2024-04-20 04:34 ص

كلّ الطرق تؤدي إلى قصر الشعب

2014-08-31
بقلم: سمير الفزاع
بعض التفاصيل المهمة لتكتمل الصورة : 1- داعش تحتل محافظة نينوى بترتيب أمريكي – تركي وبعض الشخصيات العراقية ، ودعم سعودي قطري ... سارت الأرتال تحت نظر الطائرات المسيرة بدون طيار ، وأقمار التجسس الأمريكية ، ووصلت إلى قلب الموصل دون مقاومة . لقد أفرغ أثيل النجيفي - شقيق أسامه النجيفي رئيس مجلس النواب العراقي – وعدد من كبار القادة العسكريين والأمنيين ، كافة القطاعات والمراكز العسكرية والأمنية ، بعديد يفوق الـ 35 ألف جندي عراقي ، وكميات هائلة من المعدات والأسلحة والذخائر الحربية والأموال النقدية ... لقد وصل السلاح الأمريكي والدعم المالي مباشرة إلى داعش ، وتحت إشرافها كما كانت تشترط . 2- ظهر "فجأة" التنظيم الإرهابي الأكثر قوة في العالم ، وأعلن البغدادي قيام دولة الخلافة ، بعد أن روج زمرة من السياسيين القتلة وقنوات العهر والصحف المسمومة وطابور من العملاء والأغبياء ... مقولة "إنها الثورة السنيّة في العراق" . أعلن البغدادي تحوله سريعاً نحو بغداد ، وتوعد بتدمير كلّ المراقد والمقامات والأضرحة ... إمتدت داعش من الأنبار جنوباً حتى ديالى شرقاً مروراً بمحافظ صلاح الدين ، وكان هناك من ينتظر لإذاعة البيان رقم (1) من بغداد المحاصرة لحظة تقدم داعش نحوها . 3- إنهارت قطاعات كاملة من الجيش العراقي ، تقدمت داعش حول بغداد لغزوها ، ومسعود برزاني حدد موعد الإنتخابات الرئاسية والإستفتاء على إستقلال إقليم كردستان ، الرئيس الإيراني روحاني ، يهدد بالتدخل عسكرياً ضد الإرهاب في العراق ؛ لقد كان بينه وبين مصيدة حرب المائة عام خطوة واحدة فقط . وحدها سورية عملت بصمت ودون ضوضاء ، قصفت ، لاحقت وأحرقت تجمعات كبيرة لداعش ، المالكي والبنتاغون أكدوا لاحقاً حصول هذه الضربات وتأثيرها . بالرغم من الأزمة الخطيرة ، أمريكا لا تفي بتعهداتها بتزويد بغداد بصفقات السلاح التي تعاقدت عليها ودفعت ثمنها مسبقاً . روسيا ترسل طائرات سوخوي 24 مع أطقمها وفنييها إلى بغداد على عجل بطائرات شحن ضخمة ، والحكومة العراقية تتعاقد معها على المزيد من الأسلحة . 4- أمريكا ، إمبراطورية النفط والغاز ، تتأثر بعض سياساتها إلى حدّ بعيد بهذه الشخصية ذات النمط الإمبراطوري والتفكير المتمركز حول النفط وإستهلاكه بنهم . يعرف خبراء النفط والغاز ، أن من الطرق الشائعة في إطفاء حرائق حقول النفط والغاز ، تعتمد على إفتعال إنفجار كبير حول الحقل المشتعل ليحرق الأكسجين المحيط به فينطفئ . حاولت أمريكا "إطفاء" تقدم الجيش العربي السوري بإفتعال حريق داعش في العراق ، وتهديدها بغداد ، وقطع خطوط التواصل البرية مع ايران ... ووضع حجر الأساس لدولة كردستان في العراق ، ليتم لاحقاً توسعها نحو سورية . 5- تداعى أحرار العراق للدفاع عنه ، تراجعت طهران عن موقفها المتسرع ، وتم تشكيل جيش رديف من مئات ألاف المتطوعين ليساندوا الجيش العراقي في معركة الكيان والمصير ، وكان بينهم عدد معتبر ممن قاوموا الإحتلال الأمريكي للعراق ، وبعض الخبراء من حلف المقاومة . تراجعت داعش ، وفي سياق سعي واشنطن لإنشاء دولة كردستان ، إنهارت دفاعات البشمركة المدافعة عن الدولة الموعودة أمام داعش ، وأضطرت واشنطن أن تتدخل بذاتها . * حياكة المصيدة : 1- إستشعرت فصائل المقاومة الفلسطينية خطورة الموقف ، وساعدهم على هذا الإحساس معلومات مؤكدة قدمها لهم أعضاء بحلف المقاومة بأن غزة ستكون الهدف القادم لإمريكا والعدو الصهيوني وحلفائهم من العرب ، وأن سيناريو 2006 سيتكرر في غزة بشكل أكثر قوة وضراوة ، خصوصاً بعد مسرحية إختفاء ومقتل المستوطنون الثلاثة ، هذا إن قتلوا فعلاً . تقرر الإستعداد للمعركة ؛ بل والذهاب إليها عبر حملة "كسر جدار الصمت" التي بادر إليها أبطال الجهاد الإسلامي . 