2024-04-25 12:08 م

بداية الإنتصار ،،، الطبقة

2014-08-27
بقلم: سمير الفزاع
عقب إحتلالها للموصل بعدة أيام ، سيطرت داعش على معبر "الطريبيل" مع الأردن ، ودون مبرر واضح تراجعت وتركت المعبر ، قبل أن يرتكب "محرك" داعش خطأه القاتل بالتوجه إلى كردستان . حاولت أمريكا والغرب عموماً وأدواتهم في المنطقة ، إشعال حريق في العراق لا يمكن إطفاءه إلا بالرضوخ لأمريكا والقبول بشروطها . كان المشهد أكثر من رائع ، داعش تسيطر على جغرافيا ثلاث محافظات عراقية دفعة واحدة ، كميات ضخمة من الإسلحة والذخائر ، مئات الملايين من الدولارات ، خزان بشري ضخم يحتوي على نسبة معتبرة من المتعاطفين والحلفاء المفترضين ، جبهة قادرة على تهديد بغداد وسورية وايران في وقت واحد ، أمر واقع يمزق العراق ويسمح بنشؤ دولة كردستان ، قطع طرق الإمداد البرية بين مكونات حلف المقاومة ... بعد خطأ التقدير بالتوجه نحو "الطريبيل" وصلت الرسالة إلى داعش ، هذه الوجهة خاطئة ، فتراجعت فوراً وأندفعت إلى الداخل السوري ، وسيطرت على عدة نقاط ، قيادة الفرقة 17 وفوج المدفعية 121 واللواء 93 ... في الأثناء ، يحدث خطأ كبير في تحرك داعش وحساباتها ، الهجوم على كردستان . تفككت البشمركة سريعاً أمام داعش ، وهربت من خط الدفاع الأول عن قلب كردستان ، من زاخو غربا ، لأربيل شرقا ، لم يعد الأكراد ذلك المقاتل الخشن والشرس ، لقد أثر النفط والسلطة فيهم عميقاً . وجدت أمريكا نفسها أمام معضلة كبرى ؛ إما ترك داعش تهاجم أربيل وعموم كردستان ، ما سيفتح الطريق أمام داعش لتهديد دول مجاورة ، في شرق العراق وشماله ، وإما ضرب داعش . * ماذا يمكن أن نستنتج من هذه العجالة ؟ 1- إدارة الأزمة : هذا بالذات ما قاله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، الإثنين 04 آب 2014 ، إن "تصرفات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تبين أنه ليس لديها استراتيجية مدروسة في هذه المنطقة . واكد لافروف " اقتراب افاق تسوية للازمة في سوريا"، لافتا الى ان "الأزمة تتحول بشكل مكشوف الى عابرة للحدود، خاصة بعد سيطرت "داعش" على مناطق عراقية ، وأشار الى "اننا حين كنا نثير الانتباه الى خطر التساهل مع هذه المجموعات ، كانت تصريحات شركائنا الأميركيين والأوروبيين تتلخص بأنهم سيخلعون الرئيس السوري بشار الأسد من منصبه بمساعدة هؤلاء ومن ثم سيكون لهم موقف ازاءهم" . ما تقوم به أمريكا حتى اللحظة ، نوع من إدارة الأزمة . صحيح بأن لديها مخططات تتعلق بشكل ومستقبل المنطقة ، ولكنها صارت اليوم في موقع لا يخولها السيطرة على خيوط اللعبة كاملة ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، هناك قوى حقيقية وفاعلة ومقتدرة تحارب مشاريعها ، وتسقط معظم أهدافها . تمثل غزة اليوم وأحد من أهم الإستعصاءات أمام أمريكا ، وتظهر عجزها عن التحكم بمجريات الأحداث ووضع نهايات تناسبها لها ، وإكتفائها بإدارة الأزمة طمعاً بإيجاد مخرج مناسب لها بإستخدام نفوذ و"مكانة" دول إقليمية عدة . 