2024-04-17 02:49 ص

زيارة كيري الى المنطقة ...الاهداف ودلالات الاجتماع الوزاري في جدة

2014-09-10
كتب الدكتور بهيج سكاكيني
ها هو السيد كيري يعود الى المنطقة مشمرا عن ذراعيه بعد انقطاع طويل لزياراته المكوكية سابقا التي تركزت على "المفاوضات" بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، والتي كان من المفترض أن تستمر لتسعة أشهر وتنتهي بالتوقيع على اتفاق يكون شبه نهائي للقضية الفلسطينية. فشلت المباحثات فشلا ذريعا وعاد كيري بخفي حنين، ولم تحقق "المفاوضات" والمباحثات أي اختراق. والعودة الجديدة لا علاقة لها في القضية الفلسطينية التي وضعت على الرف بالنسبة للإدارة الامريكية وللنظام الرسمي العربي، وذلك لانشغالهم في ملف يبدو أكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة، وهو كما يقال في العلن أنه معني ببناء تحالف دولي واقليمي "لمحاربة" الدولة الإسلامية" في العراق والشام. وكان أن مهد لهذا التحالف الدولي في الاجتماع الذي عقد في مقاطعة ويلز في المملكة المتحدة، أما التحالف الإقليمي فقد مهد له باجتماع كانت قد دعت اليه السعودية في جدة بحضور كل من مصر والأردن وقطر والامارات والسعودية الدولة الداعية والمضيفة للاجتماع. بالإضافة الى هذين الاجتماعين، فقد تم عقد اجتماع لما يسمى جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، سبقه حديث تليفوني مطول بين أمينها العام نبيل العربي والسيد كيري، وتمخض الاجتماع عن بيان تخاله كتب بنفس اليد الذي كتبت البيان الختامي لاجتماع حلف الناتو لما فيه من تشابه في المواقف والإجراءات، كنا قد أشرنا اليها في مقال سابق. ان جولة كيري في المنطقة تتضمن اجتماع وزاري عربي أمريكي في جدة مرة أخرى بترتيب من السعودية وسيحضر الاجتماع من الجانب العربي كل من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن. إن انعقاد هذا المؤتمر وبالتحديد في السعودية له دلالة ومغزى كبير. بداية، السعودية هي احدى الدول التي هدد البغدادي "الخليفة" للدولة الإسلامية بالوصول اليها. والسعودية تأخذ هذا التهديد على محمل الجد ربما على الأقل لسببين. أولهما هو ان جحافل المغول الدواعش باتوا على مقربة من الحدود السعودية ولا يفصلهم عنها سوى 100 كيلومتر. وهو ما حدا بالسعودية الى الإسراع من الانتهاء من بناء الجدار الاليكتروني وابراج المراقبة والتجسس على طول الحدود بينها وبين العراق، ونشر ما يقارب من 30000 جندي على هذه الحدود، بالإضافة الى الطلب من الأردن على تكثيف وجوده العسكري على الحدود مع السعودية. أما السبب الثاني يعود الى أن السعودية تشعر بأن تهديد الدولة الإسلامية، والتي تأخذه على محمل الجد، هو تهديد وجودي للدولة السعودية وبالتحديد للعائلة المالكة. وهذا التهديد نابع من أن الفكر التكفيري الذي تتبناه السعودية كدولة هو الفكر الوهابي الإرهابي. هذا الفكر الذي شكل مرتكز رئيسي لقيام دولة عائلة ال سعود، وهو الفكر الذي تربت عليه الأجيال السعودية. وبالتالي فان هذا الفكر الذي عشش في المجتمع السعودي والذي أنتج العناصر الإرهابية التي أرسل الالاف منها الى أفغانستان، والتي شكلت منها المجموعات الإرهابية التي قاتلت وما زالت تقاتل في العراق وسوريا، نقول