2024-03-28 04:14 م

التقارب المصري السعودي الإيراني "قمة المأزق الأمريكي"!!

2014-09-08
كتب الدكتور خيام محمد الزعبي*
كثيرة هي التصريحات التي تصدر هذه الأيام عن حدوث تقارب مصري وسعودي وإيراني بدأ ينعكس تهدئة على الساحة اللبنانية كخطوة أولى ويمكن أن يتطور الى تسوية إقليمية لقضايا معقدة في المنطقة، وعلى رأسها  الأزمة السورية، خاصة بعد أن شهد هذا المثلث تقارباً واضحاً مؤخراً في تكريس الإتجاه نحو إعادة صياغة تكتيكية لخريطة إستراتيجية إقليمية تعصف بها إضطرابات وحروب تشطب حدوداً وتثمر "دويلات" في إندفاع مخيف نحو المجهول.
إن تزايد نفوذ داعش في منطقة الشرق الأوسط والإنتصارات الكبيرة التي حققها في العراق وسورية، وآثار ذلك في سياسات دول المنطقة وتهديداته التي طالت عدداً من الدول الإقليمية كإيران ومصر والسعودية، فضلاً عن سياسات الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، كلها عوامل تساعد في تحالف مجموعة من الأقطاب المتصارعة في المنطقة من أجل القضاء على هذا التنظيم الإرهابي، مما قد يُحدث تحوّلات هامة في المنطقة، لا سيما أن تنظيماً إرهابياً كـ"داعش" لا يستهدف شعباً أو نظاماً بعينه، بل يهدد جميع من في المنطقة، فالسعودية تتخوّف من تنظيم "داعش" لعدة أسباب منها،  تشويه هذا التنظيم الإرهابي لصورة الإسلام الحقيقية البعيدة عن سلوكيات القتل والتدمير، بالإضافة إلى إستقطاب "داعش" لمجموعة من المتطرّفين من داخل السعودية، وفي الإتجاه الآخر فإن إيران معنية أكثر من السعودية في الفترة الحالية بإحتواء خطر "داعش"، إذاً طهران والرياض تشتركان فى الخوف من أن إحتمال إنزلاق العراق إلى حمام دم طائفي سيشكل خطرا على الجميع.
في إطار هذا التزايد  والرغبة في القضاء على تنظيم "داعش" بدأت هناك ملامح تقارب بين السعودية وإيران بالإضافة إلى مصر تتشكل خلال الفترة الراهنة، فتصريحات نائب وزير الخارجية الإيراني "اللهيان" في لقاء أجراه مع وفد صحفي مصري بطهران قوله، "إن أمن إيران مرتبط بأمن مصر"، تلاها تصريحات أكثر إثارة للدهشة لمستشار خامنئي  للشئون السياسية، لولا المساعدة المصرية لا يمكن أن يقف الشعب الفلسطيني ضد العدوان الإسرائيلي، فقد كان الشعب المصري رائداً في دعم الفلسطينيين منذ ظهور المشكلة الفلسطينية، كل هذه التصريحات المدروسة جيداً جاءت بهدف تحسين وإصلاح العلاقات مع مصر، فهذه النية ليست جديدة، فقد قام الرئيس الإيراني مسبقا بزيارة مصر عام 2013، وبالمقابل ترتبط السياسات الخارجية المصرية إرتباطاً وثيقاً بالسعودية، التي فتحت زيارة مساعد الخارجية الإيرانية في الأسابيع الماضية للسعودية جدلاً بإمكانية حدوث تقارب بين البلدين، قد تكون من بين ثمراته، فتح صفحة جديدة في الأزمة السورية  بعد سنوات من الجفاء الدبلوماسي بين البلدين.
وفي سياق متصل هناك دلالات توجه إيران لتحسين العلاقات مع مصر والسعودية،إذ توجد فرصاً إستراتيجية تسهم في التقارب بين هذه الدول للتوصل إلى مواقف مشتركة بينهما، منها تصاعد خطر الجماعات الإسلامية المتشددة والأزمة السورية واللبنانية، هذه التوجهات توضح رغبة الأطراف في تبني سياسات أقل تصادماً، لا سيما أن الأزمة السورية طالت، ولم يعد الحل العسكري هو الخيار الأمثل لتسويتها، حيث كشفت تقارير عديدة عن أن السعودية ربما تتبنى إستراتيجية جديدة تجاه سوريا تكون أكثر مرونة، بالإضافة إلى إمكانية تبادل موازين القوى داخل إيران بعد الإتفاق "الإيراني - الأمريكي" حول الملف النووي، وذلك لمصلحة رموز الاعتدال، ومن هذا المنطلق إن التصريحات التي أدلى بها مسؤولون إيرانيون، خلال الفترة الماضية، تكشف عن وجود مسعى إيراني لإعادة الإنخراط مع السعودية، على نحو قد يؤسس لنوع من "توافق المصالح" المحددة بين البلدين، حيث يدرك الإيرانيون أن السعودية لاعب إقليمي لا يمكن تجاهله، مثلما لا يمكن محاربته، لما يمكن أن يترتب على ذلك من خسائر كبيرة.
واليوم تستعد  القاهرة للعب دور بارز في الأزمة السورية إذ ستقوم  بالتنسيق مع أطياف المعارضة السورية في محاولة لتقريب المواقف قبيل إتصالات مشابهة مع دمشق، لمصر موقف واضح يدعو لحل سياسي وهي تزداد قناعة به خاصة بعد إزدياد مخاطر التنظيمات الإرهابية التكفيرية في الشرق الأوسط والتدخلات الخارجية الكبيرة في سورية، وما سيساعدها في ذلك أنها ما زالت عنصر ثقة من كل الأطراف، وتحظى بتقدير كل من المعارضة السورية على إختلاف توجهاتها وإيديولوجياتها وكذلك النظام السوري الذي لا يُنكر ما يمكن أن تقوم به في هذا المجال، وسوف تكون هذه الخطوة إن نجحت، تمهيداً لمؤتمر سوري دولي يجمع كل أطراف الصراع بالقوى الإقليمية والدولية.