2- داعش ، الخادم الإنتحاري : داعش تشبه الخادم الذي يخدمك لمرة واحدة ثم ينتحر ، فلا إستمرارية له . يحكم موقف أمريكا وتصرفها تجاه داعش المصالح ، ومنها : * دع داعش تفعل ما تريد تجاه خصومنا ، وعندما يتعلق الأمر بمصالحنا يجب ردعها . * حتى اللحظة أنجزت داعش عدت أهداف مهمة قد "تغفر" لها أخطائها : المساهمة في خلق إقليم كردي تحت وصاية واشنطن وتل أبيب . تقسيم العراق بقوة الأمر الواقع ، وهو ما جرأ نائب الرئيس الأمريكي بايدن لإطلاق دعوته في "قوننة" هذا التقسيم . تهديد مستمر للعاصمة بغداد . صناعة جيب جغرافي يمنع التواصل البري بين حلف المقاومة من طهران إلى غزة . إيجاد ساحة خلفية – طالما إفتقدتها – لداعش في حربها على سورية ، وتخليص حلفاء واشنطن من تحمّل تبعات مثل هذه القاعدة الخلفية الكبيرة والواضحة والنشطة . تأكيد مقولة أن الجيوش العربية غير قادرة على الإنتصار إلا بمساعدة واشنطن في ذهن المواطن العربي العادي والقائد العسكري والمسؤول السياسي ، وإحياء مقولة أنور السادات بأن 99% من أوراق الحلّ بيد واشنطن . بثّ حالة من الرعب وفقدان الثقة في كلّ مؤسسات الوطن ، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية التي تعتبر حتى اللحظة العامود الفقري في ثبات وصمود الأقطار العربية المُستهدفة بآفة "الربيع العربي" . نشر حالة يأس عام من التغلب على مشاريع واشنطن وحلفائها وأدواتها ، وأحدثها داعش ، وتهيئة المواطن العربي لتقبل مشاريع الهزيمة وتبريرها ، بالواقعية ، وفداحة الخسائر ، ووحشية العدو وإجرامه ... ولا أرى في قطع رأس الصحفي الأمريكي مؤخراً رسالة غير هذه الرسائل ، ولمن يقول بأن أمريكا "تقدس" مواطنها ، أذكره بحادثة رمي مئات الجثث لجنودها في مكب للنفايات . * لا مصلحة حقيقية ولا تهديد فعلي – حتى وقت قريب - يدفع من خلق داعش ويدير حركتها ويسهل تنقل عناصرها من الدول المجاورة وتمويلها ... لانهائها ، وكل ما جرى كان حملة اعلامية تجميلية يديرها هؤلاء لتبيض صفحاتهم بعد دعمهم لداعش وجرائمها ، وممارسة الخداع والتضليل على شعوبهم . 3- داعش بوابة امريكا للعودة الى المنطقة من جديد : إذا ما وجدت امريكا نفسها مضطرة لمحاربة داعش والقضاء عليها ، ستحاول مستميتة ، أن يكون ذلك في سياق صفقة كبرى لاعادة توزيع مناطق النفوذ والأدوار ، وحماية عملائها وقواعدها ، وفي المقدمة منهم الكيان الصهيوني . وهنا تبرز معضلة مزدوجة تواجه واشنطن ، فهي تريد قمع خطر داعش الذي يهدد اقليم كردستان بعد أن انهارات قوات البشمركة سريعا امام تقدمها ، واعتقد هنا بان غزو داعش لاقليم كردستان كان مرتبا سلفا لخلق دولة كردستان ، ولكن انسحاب البشمركة الفوضوي وهزيمتهم أمام داعش في خط الدفاع الاول عن قلب الاقليم ووقوع كردستان وواشنطن أمام معضلة التقدم بلا مقاومة فعلية فعالة ... دفع واشنطن للتدخل وتوفير الغطاء الجوي للبشمركة للقيام بهجوم مضاد . أمّا المعضلة الثانية ، كيف يمكن لواشنطن ضرب داعش في العراق والسكوت عنها في سوريا ؟ كان المخرج ، قرار من مجلس الامن تتقدم به عاصمة الدهاء الأمبراطوري والاستعماري ، لندن ؛ لرفع الحرج والخروج من المأزق ، وتوفير غطاء اممي وفق الفصل السابع وتحت المادة 41 لمحاربة داعش عندما يحين الوقت . أي قرار دون أدوات تنفيذية ، وخطوات عملية للقضاء على داعش وإغلاق الحدود بوجه امداداتها وتدفق إرهابييها ... . 4- معركة مطار الطبقة ، رسالة الامريكية : بعيداً عن تفاصيل معركة مطار الطبقة المباشرة ، لا يمكن للمتابع الموضوعي ان يرى في هذه المعركة إلا بأنها جزء من الحرب الصهيو- أمريكية على سوريا ، وسأذكر هنا ببعض العناصر : * وقف مطار الطبقة حجر عثرة أمام خطط واشنطن لإقامة منطقة عازلة في شرق سورية قبل أكثر من عامين . * كان لمطار الطبقة دور مهم في اسقاط مشروع واشنطن باعادة احتلال العراق وتحديداً ، عاصمته بغداد عبر داعش . حيث شارك سلاح الجو السوري ، منذ اللحظات الاولى في ضرب تجمعات داعش وخطوط امدادها في عدة مواقع مهمة اذكر منها مدينة الرطبة . * شارك مطار الطبقة في ضرب تجمعات داعش على طول الحدود مع العراق وفي الرقة والشدادي والبوكمال , ما كبد داعش خسائر ضخمة في العدة والعتاد ما أثر على المهام المناطة بها في مجمل المشروع . * بعد تقدم الجيش العربي السوري في دمشق وحمص وحماة وحلب وأريافهم ، قدّر البعض بان مطار الطبقة سيكون له دور هام جداً في اعادة السيطرة على محافظة الرقة ومجمل المنطقة الشرقية - الشمالية ، وهنا يمكن اعتبار السيطرة على مطار الطبقة نوعاً من الحرب الإستباقية حسب العقيدة العسكرية الامريكية . * ضمن الرؤية الامريكية لاقامة دولة داعش والنتائج المترتبة عليها ، وأهمها ، اقامة دولة كردستان في العراق وسورية ، يجب التخلص من ثلاث مطارات أساسية في جغرافية هذه الدولة المزعومة ، الطبقة ، دير الزور ، كويرس . 5- مطار الطبقة ، بداية العد العكسي لداعش : إذا ما نظرنا للمعطيات السابقة ، وحاولنا التعرف على الموقف الميداني ، دون الإستسلام للإنفعالات والمواقف المسبقة ... سنلاحظ خلف الغبار ما يلي : * باتت أمريكا تشعر بخطر تمدد داعش ، والإمكانيات الكبيرة لخروجها عن "النص" كما حصل مع القاعدة سابقاً ، خصوصاً وأن جسمها الممتد من العراق إلى سورية أصبح عرضة لإختراقات إستخبارية كبرى ، ومن قبل عدة أجهزة أمنية إقليمية ودولية . مفيد أن أذكر بما حصل قبل عدة أيام ، عندما أعدمت داعش "أمير أمنها" في ريف حلب الشمالي بسبب إرتباطه بالمخابرات البريطانية ، وإغتياله أحد أهم مساعدي بن لادن "أبو خالد السوري" بأوامر مباشرة منها . * اليوم ، تقف داعش على تخوم الأردن ومملكة آل سعود والكويت ، بعد سيطرتها على مناطق واسعة من محافظة الأنبار العراقية من جهة ، وعلى شريط طويل من الحدود التركية مع سورية من جهة ثانية . هنا بالذات تتجلّى عبقرية القيادة السياسية والعسكرية السورية ! حيث خططت أمريكا وكيان العدو وتركيا وعملائهم من العرب ، أن يجعلوا