2024-03-29 10:36 ص

بعد سرقة التراث... اليونسكو السورية تطلق صيحة فزع

2014-08-26
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي*
تعرف سورية بأنها من أكثر دول العالم ثراء بآثار حضاراتها القديمة، لكنها أضحت اليوم تواجه خطر الضياع مع إزدياد عمليات التهريب للآثار إلى خارج هذا البلد التي تتباهى بكونها متحفاً مفتوحاً لإنتشار شواهد موروثها الحضاري، وقد أصبح تهريب الآثار السورية ظاهرة واضحة للعيان، فلا يكاد يمر وقت قصير إلا وتعلن الجهات المسؤولة عن سرقة آثار تمت أو أخرى أُحبطت، وما بين هذه وتلك تمر عشرات السرقات المجهولة، خاصة وأن المدى الجغرافي الذي توجد فيه هذه الآثار واسع، ويقع جزء كبير منه خارج حيز الإهتمام الرسمي، وبالتالي تعيش الآثار السورية بين مطرقة نقص الرعاية الحكومية وسندان عصابات تقوم بسرقتها وتهريبها إلى خارج البلاد لبيعها في الأسواق العالمية. منذ بداية الأزمة السورية حظي موضوع الآثار بإهتمام من الكتّاب في الصحافة العالمية بعد تسرب أخبار عن زيادة تجارة تهريب الآثار على يد المهرّبين، كما تعرّضت الكنائس والأديرة التي تعود الى مئات السنين، للهدم على يد الأصوليين الذين يعيثون فيها نهباً، قبل تدميرها، لذلك تنشط مافيا وسماسرة الآثار ومهربي تراث سورية بشكل كبير مستغلين إنشغال الدولة بالقضايا السياسية والإقتصادية والأمنية، مما ينبأ بخطورة كبيرة على تراث سورية الحضاري، لذلك لابد من تضافر الجهود للقبض على هذه المافيا التي تسعى لطمس هوية سورية الحضارية. السؤال الذي يفرض نفسه هنا هل يمكن أن يصحو شعب ما ذات يوم فيجد نفسه مطموس التاريخ أو الحضارة؟ الجواب قد يبدو ظاهرياً مستحيلاً، لكن علماء آثار متخصصين في حضارات العالم العربي القديمة لا يستبعدونه، بل ويحذرون من أن عواقب سرقة الآثار في سورية ستكون وخيمة على مستقبل الشعوب التي ستجد نفسها مطموسة التاريخ، بالرغم من أن مافيا الآثار تنشط من قديم الزمان، وتشهد على ذلك أشهر متاحف الغرب التي تتزيّن بآثار العرب المسروقة، لذلك يمكن إعتبار ما تعرّضت له آثار سورية الحلقة الأخطر ضمن سلسلة التهريب إلى الخارج، وقد جاءت ثورات “الربيع العربي” لتضاعف من حجم عمليات التهريب والتخريب. بدورها أدانت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" ما وصفته بالإستهداف اليومي للتراث السوري المادي واللامادي بالنهب والسرقة والتهريب والتدمير عبر تجار الآثار والمخطوطات وعبر تجار الحروب والمليشيات المسلحة، والباحثين عن الثروة و الثراء السريع، كما شاركت دعوتها الحكومة السورية للوقوف معها لأجل حماية التراث السوري الثقافي من سرقات داعش ونهب الآثار والإتجار غير الشرعي به، وعبرت في بيان صدر عنها عن تخوّفها من تعرّض التراث الثقافي إلى النهب والدمار، ودعت السوريين إلى الوقوف معاً من أجل حماية تراث بلادهم، مبينة أن أعمال تدمير التراث الثقافي، ولا سيما المواقع الدينية، تندرج في إطار جرائم الحرب، وهي جريمة بحق هوية وتاريخ الشعب السوري، ويجب الحرص على محاسبة مرتكبي هذه الأعمال، والأدلة