2024-03-29 01:14 ص

مدير المدرسة...رهان الإصلاح الإداري في عالم متغير

2014-09-17
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي*
لا يختلف إثنان في أن التعليم هو أساس رقي الأفراد والشعوب والدول، ووسيلة تنمية المجتمعات، ولا يختلفان أيضاً في أن التعلم سبب في إزدهار الوعي وإنحسار المشكلات الأخلاقية والإجتماعية والإقتصادية، لذلك تعتبر الإدارة التربوية في الوقت الحاضر من الأمور الهامة التي شملها التطوير، والتي لا يمكن إبقاءها تقليدية، ومن هنا كان لزاماً على الدول أن ترسم سياستها التربوية حسب معطيات العصر، وتختار قادتها التربويين القادرين على إدارة النظام التربوي بشكل فعال وسليم، مستخدمين الطرق والأساليب الإدارية الحديثة وخاصة بعد أن وصلنا إلى القرن الواحد والعشرين، هذا القرن الذي شهد ويشهد أعظم المتغيرات الإجتماعية والتكنولوجية والحضارية والسياسية والتربوية، هذه المتغيرات تمشي بخطى سريعة كدنا لا ندركها إذا لم نتابعها عن كثب ونسعى نحن لمعاصرة متغيراتها وإنجازاتها. لا يزال مدراء بعض المدارس في بلدنا يفتقرون إلى الكثير من المهارات الفنية التي هي صلب العمل الوظيفي لمدير المدرسة، وهذا من الأسباب الرئيسية التي تجعل المناخ المدرسي يغلب عليه الإرتجال في أعماله ويقابل بسلبية من العاملين في البيئة المدرسية مجتمعة، ونظراً لتعيين المديرين في المدارس بدون ضوابط نظامية أدى إلى أرباك العملية التربوية وتدني في المستوي العلمي للطلبة وتفشي ظاهرة الفساد الإداري بين المديرين ، فالتغيرات المتسارعة وما تفرضه على الواقع التربوي يحتم على مدير المدرسة التكيف مع هذه المتغيرات والإستفادة منها إيجابياً وتوظيفها لخدمة الأهداف التربوية، وعليه إدراك أن التغيير هو ضرورة حتمية وهو منطلق لعملية التغيير. فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا، هل مدارسنا بإداراتها مدركة وواعية لهذه المتغيرات المتسارعة، هل تحمل العقلية التقليدية التي تربى عليها المدير في زمنه وأعتبرها آنذاك سلطة قوية مخيفة، قادرة بحزمها على إدارة الأمور؟ هنا أقول إنه في وقت سابق أصدرت المجلة الدولية للقيادة التربوية في بريطانيا بحثاً حول تأهيل القيادة المدرسية على التفكير محلياً وعالمياً، طارحة السؤال لمديري المدارس، ما الذي يقوم به طالب المدرسة الآن في حين لم تستطع أنت القيام به عندما كنت في مثل عمره في سن 16 سنة، فكانت الإجابة الدقيقة، لديه الآن الفيس بوك والتواصل الإجتماعي وغيرها من التقنيات التي لم أحصل عليها ولم أدرك يوما أنها ستكون موجودة، ولاشك أن الإدارة الواعية هي التي تدرك مدى حاجتها للتطوير وأن تتنبأ بالمستقبل وتدرس أوضاعها وأفكارها وبيئتها ومدى التقدم الحاصل حولها بحيث تقيس نفسها بمن حولها، وهذا يتطلب أن يتغير دور المدرسة من الإطار التقليدي إلى مدرسة في طور جديد، فلقد تغير دور مدرسة اليوم ووظيفتها بصورة دينامكية عن دور مدرسة الأمس، فمدرسة اليوم مسؤولة عن تعليم وتربية طلاب لديهم إحتياجات ومتطلبات جديدة ومتنوعة، طلاب يواجهون تحديات نفسية وثقافية وإجتماعية وإقتصادية متعددة تختلف عما كان موجوداً لدى طلاب الأمس، ففرضت هذه التحديات أدواراً جديدة وعلى الإدارة المدرسية مواجهتها. هنا يُطرح السؤال التربوي للمدير القائد في المدرسة، ما مدى معرفتك بالطالب وتحدياته المعاصرة والمتغيرات بحياته؟ هل التربية المعاصرة وتعليم اليوم يمس هؤلاء الطلبة ضمن تغيراتهم؟ هل مدارسنا منصفة لجميع الطلبة؟ وهل مدارسنا ملائمة وتزرع بيئة مناسبة للطلبة؟ إننا اليوم نعبر إلى مرحلة جديدة، لا بد فيها من إعادة البناء وترتيب نظرتنا للعالم من ناحية القيم والمجتمع والبنية السياسية والفنون والمؤسسات، حيث أن الجميع يسير في هذه المرحلة نحو التغيير والتحول الإجتماعي المستمر، والعمل على التفكير في الإختراعات والإبتكارات من أجل خدمة المجتمع وتحويل الرسالة التربوية إلى واقع يلمس إحتياجات السوق المعاصرة، ورأينا كيف تطور التعليم من فردي الى محلي ثم إنتقل الى وطني وعالمي لتحقيق رؤية الإحتياجات العالمية والسوق العالمي فضلاً عن نوعية التعليم والدعوة الى الإصلاح التربوي الشامل على المستوى العالمي، في إطار ذلك إننا اليوم أمام تحديات مدرسية وتربوية داخل وخارج الأسوار المدرسية تحديداً. في إطار ذلك ينبغي عليك أيها المدير القائد، لكي تدير المدرسة أن تدرك بأن دور القيادة المدرسية أصبح عالمياً وفي تطور مستمر ضمن معايير وشروط عالمية ودولية، بالإضافة الى التركيز على معايير وأسس وأنظمة الإدارة التربوية المحلية، وإدراك القوانين والسياسات التربوية، فضلاً عن وضع رؤى وإستراتجيات معاصرة لمدرستك والإنفتاح والمشاركة مع الآخرين في البحث والتطور التربوي وعدم الجمود في العمل، من خلال تأهيل وتطوير نفسك ذاتياً، وعليك توخي العدل بين المعلمين وألاّ تفضل بعضهم على بعض، وكذلك أن تلتزم العدل بين الطلاب، وأن تكون أقوالك وتوجيهاتك مطابقة لعملك بصفتك مثالاً للعمل بين منسوبي المدرسة، وأن تلازم الجد والإجتهاد والمواظبة على العمل والإستفادة من كل دقيقة تقضيها في المدرسة، بما يعود بالمصلحة والفائدة على المعلمين والطلاب، والعمل ضمن فلسفة المؤسسة وليس حسب رغبتك وطموحك، ولا تنسى التأثيرات المحيطة بك: داخل وخارج الغرفة الصفية والمدرسة، فكن إبناً للوطن وإنقله إلى العالم بإنفتاحك وعلمك وتطورك، وبالتالي أن القيادة التربوية المعاصرة بحاجة إلى إعادة بناء مستمرة، وتطوير تربية مستدامة محلياً وعالمياً من خلال المثابرة والإبتكار المتجدد. وبالتالي نحن نريد مديراً ملماً بالتغيرات الحادثة، مدركا لعمله، يقرأ الواقع ويستقرىء منه المستقبل، ويعمل على التطوير الهادف والمخطط له، منطلقاً من ثوابت عقيدتنا وقيمنا الإسلامية. وفي الختام أُهيب بإخواني المعلمين أن يبذلوا قصارى جهدهم، بكلِ همة ونشاط متناسين ما يمر بهم من ظروف خارج المدرسة، فالعملية التعليمية تحتاج إلى تركيز وإهتمامٍ وحسن تعامل وترو، وقبل ذلك الإلمام بالمادة، والتسلح بالثقافة العامة، ومراعاة المعلمين والمتعلمين وحسن التعامل معهم، وهنا أعيد وأذكر بأن الوطن غني بأبنائه المؤهلين والمخلصين والقادرين على تجنيب هذا الوطن الكوارث والمنعطفات الخطرة وهذا وطننا ولسنا بحاجة إلى من يزايد أو يجعل أبناءنا وبناتنا وقوداً لأخطائه. 
*صحفي وكاتب أكاديمي في العلوم السياسية 
Khaym1979@yahoo.com