وأنا على يقين تام إن هذا التقارب بين الدول الثلاث سوف يحدث خلل في الإستراتيجية الأمريكية التي كانت تسعى منذ بدء الأزمة السورية لإسقاط النظام في سورية بقيادة الرئيس "بشار الأسد"، لكنها اليوم سوف تقف مع هذه الدول للقضاء على تنظيم داعش والتراجع عن إستراتيجيتها السابقة الخاصة بإسقاط النظام السوري، كما سيخدم أمن منطقة الشرق الأوسط ككل، للثقل الكبير الذي تمثله السعودية وإيران ومصر، وبالتالي فأي توحيد لجهود هذه الدول، سيتيح إمكانيات أكبر للقضاء على التهديدات الإرهابية وبث روح الإستقرار في بلدان في المنطقة التي تعيش مخاضاً عسيراً.
وخلال ما تقدم يمكنني القول إن التقارب الإيراني من السعودية يعكس الرغبة في التوصل الى تفاهمات إقليمية جوهرية حول القضايا الخلافية بين البلدين وعلى رأسها الأزمة السورية والحرب بالنيابة القائمة بين البلدين على أرضها، ولا نستغرب أن تمتد هذه التفاهمات الى الملفات العراقية واللبنانية أيضاً، وبالتالي فإن هذه المفاجآت السعودية ستحدث حالة من الإرتباك في اجتماعات منظومة أعداء سورية وربما تصيب المعارضة السورية المسلحة بحالة من الإحباط من النوع الثقيل، فضلاً عن قلق إسرائيلي  من هذا التقارب الذي سيؤثر بشكل سلبي على سياستها في المنطقة.
ومن هذا المنطلق إن الاهتمام بفتح قنوات تواصل وحوار بين طهران والقاهرة والرياض، قائم على مصالح عملية لهما، يمكن أن يزيد من إحتمالات حدوث تهدئة إقليمية، فى مدى زمني ما، لكن تظل الإشكالية المرتبطة بإستقرار هذه العلاقات قائمة، خاصة فيما يتعلق بقدرة إيران على تطوير أطر تسمح بإستدامتها وتقويتها خلال الفترة المقبلة، وأخيراً أختم مقالتي بالقول بدأ اليوم عصر جديد من التحالفات التي لن يقف عند هذا المثلث، بل قد يغير مسارات وأزمات ومحاور إقليمية ظن البعض إنها قد لا تتبدل، متجاهلاً تاريخ الصراعات الدولية وطبيعتها.
Khaym1979@yahoo.com
*صحفي وأكاديمي