2024-04-19 01:39 ص

قايضوا دمشق بكييف ، فهددهم بإجتياحها

2014-09-19
بقلم: سيمر الفزاع
أهي عودة الجيش الأمريكي "للقبض" على العراق مجدداً؟ أم هو حلف الحرب على سورية؟ أم أن واشنطن جادة في محاربة داعش والقضاء عليها؟ أم هي طريقة واشنطن لتكون أول الواصلين إلى تسوية، تكون أدواتها وحلفائها آخر من يعلم بها؟ ... أسئلة كثيرة، والإجابة الواقعية تحمل في طياتها شيء من ذلك كلّه. نحن نتحدث عن إمبراطورية ضخمة، خاضت عشرات الحروب حول العالم لتصل إلى "مصالحها"، ولتحافظ على أمن وسلامة هذه المصالح. وفي كل مرة تعرضت لإنتكاسة تصيب هذه المصالح بالضرر، كانت تجد إسلوب جديد لتبقى "ممسكة" بها. لذلك، إن واشنطن تبقى محكومة دائماً بسلسلة لا تنتهي من الصراعات تأخذ شكل ملوية سامراء، المزيد من الحاجات والمزيد من الصراعات؛ فمصالحها تمتد أكثر مما ينبغي، وتستهلك أكثر مما تحتاج، وتنظر بريبة وشكّ تجاه أقرب حلفائها، وتندفع بأقصى قوة نحو المستقبل حتى لا تكون مضطرة لمعالجة مشاكل الأمس واليوم، يلاحظ كلّ من ناقش مسؤول أمريكي حول قضية الصراع العربي الصهيوني هذ الظاهرة. إن النشأة "الملتبسة" لأمريكا لا تسمح لها بالتوقف عن "التوسع"، وإعادة إنتاج هذا التوسع نحو المزيد من السيطرة. إن "أمة" أقامها قاطني السجون في إنجلترا وإسبانيا وفرنسا والبرتغال وايطاليا... على ركام أمم، وعشرات الملايين من جثث السكان الأصليين، والعبيد، والإستخدام المفرط للقوة والقتل، والإستخفاف المتصاعد بكل القيم البشرية، والإرتهان المتزايد لمخططات وطموحات مجموعات صغيرة جداً من البشر تدير شركات هائلة القوة والإنتشار للنفط والغاز والسلاح والتكنولوجيا والدواء... ستصل حتماً إلى لحظة الإنفجار الداخلي والإنشطار الذاتي، عند أول تهتك للمُلاط (المونة) الذي يحافظ على هذا البناء "الإمبراطوري" متماسكاً. وظهور علامات تفكك لحلف أقامته بالدم والنار والقهر وإنتهاز الفرص –النيتو- بعد إكتشافهم مرة تلو المرة، أن واشنطن من الجشع والإستهلاكية والنرجسية بحيث لا تترك لحلفائها حتى الفتات، خير مثال على هذه الشخصية الفريدة، والأمثلة أكثر من أن تحصى. * ماذا يريد أوباما من حلفه ضد داعش ؟ قلت سابقاً، بأن داعش ساهمت بأنجاز عدت أهداف مهمة لواشنطن: كخلق إقليم كردي تحت وصاية واشنطن وتل أبيب. محاولة تقسيم العراق بقوة الأمر الواقع، ما جرأ نائب الرئيس الأمريكي بايدن لإطلاق دعوته لـ"قوننة" هذا التقسيم. تهديد مستمر للعاصمة بغداد. صناعة جيب جغرافي يمنع التواصل البري بين حلف المقاومة من طهران إلى غزة. إيجاد ساحة خلفية – طالما إفتقدتها – لداعش في حربها على سورية، وتخليص حلفاء واشنطن من تحمّل تبعات مثل هذه القاعدة الخلفية الكبيرة والواضحة والنشطة. تأكيد مقولة أن الجيوش العربية غير قادرة على الإنتصار إلا بمساعدة واشنطن في ذهن المواطن العربي العادي والقائد العسكري والمسؤول السياسي، وإحياء مقولة أنور السادات بأن 99% من أوراق الحلّ بيد واشنطن خصوصاً بعد إنتصار تموز 2006 