هذا الفكر ليس غريبا على المجتمع السعودي وهذا فارق أساسي بين المجتمع السعودي من طرف والمجتمع العراقي والسوري من الطرف الاخر. ومن هنا فان الفكر التكفيري الوهابي لداعش أو ما يسمى بالدولة الاسلامية يجد له امتدادا طبيعيا أيديولوجيا، ودعما بالمال والرجال في هكذا مجتمع. والدولة الإسلامية، دولة الخلافة أصبحت تنازع ال سعود وتعتبر ال سعود كفرة وخارجين عن الدين وبالتالي يجب أن يقام عليهم الحد. كما ان انعقاد مثل هذا الاجتماع في جدة له دلالات سياسية فيما يخص التوازنات والمعادلات في المنطقة. حيث أن انعقاده في السعودية هو رسالة لإيران كما يفهمه السعوديون الذين يودون توجيه الرسالة الى اننا، أي السعودية ما زالت دولة لها ثقلها وتأثيرها الوازن في المنطقة وملفاتها، وخاصة وأن الدور الإيراني وتأثيره على الساحة الإقليمية والدولية قد برز وزاد بشكل واضح بعد توقيع الاتفاقية بين إيران والدول الستة الكبرى، والتقارب الأمريكي الإيراني. وهي أيضا رسالة الى الإدارة الامريكية التي رأت السعودية أنها قد تخلت عن أمن الخليج أو هكذا خيل لها. وقد يرى البعض أن انعقاده في جدة وليس في القاهرة مثلا، هو تقزيم للدور المصري بالنسبة للدور السعودي في المنطقة وأن التحرك يجب أن يتم من تحت العباءة السعودية. وربما الدلالة الأخيرة هي التأكيد على الدور الريادي للسعودية في مجلس التعاون الخليجي وخاصة مع بروز العديد من المشاكل بين دول الخليج والتي بدأت تنذر بتصدع المجلس وتراجع الهيمنة السعودية على دول المجلس. أما الأهداف المعلنة لهذا الاجتماع هي استكمال بناء التحالف الدولي والإقليمي، حيث أن الرئيس الأمريكي قد وكل كل من وزير خارجيته ووزير دفاعه، للتوجه الى المنطقة لبناء الحلف الإقليمي ليكون جزء من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة الدولة الإسلامية، والتي ستكون صعبة وستأخذ وقتا طويلا بحسب تصريحات الإدارة الامريكية (الاغلب 3 سنوات بحسب تقديرات أوباما طبعا قابلة للتمديد). الولايات المتحدة لن ترسل قوات على الأرض (هكذا تتدعي للان)، حيث ان وظيفة محاربة الدولة الإسلامية على الأرض ستسند الى قوات من دول المنطقة، على أن تكتفي الولايات المتحدة وقوات حلف الناتو بتسديد الضربات الجوية لتجمعات مقاتلي الدولة الإسلامية في المرحلة الحالية. وهذا طبعا لا يمنع من وجود اسراب من الخبراء الأمريكيين لإسداء النصائح، ووضع الاستراتيجيات القتالية، الى جانب اعداد صغيرة من قوات المارينز للقيام بعمليات معينة. وفي حقيقة الامر، فان هنالك الالاف من الجنود الأمريكيين في العراق خاصة في المناطق الكردية تحت العديد من المسميات، وذلك للالتفاف على معارضة الشعب الأمريكي والكونغرس. وبالإضافة الى الدول التي ذكرت سابقا، فان تركيا وإسرائيل ستكونان جزء أساسيا من هذا الحلف الإقليمي. والزيارة تهدف الى ابلاغ دول المنطقة بما يجب أن يقوم كل منها ضمن هذا التحالف، بمعنى توزيع الاعمال والوظائف التي ستقوم بها كل دولة على حدة أو مجتمعة. كل هذا يتم دون أن تشعر أي من دولنا العربية المشاركة بأي نوع من الإهانة او المذلة لكون المبادر والمخطط هو الأمريكي، الذي سيتولى إعطاء الأوامر بتنفيذ المهمات، وعلى رأسها طبعا دفع تكاليف المهمات التي ستقوم بها أمريكا وحلف الناتو. فالحروب بالنسبة لهذه الدول هي "بيزنس" كما يقال، ويجب تحقيق المكاسب وجني الأرباح من هكذا عمليات. ولدول الخليج باع في هذا المجال. ألم تدفع المليارات "لتحرير" الكويت من القوات العراقية؟ ألم تدفع مرة أخرى لتدمير العراق عام 2003، عدا عن فتح أراضيها وتوفير الماء والغذاء للجيوش الزاحفة؟ يقال أن ما دفعته دول الخليج قد تجاوز 140 مليار دولار. طبعا الامر لم يقتصر على العراق، فقد دفعت المليارت للناتو لتدمير ليبيا أيضا. ولا ننسى سوريا أيضا فقد قامت السعودية وقطر والامارات بدفع ما يقارب 40 مليار دولار فيما بينهم للمجموعات الإرهابية التكفيرية وتزويدها بالأسلحة المتنوعة. ويتساءل البعض أين تذهب مليارات البترودولار؟ تذهب لتطوير الناتو، وضمان دوران ماكينات المجمع الصناعي العسكري في أمريكا وغيرها من الدول الغربية التي تتقاسم الغنائم والمكارم وصفقات الأسلحة المتطورة للدول الخليجية التي لا يتم تسليمها، أو التي لا تستخدم ويتم تخزينها، أو التي تدار بأيدي أمريكية على الأراضي الخليجية، الى جانب تدمير بلدان المنطقة. والحال الان في هذا التحالف لن يغير من الامر شيئا، فالبقرة الحلوب ما زالت تدر لبنا للتوزيع وبسخاء منقطع النظير على من يقوم بالحفاظ على العروش وتكبير الكروش. بات من المؤكد أن الولايات المتحدة والناتو ستستثني كل من سوريا وإيران وروسيا من هذا التحالف، الذي يعتبره كل محلل موضوعي أنه خطأ فادح، لأنه يعني إدامة الخطر وتمدده، هذا في الوقت الذي يسعى التحالف نظريا لمحاصرته والتقليل من خطورته والقضاء عليه مستقبلا. وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على المعايير المزدوجة بالنظر الى الإرهاب وتعريفه وماهيته، كما أوضح وأكد وزير الخارجية الروسي لافروف مؤخرا، الذي ألمح بأن الولايات المتحدة قد تقوم بضرب قواعد للجيش السوري لإضعافه تحت حجة محاربة الإرهاب وتوجيه الضربات العسكرية داخل سوريا دون التنسيق والتعاون مع الدولة السورية. وتصريح لافروف لم يأتي من فراغ وهو الدبلوماسي المخضرم العارف ببواطن الأمور، وبالتالي فان تصريحاته تحمل بشكل أو بآخر نوع من التهديد المبطن للتحالف المزمع بلورته من عدم الاقتراب من الجيش السوري لان روسيا كما هي سوريا، لن تقف مكتوفة الايدي تجاه هذا العدوان السافر على الأراضي السورية. ليس سرا أن كل من روسيا وإيران يقومان بتقديم كافة الدعم اللازم لصمود سوريا، وعلى ان هذا الدعم أسهم الى حد كبير في هذا الصمود الأسطوري للدولة السورية، وللنجاحات التي حققها الجيش العربي السوري البطل بالرغم من تضحياته الجسيمة. ولكن مع تكوين هذا التحالف الدولي والإقليمي الذي يريد أن يزج المنطقة بأجندات خفية لا تقتصر على المنطقة فقط، تستدعي بالضرورة إقامة حلف رسمي موازي يضم كل من روسيا وإيران وسوريا على الأقل، كدول لمحاربة الإرهاب في المنطقة، لان الإرهاب وتمدده يشكل خطرا على كل منها، الى جانب أن اقامته سيضع العراقيل أمام الاجندات الخفية للتحالف الدولي والإقليمي، والتي في مقدمتها اضعاف وإنهاك الجيش السوري على أمل اسقاط الدولة السورية بعد أن عجزت كل محاولاتهم وباءت بالفشل، ولكن ما زال بعضهم يحلم بحلم ابليس في الجنة.