2024-04-25 09:52 م

الغرب وحلفائه في جيب دمشق مجدداً

2014-08-27
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي*
إن المتابع لأحوالنا اليوم وما نعيشه من صراعات وحروب وتشظي في النسيج المجتمعي وإندثار لقيم التسامح والتعايش يعكس لنا الصورة الحقيقية لمدى التدخلات الخارجية في سياساتنا مستغلةً الفجوات الإقتصادية والتفكك في الأنظمة السياسية، حيث دأبت أمريكا وبعض الدول العربية وإلى جانبيهما تركيا على إذكاء فتيل الصراعات الداخلية وإشعال الدعوات الإنفصالية والنعرات الطائفية في إطار البلد الواحد وذلك لتحقيق أغراض وأهداف خاصة بسياسة هذه الدول، و الإستحواذ على سورية وتحويلها إلى ساحة حرب لتصفية حساباتها عبر تقويض الحياة العامة في سورية وتفكيك نسيجها المجتمعي كي تجعل من سورية دولة ضعيفة يتحكم الغرب بكل شؤونها وتخضع الساسة لأجندتها وسياستها، وهذا ما لا يرضاه أبناء سورية الأحرار حيث يعتبرون بأن السياسة الغربية عدوهم الأول كونها تمول الجماعات الإرهابية والحركات التكفيرية لإلغاء الآخر، وبالتالي فالذي يحدث في سورية من تدخلات ودعم للجماعات المسلحة مثل دعم مسلحي تنظيم " داعش " وفكرها القائم على الموت وسياسة الدعم الأمريكي القائم على تقسيم المجتمعات بات حقيقة لا ينكرها أحد في سعيها لتدمير المجتمعات العربية، فالتخاذل العربي والصمت عما يجري في غزة وبالجانب الآخر الدعم والتمويل لداعش لتقسيم سورية والعراق يعبر عن الحقد الذي تحمله هذه الدول، ولا ننسى بأن محاولة توسع تركيا على حساب دول أخرى سينقلب عما قريب ضدها وستكتوي بنار داعش وكل الحركات التي تمولها ولن تستطيع إعادة حكم السلاطين من جديد في ظل هذه اللعبة التي تمارسها في سورية والعراق. وفي سياق متصل تعتبر داعش صنيعة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وتستخدمها لإستهداف دول المنطقة، وهذا التنظيم بشكل أو بآخر مركز إرتباط مباشر بالولايات المتحدة لجر المنطقة إلى حروب إستنزاف، ولو كانت الولايات المتحدة ذو نوايا صادقة بإستهداف هذا التنظيم لكانت إتجهت بإتجاه تدريب وتسليح الجيش العراقي لإجهاض مشروع داعش سواء كان في سورية أو في العراق، ففي العراق تم إضعاف المؤسسة العسكرية لدرجة أوصل البلد إلى عدم القدرة بالدفاع عن نفسه، وفي سورية تعاونوا ودعموا هذا التنظيم حتى تمكن وتضخم إلى درجة يهدد فيها أمن الإقليم الأخرى، فضلاً عن إستهداف جر مصر إلى معادلة صراع جديدة حتى تستهلك كل جيوش المنطقة، وإذا إستنزفت هذه الجيوش، فمعنى ذلك ستصبح هذه الدول بدون جهاز مناعة للدفاع عن نفسها، وبالتالي يسهل تقسيمها وتجزئتها. واليوم أصبح الخوف من تنظيم داعش عامل التوحيد الجديد لدول الشرق الأوسط وما وراءه، إذ يشكل الظهور المفاجئ لداعش الذي لا يزال في طور التوسع، بمزيجه المرعب من الوحشية والتعصب والفعالية العسكرية، عدواً مشتركاً لكل من الولايات المتحدة، وإيران، ودول الإتحاد الأوروبي، والدول الخليجية وخاصة السعودية، وتركيا، وسورية والعراق، فإجتماع جدة الذي إنعقد برئاسة سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي بحضور نظرائه في مصر والإمارات وقطر وممثل عن الأردن تحت عنوان "أصدقاء سورية العرب" هو المؤشر الأقوى على تغيير أولويات حكومات هذه المجموعة وقلقها، أو بالأحرى رعبها، من النجاحات الكبرى التي حققتها قوات "داعش" في العراق وسورية، وخاصة بعدما أصبحت "داعش" ترابط على حدود بعض الدول منها، السعودية، التي حشدت ثلاثين ألف جندي على حدودها مع العراق، بعد قرار الحكومة العراقية سحب قواتها على الجانب الآخر منها لتعزيز صمود بغداد والتصدي لأي هجوم للتنظيم ووجود خمسة آلاف شاب سعودي يقاتلون في صفوفه، أما بالنسبة إلى مصر فإن الفرع المغاربي للتنظيم الذي يتضخم بسرعة والمتمثل جزئياً في حركة "أنصار الشريعة" فترابط قرب الحدود المصرية الغربية مع ليبيا، أما تركيا التي تعتبر أحد أبرز اللاعبين الأساسيين في منظومة "أصدقاء سورية" أستثنيت من هذا الإجتماع بسبب توتر علاقاتها مع السعودية والإمارات نظر لإتهامها بدعمها حركة الإخوان المسلمين في مصر. فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما الذي دفع الدول الغربية وبعض الدول الخليجية للتنسيق لمحاربة داعش في سوريا؟ في إطار ذلك أعتقد بسبب تزايد الجهاديين الإسلاميين المقيمين في الغرب، حيث يوجد في سوريا أكثر من 2000 مقاتل أوروبي مسلم بعد أن كانوا لا يتجاوزون 440 قبل نهاية عام 2011، وتقدر مراكز البحوث الأمنية الغربية عدد المجاهدين غير السوريين منهم بإحدى عشر ألف مقاتل، فالدول الغربية التي تملك أفضل الإستخبارات والأجهزة الإلكترونية وغيرها تتعاون أجهزتها الأمنية مع النظام السوري لرصد ومعرفة أعداد الجهاديين، وكيف وصلوا إلى سوريا، لقد إتخذت هذه الدول إجراءات وقائية وسياسات صارمة يصل بعضها إلى سحب الجنسية البريطانية لكل من يذهب للجهاد في سوريا من البريطانيين، أما بالنسبة للإجراءات الخليجية المعلنة فإنها متواضعة ولا ترقى لمستوى الحدث، ففي السعودية شنت وسائل الإعلام حملة إنتقادات حادة ضد بعض الدعاة المقربين من الإخوان متهمة إياهم بالتغرير بالشباب وحثهم على القتال في سوريا، وهو ما ترفضه الجهات الدينية الرسمية في المملكة. ثمة مؤشرات واضحة بدت، خلال الفترة الأخيرة، تؤكد أن مخاطر تنظيم داعش لا تقتصر على الداخل السوري والعراقي فقط، وإنما قد تمتد إلى دول المنطقة، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، على نحو ما تعكسه الخريطة الجديدة للعراق التي نُشِرت من قبل التنظيم، والتي شملت حدودها دولة الكويت، والبعض يستذكر هنا التهديد الذي أطلقته، في مايو الماضي، مجموعة من مقاتلي تنظيم " داعش" بالتمدد إلى الدول الخليجية، رداً على الإجراءات الأخيرة التي أقرتها بعض الدول الخليجية، وفي مقدمتها السعودية، لمكافحة الإرهاب بشأن العائدين من سوريا، وبالتالي ما قام به تنظيم داعش في العراق يمثل نموذجاً واضحاً لفرض سيطرته على مناطق جغرافية عبر تطبيق الشريعة الإسلامية، وفقاً لتفسيراتها المتشددة، على نحو يجعلها مناطق خارج سيطرة الدولة، ووفق بعض التقديرات، فإن إنتشار هذا النمط في العراق يفرض تهديدات عديدة، ليس فقط بسبب تداعياته السلبية على بنية الدولة الوطنية التي تنشأ فيها، وإنما أيضاً بسبب الأثر الانتشاري الذي قد يحدث نتيجة نجاح تجربة تأسيس إمارة ما دون تمكن الدولة من مواجهتها،وبديهي أن نجاح هذا "النموذج العراقي"، وعدم التصدي لتنظيم داعش، يحملان مخاطر أمنية عديدة على دول مجلس التعاون الخليجي، فإن عدم وضع حد سريع وعاجل لتنظيم داعش في العراق سيجعل التداعيات بالنسبة لدول الخليج المجاورة مفتوحة على إحتمالات عديدة، قد يكون من بينها سعي هذا التنظيم إلى خلق ظهير قوي له في إحدى هذه الدول، عبر آلية التجنيد عن بعد. وبالتالي يمكنني القول إن التحولات الميدانية في الساحة السورية بدأت تتغير سريعاً، خصوصاً مع الضغط على غير السوريين للخروج من الصراع الدائر هناك، وهذا يعني أن ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل خليجي وعربي إتخذوا القرار بالإنتقال إلى الكويت هذا مما يشكل إنزعاج لها، وفيه إشارات أمنية خطرة على الوضع الأمني الكويتي والخليجي، كما تنبئ بإنتشار متشددين وتكفيريين يتسببون في خلخلة الجبهة الداخلية، ما يؤدي إلى عدم إستقرار الوضع الأمني في البلاد خلال المرحلة المقبلة. وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن الخوف الآن يطرق باب الجميع دون إستثناء، فالخلافة تتوسع وتكبر ، وتشمل كل البلدان والطوائف والأديان وسكين داعش مسلط على كل الرقاب، وجميع الدول شاءت أم أبت عليها إتباع سياسة التكويع والإلتفاف بشدة نحو التقاء مصالحها وأولوياتها، لذلك يجب على الدول الغربية والخليجية عليها أن تخرج من هذه اللعبة المدمرة لأنهم سيكونون أول ضحايا الجماعات الجهادية التي من شأنها أن تمتد إلى شبه الجزيرة العربية والمنطقة بأكمله، وهو أمر ستكون تداعياته الخطيرة على هؤلاء الذين لا يدركون عمق الأزمة التي يعيشونها والتي ستجبرهم في النهاية، على دفع ثمن تهورهم وأحقادهم اتجاه سورية العظيمة بشعبها وجيشها، وبالتالي فإن أمريكا وحلفاؤها العرب أمام مأزق خطير ومن صنع أيديهم، لذلك سيكون من الحكمة إعادة فتح قناة اتصال مع النظام السوري لمكافحة خطر التنظيم الداعشي. 
*صحفي وكاتب أكاديمي في العلوم السياسية 
Khaym1979@yahoo.com