2024-03-29 03:16 م

مسرحية بعنوان " الامن والسلام في العراق" ....المسرح باريس (2)

2014-09-16
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
عدم الجدية يتضح أيضا من استثناء دول فاعلة في مكافحة الارهاب على المستوى الإقليمي والدولي وخاصة روسيا وسوريا وايران والجزائر، ليس هذا فحسب فالجيش السوري يقاتل منذ سنوات جحافل الارهاب من داعش والنصرة وغيرها المتعددة المشارب والجنسيات والولاءات، والذين جندوا من ارجاء المعمورة قاطبة وتم تدريبهم وتسليحهم وارسالهم الى الداخل السوري، وبالتالي فان سوريا لا تمتلك الخبرة في القتال على الأرض فقط، بل ولديها الكم الهائل من المعلومات الاستخباراتية والأمنية عن الإرهابيين، الذين "تخشاهم" دول المنطقة والدول الغربية. وليس سرا أن يقال بأن الطائرات المقاتلة السورية قصفت تجمعات إرهابية في المنطقة الحدودية وداخل الأراضي العراقية بالتنسيق مع الحكومة العراقية السابقة، وبالمثل قامت المدفعية الإيرانية بضرب التجمعات الارهابية على حدودها مع العراق، وإيران هي التي أمدت الجيش العراقي والمقاتلين الاكراد وبشهادتهم، بالأسلحة لمقاتلة الدواعش، في حين تلكأت أمريكا عن دعمهم في عملية ابتزاز سياسي حقيرة وما تزال. وأمدت روسيا سوريا بكل ما تحتاجه من الأسلحة لمقاومة الإرهابيين على أراضيها. وروسيا لها مصلحة مباشرة في مكافحة الارهاب الداعشي وغيره، نظرا لما يشكله من خطر على منطقة القوقاز وكلنا نعلم عن أحداث الشيشان السابقة. والجزائر لها باع قديم أمتد الى ما يقارب من خمسة سنوات في مقارعة الارهاب على اراضيها، ومن المؤكد أن لديها ما يسهم ويساعد في مكافحة الارهاب وخاصة في الشمال الأفريقي. ولا بد لأي انسان موضوعي أن يطرح السؤال لماذا تستثنى كل هذه الدول من تجمع دولي واقليمي يدعي أنه يحارب الارهاب؟ ولماذا هذه الانتقائية في تحديد المجموعات الإرهابية المراد التصدي لها وحصرها في الدولة الإسلامية أو داعش دون غيرها التي لا تقل خطورة عنها، لأنها تنهل من نفس المشارب الفكرية التكفيرية الوهابية؟ ولماذا هذه الانتقائية للدول المعينة التي تحددها الإدارة الامريكية للمشاركة في التحالف المراد بلورته، واقصاء دول أخرى ذات وزن فاعل إقليمي ودولي؟ لماذا كل هذا ان لم يكن هنالك أجندات خفية لهذا التحالف المشبوه، الذي يريد أن يأخذ من محاربة الدولة الإسلامية ذريعة ومظلة خادعة لتحقيق مآرب ومصالح تدخل ضمن الاستراتيجية الكونية للولايات المتحدة والتي تتقاطع في بعض بنودها الإقليمية مع مصالح بعض دول المنطقة. هذه الاجندات الخفية يمكن تلخيص أبرزها بما يلي: أولا محاولة اسقاط الدولة السورية أو مزيد من انهاكها، وهو الحلم الذي ما زال يراود الولايات المتحدة من "الليبراليون" الديمقراطيين الى الجمهوريين وخاصة أولئك من المحافظين الجدد، بالإضافة الى الرغبة القبلية الثأرية السعودية الجامحة والمسعورة لتحقيق ذلك، كيف لا وهي الى جانب بعض الدول الخليجية مثل قطر والامارات والكويت، قد دفعت المليارات لتحقيق ذلك دون جدوى حيث باءت كل محاولاتهم بالفشل الذريع لصلابة الثالوث المقدس السوري المتمثل بالشعب والجيش والقيادة الحكيمة، الى جانب دعم الأصدقاء والحلفاء الاوفياء. أما الإدارة الامريكية التي اضطرت للتراجع عن العدوان على سوريا بعد أن حشدت أساطيلها الحربية مقابل السواحل السورية، تحت ضغط الرأي العام الأمريكي وأعضاء من الكونغرس وحتى من بعض القيادات العسكرية الامريكية، بالإضافة الى الحكمة والضغط الروسي وكذلك التهديدات الإيرانية، وعدم معرفة الى اين ومتى وكيف ستنتهي الحرب إذا شنت، نرى هذه الإدارة اليوم تقول وبكل وقاحة متناهية، أن قرارها بالاعتداء على السيادة السورية والضربات الجوية وإمكانية تدحرج الحرب الى حرب مفتوحة لا نهاية لها، لا تستدعي الرجوع الى الكونغرس لإعلان حالة الحرب. فما ستفعله الإدارة الامريكية