2- إندلعت الحرب في غزة ، فأنطلقت حملة سياسة ودبلوماسية وإعلامية كبرى لإخمادها . قاد وزير الخارجية الأمركي جون كيري هذه المعركة ، وجنّد لها وزير الخارجية الألماني وقيادات مصرية وقطرية وسعودية ... لكن بلا جدوى . لقد إتخذ الفلسطينيون قرارهم بإستثمار حالة الوحدة والتنسيق العالي بين الفصائل ، وإمتلاكهم لأسلحة نوعية ستحقق الكثر من المفاجئات ، وحاجة واشنطن وأدواتها إلى الهدوء في المشرق بإستثناء ميدان المعارك في العراق وسورية ولبنان طبعاً ، وقطع الطريق على تسوية سياسية للقضية الفلسطينية باتت تلوح في الأفق ؛ بإشتراك عدد من القادة السياسيين لبعض فصائل المقاومة ، لكن الوقت كان قد فات . لقد أشعلت غزة حريقاً لم تتوقعه واشنطن ، وعطل مفاعيل حريق داعش الذي خاطرت بإشعاله أصلاً ، كإشتعال حرب سنية شيعية . بلعت عواصم عربية ألسنتها ودخلت في سبات عميق ، وما عادت تجرؤ على الحديث عن تسليح "الثورة السورية" ، وإنقاذ الشعب السوري ... في الوقت الذي تحترق فيه غزة ، وصارت مهمتها الأساسية إنقاذ كيان العدو . 3- أختفى كيري عن المشهد بعد فشل جهوده في فرض تسوية سريعة لحرب غزة ، حتى أمس الأول ، عندما قرر أوباما إرساله إلى المنطقة للبحث في تشكيل تحالف إقليمي ودولي لمحاربة داعش . لقد كانت حرب غزة ، حرب كيري – نتنياهو – سعود الفيصل الفاشلة ، فأبعد عن الساحة . وصولاً إلى "هدنة الشهر" وجدت واشنطن نفسها وأدواتها في "المصيدة" ، وأنها تقف أمام مأزق مركب ، من عناصره ، تحدثت واشنطن عن إنقاذ المدنيين العراقيين ، وتراجعت ، ثم أعلنت أنها ذاهبة إلى كردستان للدفاع عن مصالحها . لكن ، ماذا عن المدنيين في غزة ، و"المصالح العربية" هناك ؟ . ستقف واشنطن بوجه جرائم داعش في العراق ، ماذا عنها في سورية ؟ وماذا عن جرائم الصهاينة في غزة ؟ لتطويق الحرب الصهيونية في غزة ، تحدث أمريكا والعربان مع طرفي هذه الحرب ، فصائل المقاومة الفلسطينية وكيان العدو . فكيف لها أن تعالج خطر داعش الذي بات يهدد المنطقة ، دون أن تتحدث وتنسق مع أهم دولة تحارب داعش وتعاني من إجرامها ، أي سورية ؟ وهذا ما نبه إليه رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية ديمبسي ووزير دفاعه تشاك هيغيل . * هذه بضاعتكم ردت إليكم : شهران تقريبا بعد حريق غزة ، ويتم التوصل إلى هدنة مدتها شهر . كان الوقت كافيا لتتحول داعش من خطر يهدد العراق وسورية ً، إلى خطر داهم يهدد كامل الأقليم !!! إتخذ القرار رقم 2170 في مجلس الأمن لمحاربة داعش وجبهة النصرة ، دون تحديد لمن سيحاربهما ، ودون إعتماد آليات تنفيذية لذلك . هي خطوة أولى أجبرت واشنطن عليها ليتم الحصول على هدنة في غزة إلى جانب المطالب المشروعة لأهلنا هناك . إنها حرب العقول ، ومدارات الدهاء . بالأمس دعت واشنطن لإقامة حلف دولي لمحاربة داعش ، وطالبت شركائها