2024-04-19 01:25 م

مسرحية بعنوان "الامن والسلام في العراق" ....المسرح باريس (1)

2014-09-15
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
ينعقد في باريس اليوم الاثنين 15 سبتمبر 2014، المؤتمر "الدولي" لمكافحة ومواجهة خطر "داعش" أو ما يسمى الان بالدولة الإسلامية، على الأراضي العراقية، للدول التي ستكون جزء من التحالف الدولي والاقليمي الذي تحاول الولايات المتحدة تكوينه ووضع الصورة النهائية له، لأنه كما أعلنت الإدارة الامريكية أن الولايات المتحدة هي من سيقود هذا التحالف. هذا ما أكده الرئيس أوباما في كلمته التي القاها يوم الأربعاء الماضي حين قال " القيادة الامريكية هي الثابت الوحيد في هذا العالم المتغير. أمريكا هي الدولة الوحيدة التي لديها القدرة على تحشيد العالم ضد الإرهابيين". ولقد لخص أوباما في كلمته ما يمكن اعتباره الخطوط العريضة للخطوات التي ستتخذها الولايات المتحدة، حيث أنها ستكتفي بتوجيه الضربات الجوية في العراق لتجمعات داعش، مع إمكانية ان تتمدد هذه الضربات الى الأراضي السورية ولكن دون التنسيق مع الدولة السورية. وعلى حسب ما ورد في كلمته فان الولايات المتحدة لن تقوم بإرسال قوات برية لمحاربة مقاتلي الدولة الإسلامية، وسيكون الاعتماد على الجيش العراقي وقوات البيشمركة على الأرض. وسيتم تدريب وحدات من الجيش العراقي على مكافحة مقاتلي الدولة الإسلامية بالإضافة الى تقديم الدعم العسكري الى القوات الكردية بما فيه تزويدهم بالأسلحة النوعية. ولقد تعهدت المانيا بتدريب القوات الكردية اما تدريب الجيش العراقي فستتولى امره الولايات المتحدة، التي ربما ستعيد تشكيل وهيكلة الجيش العراقي بما يتلاءم مع الحرب على الارهاب. أما فيما يخص سوريا فقد تم الاتفاق مع مهد الارهاب الوهابي على تدريب 5000 مقاتل وتسليحهم بأحدث الأسلحة وارسالهم الى الداخل السوري "لقتال" الدولة الاسلامية والدولة السورية في آن واحد. ولا شك أن الخبرة التي اكتسبتها السعودية في تجنيد المرتزقة من كل انحاء العالم ستساعد في حشد الجزء الاكبر من العدد المطلوب لتقام معسكرات التدريب على أراضيها، كما تم الاتفاق عليه مع وزير الخارجية الأمريكي كيري، قبل انعقاد المؤتمر الوزاري في جدة. والولايات المتحدد تهدف الان الى ضم أكبر عدد ممكن من الحلفاء والشركاء في الحلف الدولي. وعل الرغم من الموقف الأوروبي والعربي الداعم لمحاربة الارهاب، الا ان الدول الرئيسية في التحالف مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا قد رفضت الاشتراك في توجيه الضربات الجوية وخاصة على سوريا بالإضافة الى العراق، والاكتفاء بعمليات التدريب والتزويد بالأسلحة للمقاتلين الاكراد. أما الدول العربية الخليجية فان دورها على ما يبدو سيقتصر على دفع فاتورة هذه الحرب كاملة فهي البقرة الحالوب التي تدر الدولارات، وخاصة ان معظمها لا يمتلك قدرات عسكرية أو جيوش بالمعنى التقليدي، بالرغم من المليارات التي ضخت وتضخ "لتطوير" قدراتها القتالية، ويبقى الجيش المعول عليه هو الجيش المصري. وفي الزيارة التي قام بها كيري الى القاهرة مؤخرا، سمع ما لا يعجبه على ما يبدو، اذ أعلنت مصر أن جيشها لن يشارك في أية عمليات عسكرية خارج الأراضي المصرية. بالإضافة الى أن مصر ترى أن الارهاب في المنطقة غير مقتصر على الدولة الإسلامية، حيث أن هنالك العديد من المجموعات الإرهابية تتبنى نفس الأفكار التكفيرية ولا تقل خطورة على عن الدولة الإسلامية، منتشرة في جميع ارجاء الوطن العربي. ومن هذا يتضح أن مسرحية "التحالف الدولي" على ما يبدو سيقتصر فعليا على الولايات المتحدة الامريكية، التي ستقوم بتوجيه الضربات الى مجموعات الدولة الإسلامية من الجو، اللهم باستثناء 600 جندي استرالي أرسلوا الى الامارات تحت مظلة محاربة داعش او الدولة الإسلامية، دون تحديد مهمتهم أو الإعلان عنها. المتتبع للأحداث يرى أن مؤتمر باريس ما هو الا مسرحية استعراضية، وهزلية فاقعة على قول غوار، وذلك لعدم وجود جدية لمحاربة