من داعش مشكلة عراقية – سورية خالصة . تستنزف قواهم ، وتنشر فيهما الفوضى والقتل والتشريد ، وتدمر المقدرات والجيوش ... إلى أبعد مدى ، وحتى يستسلم كلاهما للشروط والمطالب الصهيوأمريكية . من خلال ممارسة بعض التكتيكات – أتحفظ عن ذكر ما قد أعرفه منها – جعلت القيادة السورية من داعش ، مشكلة إقليمية ودولية في آن واحد ، تهدد مصالح أعداء سورية في الصميم . ما إضطر العالم كلّه ، أن يستجدي المساعدة السورية في القضاء على داعش ؛ وإن أظهر التمنع . يمكن العثور على هذا المعنى بكل يسر في تصريحات رئيس الأركان ووزير الدفاع الأمريكيين في مؤتمرهما الصحفي المعقود يوم الخميس 21 آب 2014 عندما قال رئيس هيئة الأركان ، الجنرال مارتن ديمسبي "هل يمكن هزيمتهم دون التعامل مع جزء التنظيم المستقر في سوريا ؟ الجواب هو لا . ورد تشاك هيل على تساؤلات الصحفيين المتكررة إذا ما عنت تصريحات ديمسبي بدء عمليات عسكرية ضد داعش في سوريا ، قائلاً باقتضاب : ننظر في كافة الخيارات ، وأرجح قيام شراكات في الشرق الاوسط لمواجهته . 6- واشنطن ، حان زمن القصاص : بالرغم من إستشعار واشنطن لخطر داعش المحدق بمصالحها ، في كردستان حيث شركتي نفط واحدة تابعة للحزب الجمهوري والثانية للحزب الديموقراطي ، وقواعد التجسس ... وعلى أبواب جزيرة العرب حيث النفط والغاز والقواعد الأمريكية ، والأردن حيث الحدود مع الكيان الصهيوني ، وتركيا حيث المعبر إلى قلب أوروبا ... إلا أنّ أمريكا تحاول بكل ما أوتيت من قوة تنفيذ سياسات قائمة على عدة بنود منها : * أن تقع كلّ أعباء وتبعات وخسائر محاربة داعش على الجيشين العراقي والسوري وقواهما الرديفة فقط ، وتبقى هي خارج ميدان المعارك ، تجني النتائج بالجملة ، وتراقب خسائر سورية والعراق بسعادة وشغف . * إذا ما أرادت أمريكا أن تشارك في حرب حقيقية ضد داعش ، عليها أن ترسل قوات برية وازنة ، وهذا يخالف إستراتيجية أوباما في إستخدام "القوة الناعمة" في تنفيذ السياسات الأمريكية ، ومقولة الإنسحاب الأمريكي من العراق وكلّ المناطق الساخنة ، التي كانت سبباً في فوز أوباما في الإنتخابات الرئاسية . * محاربة أمريكا لداعش يعني ، سقوط مشروع كبير لتدمر المنطقة ، وتفتيتها ، وإعادة تشكيلها ... وهذه خسارة إستراتيجية ستترك حتماً تداعيات هائلة على شكل ومستقبل المنقطة . * إعلان الحرب على داعش يعني نصراً كاملاً لسورية ، ولمجمل حلف المقاومة ، وهنا مع النقطة السابقة ، يتجلّى المأزق الحقيقي لواشنطن وأدواتها واضحاً جداً وتبدأ التساؤلات ، إذا كنّا مجبرين على المشاركة بالقضاء على داعش ؛ فأي ثمن سياسي يمكن أن نحصل عليه من سورية وحلفائها وأصدقائها ونحن نحطم أدواتنا ؟ بل ؛ ما الذي يمنع سورية وحلفائها من إجبارنا على دفع الأثمان حتى يشاركونا في قتال داعش والتخلص منها ؟ هنا ربما ، سنكون أمام جزء كبير من الإجابة عن الإستفسار المُلح ، لماذا إنسحبنا من مطار الطبقة ، وقبلنا تجرع كلّ هذا الكمّ من المرارة ؟ .

الملفات