2024-04-26 01:10 ص

الأسد حجر عثرة أمام خطة أوباما

2014-09-14
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي 
مشاكلنا في المنطقة تكمن في أمرين أساسيين: أولهما، إصرار واشنطن بالتمدد في مواقع تعتبر مجال نفوذ تاريخي لقوى أخرى وبالتحديد "العراق، سورية" وثانيهما، تقاتل بعض الأنظمة العربية على التبعية والتسابق لتنفيذ الإرادة الأميركية لتحقيق البقاء في كرسي الحكم، لذلك نرى دولاً تشارك في أحلاف وتنفذ سياسات قوى كبرة من أجل تحقيق مصالحها، فواشنطن لا يهمها دماء تراق وأرواح تزهق، ولا ما يعانيه العباد من مآسي وتهجير وتشرد، ما يهمها توظيف الحروب لخدمة مصالحها وإسرائيل،  والثقة بسياساتها وصلت إلى الحضيض، في إطار ذلك هناك مجموعة أسئلة تفرض نفسها اليوم على المراقب والمحلل السياسي الدولي والإقليمي، لعل أهمها: هل إعلان الرئيس الأمريكي أوباما الحرب لإجتثات الإرهاب من الشرق الأوسط يعتبر إستراتيجية أم مجرد مخطط في إطار إستراتيجية كبرى "غير معلنة"، تعمل على إجتثات حركات المقاومة بإعتبارها إرهابية وفق المنطق الأمريكي، وذلك من خلال مشروع إسقاط سورية التي تحولت إلى أكبر معقل للإرهاب الدولي في التاريخ؟، وهل مصير حرب واشنطن  الجديدة  هو مصير ما سبقها من حروب؟ وهل أثمرت حروبها غير المآسي والدمار والفتن الطائفية والمذهبية والكراهية في المنطقة؟
أصبح النفاق الأمريكي في التعامل مع قضية في غاية الخطورة "الإرهاب" التي تهدد العالم بأسره بعيد كل البعد عن الحقيقة، بعد إن إستبعدت الإدارة الأمريكية سورية من الإئتلاف الدولي لمكافحة الإرهاب، ورفضت التعامل مع إيران وروسيا  بهذا الشأن، فأمريكا ومنذ غزوها لأفغانستان ومن ثم العراق، لم يكن هدفها يوماً القضاء على الإرهاب الذي صنعته في مختبراتها، وإنما كل ما فعلته هو الضرب على يد من تجرأ من الإرهابيين على الخروج من بيت الطاعة الأمريكي، كونهم قد يشكلون خطراً على المصالح الأمريكية، وهو ما يفسر تجاهل أمريكا لباقي التنظيمات القاعدية والتكفيرية الأخرى في سورية وفي مقدمتها المليشيات المسلحة التي لم تشق عصا الطاعة، كما أثارته القاعدة عندما خرجت من أفغانستان، و"داعش" عندما خرجت من سورية.
واليوم تسعى الولايات المتحدة من خلال إعلان التحالف الدولي ضد"داعش" إلى رسم علاقات دولية جديدة في المنطقة ترتكز على شدّ الحبال بين القوى العالمية " بين الولايات المتحدة وبين روسيا والصين"، وبالتالي فإن واشنطن تتحجّج بمبرر ضرب "داعش" لتكرار ما حصل عام 2001 عندما قررت إستهداف الحركات المتشدّدة في أفغانستان، حيث شنّت حرباً بقيادة الحلف الأطلسي، كما تريد الولايات المتحدة إرضاء الرأي العام العربي والغربي تحت شعار ضرب "داعش" إلّا أنها في الوقت نفسه تريد قصف مقار "داعش" في سورية وصولاً إلى ضرب التحالف المضادّ للقوى الكبرى التي تتزّعمه روسيا وسورية ، وهو ما دفع بالرئيس "بوتين" للإعلان بعد خطاب "أوباما" أن روسيا أصبحت قادرة ومستعدة عسكرياً لتوجيه ضربات عسكرية خاطفة في كل أنحاء العالم، خصوصاً بعد تغيير عقيدتها العسكرية، والتلويح بالخيار النووي إن اقتضى الأمر، وبمعنى آخر تريد واشنطن إسقاط سورية، لأنه بسقوط "الأسد" ونظامه، يتفكك أوتوماتيكياً محور المقاومة وينتهي نفوذ إيران وروسيا في المنطقة، وهذا ما يفرح بعض الدول  الإقليمية في المنطقة ويعزز أمن إسرائيل والهيمنة الكاملة على منابع النفط وطرق الإمداد الدولية في المنطقة، وبالتالي فإن تحقيق هذه الأهداف في منطقة الشرق الأوسط، يخدم بالمحصلة صراع أمريكا ضد روسيا التي أعلنت ومن خلفها الصين وبقية دول "شانغهاي" و"البريكس" أنها لم تعد تقبل بالهيمنة الأمريكية الأحادية على العالم، ومن هذا المنطلق سعى أوباما من خلال هذا التحالف الدولي إلى دفع العراق إلى نظام فيدرالي وتأسيس دولة كردية شبه مستقلة، ، فدعوة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى تسليح أبناء المحافظات العراقية التي ينتشر فيها التنظيم بهدف مواجهته، يمهد إلى فوضى السلاح، وربما إلى فيدراليات جديدة في العراق، فهذا الواقع تحاول رسم خارطته الإدارة الأميركية بأدوات جديدة، هنا يخشى الإيرانيون والروس معاً، من إستغلال داعش لتوسيع السيطرة الأميركية على المنطقة، كما استغلت القاعدة للسيطرة على أفغانستان وباكستان، وفي ظل ضعف دول المنطقة أمام التطرف والاستقطاب الطائفي، تكمن الخطورة من تقسيم المنطقة ضمن مخطط الشرق الأوسط الكبير، الذي لا يزال حلماً يراود أميركا إلى اليوم.
