من الاخوان المسلمين المتماهي والمنسجم مع مواقف وتركيا وقطر في الساحة السورية والمتعارض 180 درجة في مصر. ولا نعتقد اننا نجافي الحقيقة إذا ما ذكرنا، أن الصعوبة التي تجابه المقاومة الفلسطينية في ترجمة تغيرها المعادلات الميدانية مع العدو الصهيوني بعدوانه على غزة، الى تحقيق مكاسب سياسية في المفاوضات الغير مباشرة في القاهرة، لا يعود الى التعنت الإسرائيلي والدعم الأمريكي للكيان الصهيوني فقط، بل يعود أيضا وبدرجة كبيرة الى تواطؤ وشراكة المحور السعودي والإماراتي بشكل خاص والى حد ما المصري (كما يفهم من التصريحات الدبلوماسية لبعض أعضاء الوفد الفلسطيني، ولإبقاء معبر رفح مغلقا تحت ذرائع غير مقنعة) في الضغط على المقاومة الفلسطينية لتخفيض سقف مطالبها وشروطها، أو أن تبدي ما يسمى "بالمرونة" في المواقف. فهذا المحور لا يريد للمقاومة الفلسطينية أن تحقق أي من المكاسب السياسية التي تتناسب مع حجم التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني، والصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطيني، وقدرتها على تغيير المعادلات في الميدان. ولا شك أن غياب القوى الفاعلة كسوريا والعراق والجزائر لما تجابهه هذه الدول من مصائب ومشاكل داخلية بات يعرفها الجميع بتفاصيلها، الى كل ما ذكرناه يجعل الوفد المفاوض الفلسطيني كما لمح د. زياد نخالة في وضع لا يحسد عليه، فهو بصريح العبارة محاصر من العدو "والصديق". ان حديثنا على المحور السعودي الاماراتي والمصري، لا يعني أن المحور التركي القطري في موقع أفضل فيما يخص دعم القضية والمقاومة الفلسطينية. فهذا المحور يريد ان يستثمر الوضع ويرى به الفرصة للعودة الى الساحة الإقليمية، وخاصة بعد خسارة رهانه على اسقاط الدولة السورية، بالإضافة الى الصفعة القوية التي تلقاها بالضربة التي وجهت الى تنظيم الاخوان المسلمين في مصر، وبالتالي التراجع الحاد الذي أصاب مشروع الإسلام السياسي في المنطقة الذي كان يقوده السلطان الجديد أردوغان. ومن هنا وقفت قطر وتركيا ضد المبادرة المصرية منذ البداية، وفي حقيقة الامر ان هذا الموقف لا يعود الى ما طرح في المبادرة المصرية، بقدر ما يعود الى الصراع مع المحور الاخر. ويجب ان لا ننسى ان كلا البلدين لديهم علاقات اقتصادية ودبلوماسية علنية مع الكيان الصهيوني، وان تركيا لديها ما يقرب من الستين اتفاقية أمنية مع إسرائيل بالإضافة الى ان تركيا عضو في حلف الناتو. أما قطر فهي تقوم ببيع الغاز الى الكيان الصهيوني، وهي التي حولت أراضيها الى قواعد أمريكية تعتبر من أكبر قواعد واشنطن في العالم خارج الولايات المتحدة، وهي تحوي على مركز قيادة عمليات الشرق الأوسط والقاعدة الجوية الامريكية الضخمة في العديد. وهذا المحور كما المحور الاخر يريد أن ينهي القضية الفلسطينية ربما بأسلوب وطرق قد تكون مختلفة عن الاخر. وكلا المحورين بنهاية المطاف أدوات تستخدم لخدمة مخططات الامبريالية الامريكية في المنطقة وتتناغم وتتماهى مع الكيان الصهيوني ان كان بالسر او بالعلن. هذه هي الحقيقة الجوهرية والاساسية التي يجب التنبه اليها وادراكها حتى نتمكن من تحديد والتمييز بين العدو والصديق. ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة والكيان الصهيوني يستثمر في الصراع القائم ما بين المحورين، ويستخدمهم لأغراضه ومصالحه الخاصة، وفي ممارسة مزيد من الضغوط لابتزاز التنازلات من الطرف الفلسطيني، ومحاولة إيجاد شرخ في الوفد والموقف الفلسطيني الموحد، للوصول الى نزع سلاح المقاومة أو تحجيمه بدرجة كبيرة بأي وسيلة عبر المفاوضات أو اللجوء الى مجلس الامن، وإعادة تنظيم الاحتلال مقابل مليارات من الدولارات تقوم بدفعها الدول الخليجية لما يسمى "إعادة اعمار" غزة. ومن هنا نرى أنه بالرغم من التصريحات الامريكية والإسرائيلية بالتمسك بالدور المصري فان تحركاتهم تدلل على أن كلاهما يريدان بشكل أو بآخر مشاركة قطر وتركيا لان كلا من الدولتين على علاقة جيدة ان لم تكن حميمة مع عدد من قيادات حماس السياسية وخاصة مع امينها العام السيد خالد مشعل. في النهاية نقول أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة تلعب على الحبلين وتستخدم المحورين بقدر المستطاع بغرض تصفية القضية الفلسطينية وانهاء أو اضعاف المقاومة الفلسطينية، ولا شك أن الظروف التي تمر بها المنطقة تساعدها على ذلك. ويبقى الخوف الأكبر من ان تنجح المحاولات في شق الطرف الفلسطيني بعد توحد الموقف بعد غياب طويل، وإيجاد طرف فلسطيني يكون على استعداد للتساوق على التعدي على المقاومة أو تحجيمها.