2024-04-19 07:15 ص

القرار الاممي لمكافحة الإرهاب...أسمع كلامك أصدقك أشوف أفعالك أستغرب

2014-08-26
بقلم:  الدكتور بهيج سكاكيني
يكثر الحديث والتصريحات هذه الأيام عن ضرورة مكافحة الإرهاب. ويبرز ضمن هذا الإطار حدثين هامين في الفترة الحالية. الأول يختص بالساحة الدولية والقرار الذي صدر مؤخرا من قبل مجلس الامن الدولي، اما الثاني فهو يختص بالتحرك الإقليمي حيث اجتمع وزراء خارجية خمسة دول عربية بناء على مبادرة من السعودية في جدة. وما نريد التعليق عليه هنا يختص بقرار مجلس الامن الأخير، على أمل ان نناقش الاخر في مقال قادم. القرار الاممي الصادر من مجلس الامن للأمم المتحدة رقم 2170، دعا إلى الامتناع عن دعم وتمويل وتسليح إرهابيي تنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة» ومنع تدفق الإرهابيين إلى سورية والعراق. كما ودعا البيان جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة «إلى اتخاذ تدابير وطنية لقمع تدفق المقاتلين الأجانب الإرهابيين وتقديمهم للعدالة والتعامل مع المعرضين لخطر التجنيد للحد من السفر إلى سورية والعراق». وأكد المجلس على الدول «منع البيع المباشر أو غير المباشر للأسلحة والمواد ذات الصلة إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة والأفراد والجماعات المرتبطين بها». ولا شك أن هذا القرار له دلالات كبيرة ومهمة بالرغم من صدوره المتأخر جدا، حيث أنه يأتي مع استفحال الإرهاب وتمدده السرطاني، ولم يؤخذ الا بعد أن ارتأت العديد من الدول الخطر الجدي الي بات يشكله إرهاب هذه المجموعات التكفيرية على عواصم الدول الغربية. هذه الخطر الي بات يؤرق ويقض مضاجع العديد من الأجهزة الأمنية الغربية. وحتى يؤخذ هذا القرار على محمل الجدية يجب أن لا يكون انتقائيا في مكافحته للإرهاب والتفريق بين الدول التي تعمل فيها هذه المجموعات التكفيرية، بحسب وبناء على المقاسات والمعايير التي تخدم مصالح الدول الغربية وما يحقق الأهداف الاستراتيجية الكونية لهذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة. وللتدليل على النفاق والازدواجية في المعايير، فان الدول الغربية مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة قامت بتزويد القوات الكردية البيشمركة بالأسلحة المتنوعة عندما تعدى ارهابيو الدولة الإسلامية الخطوط الحمراء المرسومة لهم بالاقتراب من المناطق الغنية بالنفط في إقليم كردستان والمرشح لان يكون إسرائيل الثانية في المنطقة، وقاعدة للتجسس على إيران وروسيا. وقامت وما زالت الطائرات الحربية الامريكية تقصف أرتال مسلحي الدولة الإسلامية لاحتوائها. هذا في الوقت التي لم تحرك ساكنا ولفترة طويلة نسبيا عندما ارتكب ارهابيو الدولة الإسلامية المذابح بحق المسيحيين والايزيديون والشيعة والسنة والتركمان وغيرهم عند احتلال الموصل. أما في سوريا ما زالت الحكومات الغربية ترفض التعاون مع الدولة السورية في مكافحة ارهابيو الدولة الإسلامية وجبهة النصرة المتواجدة على الأراضي السورية، وما زالت تصر على تقديم كل الدعم وتسليح ما تسميه "بالمعارضة المعتدلة"، كما فعلت مؤخرا فرنسا التي أعلنت تزويدها بالأسلحة التي شملت على منصات لإطلاق الصواريخ والستر الواقية والمناظير الليلية والقذائف المضادة للدروع. أما الولايات المتحدة فما زالت تصر على تسليح "المعارضة المعتدلة" في سوريا، وفي الاغلب إذا ما تدخلت في سوريا، فلن تتدخل الا لدعم هذه المعارضة الصنيعة العميلة ولصالحها في محاولة لبعث الحياة بها. طبعا الإدارة الامريكية لا تكتفي بذلك بل ما زالت تعمل كل ما بوسعها لإضعاف وإنهاك الجيش العربي السوري الباسل والمقدام، الى جانب فرض نظام صارم من العقوبات الاقتصادية على الدولة السورية في محاولة حصارها واضعافها