على أفعالهم المجرمة هذه باتت كثيرة ولدى منظمة اليونسكو والأمم المتحدة المعطيات المتعلقة بذلك من خلال الواقع والوثائق التي قدمتها سورية عبر سفيرتها لدى اليونسكو وعبر ممثلي المنظمة الدولية في دمشق. وبما أن قيمة التراث الثقافي وأهميته تكمن في كونه تراثاً إنسانياً يجسد عبقرية شعب ويشكل حلقة من حلقات التطور الحضاري للإنسان، فكانت صيحة فزع أطلقتها اللجنة الوطنية السورية لليونسكو وخبراء الآثار والتاريخ والحضارات الإنسانية، على إثر الصور التي نشرها تنظيم داعش، ويظهر فيها تفجير وتدمير العديد من المعالم الأثرية في عدّة مدن سورية، وبدا من الصور أن المعالم المستهدفة هي مزارات وأديرة مسيحية، كما أن تنظيم داعش ينشط أيضاً في تهريب الآثار وبيعها، وكثير من التفجيرات التي يقوم بها تأتي للتغطية على هذه الجريمة،وما تزال بعض المواقع السورية مهددة بمافيا التكفير والتدمير"التنظيمات الجهادية"، التي تعبث بآثار سورية، تسرق وتبيع ما يفيدها وتهدم الباقي بحجّة أنها أصنام ومعابد، كما حرصت اللجنة الوطنية على متابعة ملف التراث الثقافي بالتعاون مع المنظمات والهيئات الدولية للمحافظة على تراث سورية المسجلة على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر لدى اليونسكو، وكما تقوم بالعديد من الإجراءات فيما يتعلق بالتنسيق مع منظمة اليونسكو في متابعة هذا الملف حيث تعمل على مواصلة التنسيق مع معظم الوزارات السورية ذات الشأن، وتقوم بدعم وحشد الجهود العربية والإسلامية لإتخاذ موقف عربي وإسلامي موحد لمواجهة تدمير التراث السوري، وقد ساهمت المديرية العامة للآثار والمتاحف على مدى سنوات عديدة بالتعاون مع الجهات المختصة في تطبيق ما تتضمنه الأنظمة المحلية والإتفاقات الدولية من موضوعية وإجرائية بهدف حماية هذه المواقع والحفاظ عليها، ورغم أن هذا الإجراء يعد نمطاً تقليدياً للحماية، فإنه قد لا يكون كافياً إذا لم يسانده وعي أثري من المجتمع المحلي لأن الآثار مسؤولية المجتمع بأسره. في إطار ذلك يمكنني القول إن الآثار والمواقع الأثرية السورية في معظم المحافظات السورية تتعرض لتدمير ونهب وخراب ونزيف من قبل مافيا وتجار الآثار مما يهدد حضارة وهوية سورية وتاريخ أقدم عاصمة في العالم، فحماية الآثار مسؤولية كل سوري وتعد دمشق واحدة من أهم الدول الحضارية العريقة الضاربة جذورها في أعماق التاريخ فلا توجد مدينة تاريخية أو موقع سوري بل لا يوجد شبر في أرض سورية إلا ويعبر عن مكنون حضاري عريق.  أخيراً يمكنني القول إن سرقة الآثار وتدميرها جريمة كبيرة لأنها تمثل نزيفاً حاداً للذاكرة التاريخية، وأن تحقيق الحماية الكاملة لهذه الكنوز التاريخية لن يتم إلا عبر وجود قوانين واضحة ومفعّلة تجرم الإتجار بها، وتنزل العقوبات الصارمة في مرتكبي هذه الجرائم، وكذلك رصد ميزانية كافية للمؤسسات المعنية، تستطيع من خلالها إدخال أنظمة الحماية الحديثة، والتوثيق الكامل للآثار والمخطوطات، فضلاً عن إيجاد إستراتيجية ورؤية مشتركة تشترك فيها كل الجهات الحكومية المعنية.
  Khaym1979@yahoo.com