لا يعتبر حربا بمفهومها القانوني. فالحرب كما تعرفه هذه الإدارة المارقة، التي أعطي رئيسها جائزة نوبل "للسلام" بعد تنصيبه مباشرة، تستدعي " الاشتباك المباشر مع العدو ولفترة طويلة، بشكل قد يعرض حياة الجنود الأمريكيين الى الخطر وحيث يسقط اعداد كبيرة من الجنود الامريكيين قتلى نتيجة هذا الاشتباك". بمعنى أن القضية مرهونة فقط بالطرف الأمريكي وخسائره في أرواح جنوده. وحيث أن القوات الامريكية على الأقل في المرحلة الحالية ستكتفي بالضربات الجوية فهذه ليست حربا بمفهوم الإدارة الامريكية، حتى لو أدت الى تدمير البلاد المعتدى عليها من قبل القوات الامريكية، وقتل الالاف من السكان الامنين العزل. فالطيار الأمريكي يستطيع أن يصول ويجول في أعالي السماء دون الاشتباك مع العدو مباشرة، ودون تعريض حياته للخطر، بينما تقوم الصواريخ "الذكية" بتدمير الحجر والبشر. وهذا نفس المبدأ الذي طبق في الحالة الليبية، وفي أفغانستان والصومال واليمن بالطائرات بدون طيار الموجهة من قاعدة في فلوريدا، بينما يحتسي منفذ هذه العمليات الاجرامية القهوة وكأنه في نزهة. ثانيا : محاصرة روسيا وايران في المنطقة والتقليل من دورهما الإقليمي والدولي، لما يمثلانه من ثقل وازن وفاعل على هاتين الساحتين. ولا ننسى أن أمريكا قد بنت أكبر سفارة لها في العالم في العراق، وطبعا هذه السفارة أو القلعة العسكرية المحصنة لم تبنى لإصدار تأشيرات الدخول الى الولايات المتحدة، وإقامة حفلات التعارف والترفيه، والمجاملات الدبلوماسية، وهي التي تعج بعناصر من المخابرات المركزية الامريكية، والمستشارين العسكريين والامنيين، وأجهزة التنصت وجمع المعلومات. يكفي أن نتذكر حال "السفارة" الامريكية في طهران وما كانت تختزنه من أجهزة ومعدات، التي افتضح أمرها عندما اقتحمت من جانب المتظاهرين الإيرانيين بعد الثورة الإسلامية في إيران وسقوط حكم الشاه عام 1979. أما المنطقة الكردية التي أصبحت "دولة" كردستان بحكم الواقع فهي المرشحة لان تكون إسرائيل الثانية، والتي باتت تحتضن الالاف من الجنود الامريكيون والمستشارين ورجال الاعمال والامن وأجهزة الرصد والتجسس، الى جانب تواجد الموساد ورجال الامن الصهاينة. نعيد ونذكر بما حدث بعد غزو العراق مباشرة عام 2003، عندما قام الموساد الإسرائيلي بتصفية مئات من خيرة العلماء العراقيين من مختلف المجالات وخاصة علماء الذرة الذين كانوا يعملون في مجالات الابحاث النووية والفيزيائية. والمحاصرة لا تقتصر على الجانب الأمني والعسكري، بل تتعداها لتشتمل على الحد من النمو الاقتصادي، المتمثل بالتضييق على قطاع النفط والغاز الإيراني والروسي، وطرق الامداد لعناصر الطاقة هذه. فهذا جزء لا يتجزأ من الحرب الكونية التي تديرها الولايات المتحدة، والتي تسعى من وراءها للسيطرة على موارد الطاقة من نفط وغاز وطرق امدادها. والولايات الامريكية المتحدة معنية بقطع الطريق على مشروع انابيب النفط التي تمتد الى الموانئ السورية من ايران عبر الأراضي العراقية، والتي يمكن استخدامها مستقبلا لتصدير الغاز والنفط الإيراني، وربما الروسي فيما بعد. ألم تعمل الولايات المتحدة على استخدام كافة الضغوطات على باكستان لعدم استيراد الغاز المسيل من إيران، ومنعها من اكمال خط الانابيب المار في أراضيها، على الرغم من أن الجانب الإيراني قد أنهى الامدادات من طرفه؟ ألم تبدأ الازمة في سوريا عندما رفضت أن تكون أراضيها معبرا لخطوط انابيب نفط وغاز من قطر الى تركيا، لإمداد الدول الأوروبية بالغاز والنفط عبر الموانىء التركية بدلا من الغاز والنفط الروسي، وبالتالي فك ارتباط أوروبا الوثيق مع روسيا في مجال الطاقة، وتوجيه ضربة اقتصادية لروسيا، وهو ما رفضته الحكومة السورية، بالرغم من الاغراءات المالية الضخمة التي قدمت لها في حال موافقتها على المشروع القطري؟ كما يقولون ابحث عن المال ومصادر الطاقة من نفط وغاز ترى ما يدور من صراعات في العالم. ثالثا: اقحام الناتو وبث الحياة فيه مرة أخرى من خلال مشاركته ولو بصورة شكلية، فالمتحكم الرئيسي فيه هي الولايات المتحدة، حيث ما زال الاوروبيون بشكل عام مترددين في جدوى الإبقاء على هذا الحلف، نظرا لعدم وجود تهديد فعلي لأمن الدول الأوروبية وخاصة وأن الحرب الباردة قد انتهت فعليا في بداية التسعينات من القرن الماضي، بالإضافة الى العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين دولها الفاعلة وروسيا والتي بالضرورة انتجت علاقات سياسية جيدة. هذا الى جانب القناعة لدى العديد من الدول الأوروبية أن الحلف يستخدم لتنفيذ الاجندات الامريكية، والتي ليست بالضرورة لمصلحة الدول الأوروبية التي ما زالت تساهم في جزء كبير من ميزانية الحلف على الرغم من الوضع الاقتصادي المتردي. الإدارة الامريكية تستخدم التحالف الجديد ودور حلف الناتو، لإبعاد الدول الاوروبية عن روسيا، والحد من العلاقات الاقتصادية والسياسية بينهما كما أثبتت أحداث أوكرانيا ومنظومة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الامريكية على روسيا. رابعا: لا شك في أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة ترى في هذا التحالف فرصة لتحقيق الأرباح الطائلة لمجمعات الصناعات العسكرية في بلدانها، من البلدان الخليجية التي تمتلك مئات المليارات من دولارات الأموال النفطية، وذلك بدفع فاتورة العدوان على الدول العربية تحت يافطة محاربة الارهاب، وعقد صفقات لشراء "الأسلحة المتطورة" لجيوش افتراضية. والمتتبع يرى أن فرنسا قد حققت صفقات محترمة وصل آخرها الى 15 مليار دولار مع السعودية، وذلك من خلال رئيسها الساقط سياسيا على حسب استطلاعات الرأي الفرنسية حيث تدنت نسبة التأييد له دون 20%وهي أدنى المستويات لأي رئيس فرنسي. هذا زيادة عن "المكرمة" الملكية السعودية بثلاثة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني بأسلحة فرنسية، والتي لم يرى منها الجيش اللبناني شيئا بعد، وذلك لدخول أمريكا على الخط، حيث أنها لا تريد لفرنسا أن تكون منافسة لها في هذا المجال. هذا بالإضافة الا أن السعودية وقطر لا تريدان القضاء أو محاربة الدواعش في سوريا ، وتريد لحشوداتهم على الحدود اللبنانية السورية أن تبقى. وتشير التقارير أن دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية تأتي في مقدمة بلدان العالم في شراء الأسلحة، والسؤال لماذا ولمن تكدس هذه الأسلحة هذا على افتراض استلامها؟ ومن تريد السعودية مقاتلته؟ وبمن؟ بالمرتزقة من الجيش الباكستاني واحدى الدول العربية المجاورة، باستئجار وحدات من قوات الجيش والعسكر والدفع على الرأس للحكومات؟ هذه فقط بعض الملاحظات التي أردنا أن نوردها والمرتبطة بمكافحة الارهاب، والتي في مجملها تدلل ان المؤتمر ليس أكثر من مسرحية هزلية، وان للولايات المتحدة اجنداتها الخفية، والتي من المؤكد أنها ستظهر على السطح عاجلا ام آجلا، فرائحة النتن السياسي باتت تزكم الأنوف. وما زلنا نعتقد أنه بات من الضروري إقامة تحالف رسمي بين سوريا وإيران وروسيا وربما الجزائر على الأقل في المرحلة الحالية، إذا ما رفضت الولايات المتحدة كما هي الان، ان تعود الى مجلس الامن ومناقشة التصدي للإرهاب دون انتقائية ومعايير مزدوجة، وان يتم محاربة الارهاب والتصدي له تحت رعاية الأمم المتحدة، وانضمام روسيا والصين وسوريا وايران الى التحالف الدولي. والواضح ان الإدارة الامريكية غير معنية بالرجوع الى الأمم المتحدة بهذا الشأن، وهذا ما يؤكد أن لديها أجندتها الخاصة الى جانب انها لا تريد لاحد أن يشاركها في اتخاذ القرارات ولجم رعونتها. وتصريح بان كي مون الأخير من أنه لا ضرورة للعودة لمجلس الامن الذي اتخذ قرار 2170 بمحاربة داعش لا يساعد في هذا الامر، والكل يعلم ان الأمين العام أداة طيعة للإدارة الامريكية.

الملفات