الارهاب، لان الولايات المتحدة غير معنية بالقضاء على الارهاب طالما بقيت المجموعات الإرهابية تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر على تحقيق المصالح الامريكية في المنطقة، وطالما أنها لا تهدد الامن القومي الأمريكي. ولقد صرح أوباما نفسه أن الدولة الإسلامية لا تشكل تهديدا مباشرا للأمن القومي الأمريكي. هنالك العديد من الدلائل التي تشير بوضوح أن الإدارة الامريكية غير جادة في محاربة الارهاب. للنظر الى العراق على سبيل المثال. أمريكا رفضت تسليم حكومة رئيس الوزراء الأسبق المالكي طائرات F16 وكذلك طائرات الاباتشي التي كان الجيش العراقي بأمس الحاجة اليها في قتاله لمقاتلي الدولة الإسلامية، وراوغت في تسليمها على الرغم من أن العراق قد دفع الجزء الكبير من هذه الصفقة. واكتفت بتوجيه ضربات جوية محدودة للغاية فقط عندما اقترب مقاتلي الدولة الإسلامية من أربيل والمناطق الكردية الغنية بالنفط. واستخدمت الإدارة الامريكية الحاجة الماسة للجيش العراقي للأسلحة الضرورية لمقاتلة داعش في العراق، لابتزاز الحكومة العراقية والأحزاب السياسية لفرض حكومة جديدة والتخلص من المالكي. هذا الابتزاز هو الذي حدا بالمالكي بالتعاقد مع روسيا، التي أمدت الجيش العراقي بطائرات سخوي المقاتلة الى جانب طائرات الهيلوكبتر المقاتلة في غضون ثلاثة أيام من تقديم طلبها. والأمر لم يقتصر على العراق، لان الإدارة الامريكية تعاملت بنفس الطريقة مع مصر حيث ماطلت وراوغت الإدارة الامريكية في تسليم الجيش المصري طائرات الاباتشي المدفوعة الثمن، واللازمة لمحاربة الإرهابيين من أنصار بيت المقدس في سيناء وهم جماعة منتمية الى القاعدة. ليس هذا فحسب بل أن مصر لم تستلم حتى الطائرات التي أرسلت الى الولايات المتحدة للصيانة وادخال بعض التعديلات عليها. فقط في الزيارة الأخيرة لكيري الى القاهرة التي هدفت الى رسم الدور المصري في التحالف، أعلن كيري أن واشنطن سوف تسلم مصر 10 طائرات أباتشي لدعم الجيش المصري في مواجهة الارهاب في سيناء. أما في لبنان فأن الجيش اللبناني محروم من استلام الأسلحة اللازمة للوقوف أمام التمدد الداعشي الى لبنان عبر عرسال وجرودها، على الرغم من الثلاثة مليارات دولار وهي "المكرمة الملكية" للملك السعودي عبدالله التي كان من المفترض دفعها الى فرنسا لتزويده بالأسلحة ( التي توافق عليها إسرائيل طبعا). وهذه المكرمة اتبعت بمليار دولار حملها السيد سعد الحريري الذي عاد الى البلاد عن طريق مطار لبنان وليس دمشق لتعاسة حظه، وهي مكرمة عاجلة للجيش اللبناني الذي نقصت عليه الذخيرة لمقاتلة الإرهابيين في عرسال. لو كان هنالك تعامل جدي لمحاربة داعش لما كان يحدث هذا الامر على الاطلاق ولسارعت الولايات المتحدة، أو فرنسا، او المانيا بمد الجيش اللبناني بالأسلحة اللازمة وفورا. أم ان داعش السورية واللبنانية تختلف عن تلك المتواجدة في العراق؟ كفاكم استخفافا بعقول الناس. أما في سوريا فحدث ولا حرج، اذ أعلنت الإدارة الامريكية أنها ستقوم بتسليح ما أسموه "بالمعارضة المعتدلة" وكأنها لغاية الان لم تقم بتسليحها أو الطلب من أدواتها في المنطقة بشراء الأسلحة لها. يكفي ان نعلم بان مراكز الأبحاث الامريكية استخلصت في الفترة الأخيرة أن اغلبية السلاح التي تمتلكه داعش في سوريا هي أمريكية الصنع. ولا بد من أن نشير هنا الى أن الإدارة الامريكية لم تشمل جبهة النصرة في حربها على الارهاب، على الرغم من أنها وضعتها على قائمة المنظمات الإرهابية، مما يثير التساؤل، هل ستتعامل الولايات المتحدة مع جبهة النصرة وتزودها بمزيد من الأسلحة، حيث أنها من أقوى التنظيمات الإرهابية العاملة في سوريا بعد داعش؟ قد يكون هذا هو الحال وخاصة وان السفير الأمريكي السابق الى سوريا فورد قد ذكر مؤخرا في ندوة في أمريكا ان جبهة النصرة تختلف عن داعش، وأن هنالك تنسيق ما بين "المعارضة المعتدلة" والنصرة في مقاتلة الجيش العربي السوري وكذلك داعش المتواجدة على الأراضي السورية. يتبع

الملفات