وتأليب الشعب على القيادة، في محاولة يائسة وبائسة لتركيع سوريا كدولة وجيش وشعب. ونقطة أخرى بشأن هذا القرار أنه يأتي تحت مظلة البند السابع، بمعنى أنه يتيح التدخل العسكري في البلاد. وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار التجربة الليبية، والعمليات العسكرية المتدحرجة في العراق كما نراها الان، واستخدام التدخل العسكري "المحدود"، لفرض شروط سياسية في عملية ابتزاز قذرة، هذا في الوقت الذي كانت فيه مكونات المجتمع العراقي تذبح وتهجر ونساءه تباع في سوق النخاسة وتغتصب، كل هذا يجعلنا نضع علامة استفهام كبيرة على جدية مثل هكذا قرار، واثارة الشكوك في الأهداف المبطنة والخافية له. القرار ينص على دعوة الدول الى الامتناع عن دعم وتمويل وتسليح الارهابيين ومنع تدفقهم الى سوريا والعراق. اليس هذا بحد ذاته نفاقا مفضوحا. هل وبخت تركيا مثلا على تسهيل عبور ما يقارب من 6000 مسلح إرهابي من اراضيها تم تجنيدهم مؤخرا للالتحاق بالدولة الإسلامية في سوريا كما ورد في بعض الصحف وبناء على معلومات استخبارية من أجهزة امنية غربية، والتي تقدر ان 1100 منهم من حملة الجنسيات الأوروبية؟ وهل تم استجواب مشيخة قطر وغيرها من الدول الخليجية فيما يخص عمليات التمويل للإرهابيين، التي أصبح يعرفها القاصي والداني، وكذالك السعودية والامارات؟ الإدارة الامريكية كانت تتابع البنوك وحركة الأموال للمنظمات الغير حكومية التي كانت ترسل المساعدات الإنسانية لقطاع غزة على مدى سنوات الحصار الثمانية، وتقوم بمداهمة مكاتبها، وتقديمها للمحاكم زورا، وتقوم بإغلاق بعضها وسحب التراخيص منها. وما زالت تهدد البنوك التي تتعامل حتى مع الافراد العاملين في الخارج والذين يرسلون مبالغ بسيطة جدا لأهلهم في قطاع غزة. كما وقامت بمنع دولة قطر من ارسال معاشات الموظفين في قطاع غزة حتى في شهر رمضان المبارك. الإدارة التي تستطيع أن تتابع حتى تحويل مئة دولار ربما الا تستطيع متابعة تحويلات بعشرات ومئات ملايين الدولارات للمجموعات الإرهابية والتعرف على من هي الدول المتورطة وبالتالي محاسبتها؟ وحتى عندما وضع بعض الافراد على القائمة السوداء والعقوبات من تنظيمي داعش والنصرة للتهرب من تسمية دول، لم يوضع اسم البغدادي في القائمة، مما دعى الكثيرون للتساؤل عن الأسباب، وخاصة وان سنودن قد سرب معلومات عن كون البغدادي عميلا للموساد و CIA تم تدريبه لفترة طويلة للقيام بما يقوم به حاليا. الدولة الإسلامية ليست بحاجة الى التمويل من الدول الان، حيث عمدت ومنذ البداية الى أن تكون مستقلة ماديا وقادرة على العيش بدون المساعدات الخارجية. ولهذا وضعت نصب أعينها الاستيلاء على المناطق التي تحتوي على آبار نفط سواء في سوريا او في العراق، وشكل هذا التوجه استراتيجية أساسية للتنظيم. هذا بالإضافة الى مصادرة أموال الأقليات وتحصيل الجزية، وعمليات السطو على البنوك كما كان الحال عن احتلال الموصل، والسطو على المتاحف الاثرية وبيع قطع الاثار النادرة، وكذلك المحاصيل الزراعية مثل القمح وبيعها. ولقد لعبت تركيا والتجار الاتراك دورا هاما في توريد النفط الخام أو المكرر بشكل بدائي وغيره من السلع للأسواق العالمية. ولا تحتاج الأجهزة الأمنية والمخابرات الى هذا العناء لمعرفة الشركات التي تشتري النفط وفرض العقوبات عليها، أو القيام بقطع طرق الامداد والنقل ان ارادت، وهي التي لديها الخبرات الكافية في هذا المجال. الم تقم باعتراض السفن المحملة من إيران أو العراق أثناء الحصار في عرض المحيطات والبحار ومصادرة شحناتها؟ الم تقم السلطات التركية العضو في الناتو، بإجبار احدى الطائرات المدنية الروسية المتوجهة الى سوريا في عملية قرصنة وقحة، بالنزول في المطارات التركية لتفتيشها خوفا من ان تكون محمل بالأسلحة الى الدولة السورية؟ الا تستطيع الطائرات الامريكية قصف الشاحنات المحملة بالنفط قبل وصولها الى نقطة التوريد والبيع؟ كما أن محاربة الارهاب تتطلب محاربة المنابع الفكرية الوهابية وعش الدبابير الوهابي المتواجد في السعودية، والمدارس الدينية داخل المملكة وتلك المدارس التي أنشأتها السعودية خارج المملكة في العديد من الدول، ووقف حملات التحريض المذهبي من على منابر الجوامع وشبكات التواصل الاجتماعي. وهنالك دراسة أجريت من قبل احدى مراكز البحوث الامريكية بطلب من الإدارة الامريكية حول البرامج التعليمية والمناهج التربوية وشبكات التواصل الاجتماعي للدعاة والمشايخ في السعودية في اعقاب حوادث 11 سبتمبر في أمريكا، عندما تبين ان معظم المنفذين هم من السعوديين. وقد خلصت الدراسة والتي منعت الإدارة الامريكية من نشر محتوياتها ونتائجها، على الرغم من تعهدها في البداية بنشر النتائج التي ستخلص بها الدراسة، خلصت بأن المنظومة التعليمية والتربوية في السعودية تشجع على التطرف الديني تجاه المذاهب الأخرى وحتى تجاه المسلمين الذين لا يعتنقون المذهب الوهابي، لا بل وأبعد من ذلك تحلل ذبحهم وقتلهم. وهو ما حدا بالإدارة الامريكية بمنع نشر الدراسة، خوفا مما قد تسببه من احراج للولايات المتحدة الداعم الرئيسي للعائلة المالكة في السعودية. ولا بد لنا من التأكيد هنا على أن أية خطوات أو عمليات تؤخذ في محارة الارهاب يجب أن تتضمن الدولة السورية على مستوى التخطيط والتنفيذ سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، والا فان هذه المحاولات لن تؤخذ على محمل الجد. وهنالك ضرورة للتعاون والتنسيق مع الدولة السورية لمحاربة الارهاب على الساحتين العراقية والسورية. وكيف لا وعشرات الالاف من الإرهابيين قد جمعوا من أرجاء المعمورة على الأراضي السورية للأسباب التي لم تعد سرا على أحد. وكيف لا وسوريا وجيشها قد حقق الانتصارات على هذه المجموعات الإرهابية، واكتسب خبرة قتالية ميدانية عالية لا يضاهيها أحدا من الجيوش الإقليمية وحتى العالمية في هذا المضمار، كما تشهد عليها الانتصارات التي حققها الجيش السوري وحلفائه الاوفياء منذ معركة القصير لغاية الان. بالإضافة الى الكم الهائل من المعلومات الاستخباراتية والأمنية الدقيقة التي جمعت عن العناصر الإرهابية، فيما يختص بعمليات تجنيدها ومصادر تمويلها وتسليحها وتدريبها والتسهيلات التي تقدم لتسهيل مرور وتنقل المجموعات الإرهابية. بمعنى أن سوريا أصبحت تملك مخزونا من الخبرات القتالية والمعلومات ونظاما متكاملا يؤهلها لان تكون من أكثر الدول الفاعلة في محاربة الإرهاب في حالة توفر الجدية، وصدق النوايا إذا ما ترجمة على أرض الواقع من الأطراف المعنية. هذه مجرد بعض النقاط نوردها للتعليق على هذا القرار الاممي. وأخيرا نقول أن محاربة إرهاب تنظيمي "الدولة الإسلامية" وتنظيم "النصرة" يستعي فيما يستدعيه تعريف الارهاب من قبل "المجتمع الدولي" وهو ما تتهرب منه الولايات المتحدة لأسباب لم تعد خافية على أحد، فهي من أكبر الدول التي مارست وتمارس الارهاب. كما يستدعي ضبط الحدود من قبل الدول لمنع تهريب الإرهابيين والأسلحة وإقامة معسكرات التدريب وعدم تقديم الخدمات اللوجستية لهم كما تفعل تركيا والتي تربطها علاقات حميمة مع الدواعش كام صرح أحد قادتها الميدانيين مؤخرا. كما ويتطلب تبادل المعلومات الاستخبارية بين الدول التي تحارب الارهاب، ووقف التحريض الفكري والعقائدي الذي يكفر الغير ويحلل دمه. بالإضافة الى تجفيف منابعه الفكرية ومصادره المالية. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة جادة في محاربة ومكافحة الارهاب والتعاون بهذا الشأن على الساحة الإقليمية والدولية؟ نحن نشك في ذلك ونأمل ان نكون مخطئين.

الملفات