من "القادة السنة" في بعض الدول العربية الإنظمام اليه لمحاربة هذا السرطان ، وكان ملك آل سعود أول من لبى الدعوة . هي وهؤلاء ، بعد أن كانوا غير مستعدين لسماع إسم داعش ! ولم يكونوا يروا فيها إلا "ثورة سنية" . لقد حاولت واشنطن أن تجعل من قتال داعش – التي سلحتها بدبابات أبرامز ومدافع الهاوتزر ومركبات الهمر والهمفي وأجهزة الإتصال الحديثة ومعدات الرؤية الليلية ... عندما سهلت لها السيطرة على معسكرات للجيش العراقي ، بما يعادل سلاح ثلاثة فرق مدرعة – حرباً تنهك الجيشين السوري والعراقي ، وكان الإختبار والكمين الأمريكي الأول لهذا التسليح في سورية ، مطار الطبقة . كان المطلوب أن تتمسك القيادة السورية بهذا المطار حتى النهاية ، لتنتحر على أسواره . للمحافظة على مطار الطبقة ، ستكون القيادة مضطرة على سحب قطاعات مهمة من مناطق عملت لأشهر طوال حتى طهرتها ، ومناطق أخرى حافظت عليها محمية من هذا الإجرام حتى اليوم ، ومناطق وأهداف عملت لإنجازها لوقت طويل جداً ، كطريق حلب دمشق ، فيخسر خطوط الإمداد ، ومعظم المناطق المحررة . كان المطلوب ، إعادة ترتيب أولويات الجيش العربي السوري وفق الأجندة الأمريكية ، وجره إلى حرب إستنزاف طويلة الأمد تقودها واشنطن وحلفائها عبر داعش . لكن الكمين فشل . * إنه الموعد لتركع واشنطن أمام دمشق : للحشد البشري أهمية قصوى في المرحلة القادمة ، وهذا ما حاولت القيادة السورية المحافظة عليه طوال الوقت ، في معادلة دقيقة توازن بين ردع العدوان والمحافظة على قدرة الحشد . هذا لا يعني أننا لم نرتكب الأخطاء ، ولم نتكبد خسائر بشرية كبيرة وغالية جداً ، ولكن يجب أن نتذكر دائماً بأننا نخوض مواجهة لا سابق لها في تاريخ البشرية ، وهي الأكثر تعقيداً وتشابكاً وتركيباً فيه . مواجهة ، سيتحدث عنها التاريخ طويلاً ، لأنها كانت فاصلة في رسم ملامحه وتفاصيله ، وقاطعة في شكل عالم الغد وموازين القوى فيه . كيف سيكون شكل الميدان " قريباً" ؟ * بدأت واشنطن تتحدث عن تحالف دولي لمحاربة داعش . يوم الخميس 28/8/2014 ، قال أوباما : إن الولايات المتحدة لم تضع بعد استراتيجية لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا ... وأنه طلب من وزير دفاعه تشاك هاغل إعداد مجموعة من الخيارات لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية ... وأن وزير الخارجية جون كيري سيسافر إلى المنطقة للمساعدة في اقامة تحالف ضد التنظيم المتشدد . لنحاول تفسير بعض مما قاله أوباما . وضع استراتيجية لمواجهة داعش ، تعني تحديد هدف واضح سينصب العمل على تنفيذه ، ورسم مُفصّل لطبيعة المواجهة ومستواها والحلفاء والأعداء والموارد اللازمة لتحقيق الهدف وميدان عملها ... . كان اوباما صريحاً جداً في مؤتمره الصحفي عندما قال ، بانه لا يمتلك استراتيجية واضحة لمحاربة داعش في سورية . ثم استطرد قائلاً بانه سيطلب من وزير دفاعه وضع سيناروهات لهذه الاستراتيجية ، وكأنه لم يسمع ما قاله وزير دفاعه هيغيل ، بتاريخ 21 آب 2014 ، " اننا نعمل على رسم استراتيجية طويلة المدى لمواجهة داعش التي يمكن هزيمتها اذا تمت معالجة الازمة السورية " وما قاله رئيس هيئة أركانه ، الجنرال مارتن ديمسبي ، في ذات المؤتمر مع هيغيل : هل يمكن هزيمتهم دون التعامل مع جزء التنظيم المستقر في سوريا ؟ الجواب هو لا . * بات من المؤكد بأن كلّ العالم يصنف الحرب المشتعلة في سورية ، في القسم الأغلب منها على الأقل ، حرب ضد مجموعات إرهابية ، وعلى رأسها داعش وجبهة النصرة . كلنا يذكر عبارة تنضح بالمرارة والفشل قالها أوباما قبل شهر تقريباً " إن الحديث عن جماعات معتدلة قادرة على إسقاط الأسد نوع من الفانتازيا " . فمن هو الذي يحارب في سورية إذاً ؟ هذا ما ستجيب عنه الإستراتيجية المنتظرة . * هل يمكن لواشنطن محاربة داعش في حين أن أدواتها في المنطقة تروج لها ، وتمدها بالمال والسلاح ، وتسهل تنقل عناصرها وتدريبهم ... ؟ حتماً ، لا . هذا يستوجب ، "ضبط" حركة أدواتها في المنطقة ، وإعادة تموضعها "تدريجياً" بما يتناسب والإستراتيجية الجديدة . * قال وزير الدفاع الأمريكي ورئيس هيئة أركانه ، أن طلعات طيرانهم الحربي عطلت تقدم داعش ، ولكن القضاء عليها يحتاج إلى "شراكات جديدة في المنطقة " . وهذا ما نبه له وزير الخارجية السوري ، ولد المعلم ، عندما قال ، لا يمكن القضاء على داعش بالغارات الجوية ، وأي طائرة تدخل الأجواء السورية دون التنسيق معها يعتبر خرق للسيادة ، وعدوان يستوجب الرد . كما أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بلاده أعلمت واشنطن أنه في حال قررت توجيه ضربات جوية لمواقع الإرهابيين في سورية دون موافقة السلطات الرسمية السورية سيعتبر ذلك خرقا صارخا للقانون الدولي . * لا يمكن لواشنطن وحلفائها في المنطقة ، إدارة حرب ضد داعش دون قنوات إتصال مفتوحة طوال الوقت مع دمشق . مثلاً ، قاعدة "أنجرليك" الجوية التركية ، فيها عدد معتبر من الطائرات الحربية الأمريكية ، ستكون مهمة جداً في محاربة داعش . هنا يظهر خطر إصطدام تركيا الحتمي مع داعش بعد قصفها بطائرات تقلع من قواعدها الجوية ، هذا إن لم تجبر تركيا نفسها على المشاركة في القضاء على داعش . وبحكم خزان المعلومات الهائل الذي تملكه سورية ، ووجود مجاميع لداعش على أراضيها ، ومنها ستتسلل لضرب أهداف داخل تركيا ... ستكون أنقرة بحاجة إلى تبادل لحظي للمعلومات مع دمشق . * لا يمكن للنموذج الباكستاني أو اليمني ( ملاحقة الإرهابيين عبر الطائرات فقط ) أن يكون مناسباً لمنطقتنا لعدة إعتبارات ، منها ، هنا خزان النفط والغاز ، وهنا خطر التمدد نحو جزيرة العرب ممكن جداً ... وكذلك نحو الكيان الصهيوني . * إذا أصرت واشنطن وأدواتها على جعل مواجهة داعش مهمة سورية فقط ، فإن المصالح وقرار مجلس الأمن والتهديدات التي سمحت لواشنطن بالتدخل في كردستان ودون أن تطلب الحكومة العراقيية ذلك ... ستكون أكثر من كافية لتشكيل حلف من أصدقاء سورية ، وبدعوة منها ، لمساعدتها على محاربة داعش ، وعلى رأس هذا الحلف الفدرالية الروسية . هذا ما حذرت منه المستشارة الألمانية عندما رأت عشرات الشاحنات الروسية تدخل إلى شرق أوكرانيا رغماً عن كل "عالمها المتحضر" وعن كييف ، ووعدهم بوتين بتكرار هذه العملية مجدداً ، وبشرهم وزير طاقته بشتاء قارص جداً هذا العام . يبقى أن أطرح سؤالاً على أوباما وأدواته في المنطقة ، ماذا لو تشكل هذا الحلف بعيداً عنهم ، وطارد داعش ، فإلى أين ستهرب ؟ هل هم قادرون على مواجهة هذا الخطر المحدق دون أبواب قصر الشعب ، للحصول على مساعدته ؟ . أجاب لافروف قبل أيام بكلمات مرادفة " بين إسقاط "الأنظمة" والمصالح ، ستختار الدول مصالحها " .

الملفات