وفي سياق متصل إن الإستراتيجية الأمريكية التي أرادها أوباما، تؤكد وجود خطة لتوجيه ضربات جوية أمريكية لمواقع "داعش" داخل الأراضي السورية، يمكن أن ترجح كفة "المعارضة المسلحة " في صراعها مع "داعش"، و مساعدتها على قضم المزيد من الأراضي، وبالتالي مساعدتها في حربها ضد الجيش العربي السوري، ومن هذا المنطلق أدركت سورية، ما تضمره أمريكا من نوايا خبيثة، لذلك حذرت واشنطن وتحالفها المشبوه، سواء على لسان وزير خارجيتها ‘وليد المعلم’ أو ممثلها في مجلس الأمن، من مغبة الإقدام على ضربات جوية فوق الأراضي السورية من دون موافقة دمشق، ما سيعتبر عدواناً على سورية، وهذا يعني أن موسكو لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا الخرق السافر للقانون الدولي والسيادة السورية، لأن العدوان يطال حليف إستراتيجي كبير لروسيا، يعتبر سقوطه بمثابة سقوط لبوتين نفسه ونهاية لحلمه بعالم متعدد الأقطاب، أما إيران فتراقب وتتحضر للمواجهة في أكثر من ساحة، وتعتبر أن حرب أمريكا على الإرهاب "إنتقائية" لتحقيق أهداف "إنتهازية"غير شرعية إستناداً إلى منطق القوة والخداع.
في إطار ذلك يمكنني القول إن سورية هي "التحدي الأبرز" في إستراتيجية أوباما، التي يقول إنها تنطوي على "تدخل كبير" يصعب التنبؤ بعواقبه، ومن هنا يجب ألا تنفرد الولايات المتحدة سواء بوضع الإستراتيجية أو توزيع الأدوار في شن الحرب الجديدة، بل يجب أن تكون مواجهة خطر داعش جهداً دولياً جماعياً يتمتع بالصلاحية الكاملة في بدء الحرب وإنهائها، والتأكد من ألا تتحول إلى مجازر للمدنيين تحت اسم "مكافحة الإرهاب" وان يجرب كل هذا بغطاء من شرعية الأمم المتحدة، وليس بإرادة منفردة لواشنطن، لكن أوباما على أي حال لن يجد الأرض مفروشة بالورود كما إعتادت الولايات المتحدة سابقاً  فقد تعلم السوريين بثمن باهظ إن واشنطن لا تكمل الطريق إلى نهايته، ولا تتردد لحظة في التخلي عن أقرب حلفائها وأقدمهم إن اقتضت مصالحها ذلك.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن الصورة التي ترسمها الرؤية الأمريكية للمنطقة هي إعادة رسم خرائط المنطقة وفق تقسيم طائفي ومذهبي من خلال تحقيق الفوضى الخلاقة في سورية فهي لا تريد القضاء على "داعش" ولا تريد استقرار سورية ولا وحدتها، بل  تريد أمريكا مما يجري في العراق وسورية في ظل ما تفعله "داعش" أن يكون مدخلاً للحديث عما يسمونه "الإرهاب السُنّي" في المنطقة وتصويره على انه أصبح الخطر الأكبر الذي يتهدد الغرب والعالم كله، ومدخلاً للفوضى لإضعاف وتفكيك الدول العربية وإفقادها السيطرة على الأرض ، ومن هذا المنطلق يجب أن نكون علي وعي تام بمخططات أمريكا التي تريد السيطرة على بلادنا  والتحكم بمقدراتها.
Khaym1979@yahoo.com