في لبنان ومعجزة غزة في 2014. بثّ حالة من الرعب وفقدان الثقة في كلّ مؤسسات الوطن، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية التي تعتبر حتى اللحظة العامود الفقري في ثبات وصمود الأقطار العربية المُستهدفة بآفة الربيع العربي. نشر حالة يأس عام من التغلب على مشاريع واشنطن وحلفائها وأدواتها، وأحدثها داعش، وتهيئة المواطن العربي لتقبل مشاريع الهزيمة وتبريرها، بالواقعية، وفداحة الخسائر، ووحشية العدو وإجرامه... لكن سأضيف هدف آخر هذه المرة، كان السبب وراء ظهوره، وهو، الرغبة الصهيوأمريكية في إطالة أمد الحرب على سورية والعراق بحجة محاربة الإرهاب، لشراء الوقت بإنتظار مستجدات قد تغير صورة المشهد المأساوي الذي بدت تلوح تباشيره في أفق واشنطن والكيان الصهيوني وممالك الخليج وتركيا. من يسترجع الوضع الميداني والسياسي لسورية والعراق قبل غزوة داعش، سيكون متأكداً بأن هذا أحد أهم الأسباب وراء تلك الغزوة. حالة الإرتباك الأمريكي البنيوي الذي تعاني منه واشنطن، إنعكس عجزاً وخوفاً وتهوراً على حلفائها في مؤتمر جده، وتصاعدت حدّة الصراعات الحقيقية والعميقة بينهم. لماذا سيتم تدريب ألاف السوريين في مملكة آل سعود وليس في الأردن كما حدث سابقاً؟ أهو جيش سورية الجديد أم جيش متعب بن عبد الله ملك آل سعود المنتظر؟ ألم تمتنع تركيا عن توقيع إعلان جده؟ ألم ترفض تركيا الإلتحاق علنا بحلف يحارب داعش؟ هل هي المحافظة على ضمانتها الوحيدة للحصول على بوليصة تأمين بقاء العدالة والتنمية في الحكم والشراكة في رسم مناطق النفوذ للمنطقة، أم هو الخوف من تفجر حرب الإرهاب على الأراضي التركية؟ ألم يأتِ هولاند إلى بغداد زاحفاً على يديه وقدميه ليحصل على شيء من عقود النفط والسلاح التي كان لفرنسا نصيب كبير منها أيام صدام حسين، خصوصاً بعد تعطيل واشنطن لصفقات تسليح فرنسية لمملكة آل سعود والجيش اللبناني بمليارات الدولارات؟ هل هو حليف لواشنطن أم منافس؟ ألم تُصدم لندن من رغبة واشنطن الجامحة للإستحواذ على كلّ شيء في جزيرة العرب وبغداد، فقررت الإلتفات إلى معركة وحدة المملكة المهددة؟ لماذا قال أوباما إن محاربة داعش ستحتاج لثلاث سنوات؟ ... أسئلة وقضايا كبرى سيكون الزمن كفيلاً بالإجابة عنها، لذلك قلت إنه حلف "شراء الوقت". * كيف خدع السوريون واشنطن؟ كان من المنتظر من الجيش السوري أن يندفع، خوفاً من الضربات الجوية الامريكية نحو الشرق والشمال الشرقي من سورية لمحاربة داعش هناك، منعاً للقصف الامريكي وإستباقاً لتدفق مقاتلي داعش من العراق الى سورية. لكن الذي حصل كان على العكس تماما من ذلك، تحركت قوات الجيش العربي السوري نحو قلب سورية لتطهر ريف حماة وصولا لارياف ادلب، وامتدادا حتى حلب على الطريق m-5 الذي أشرت لأهميته الإستراتيجية الكبرى في مقال "ماذا يعني تطهير الطريق m-5" بتاريخ 11/3/2013 ( خريطة توضح الطريق وحجم تركز المجموعات الإرهابية الهائل على مساره ما يوضح أهداف الحرب على سورية وتطور مجرياتها: http://www.worldmapfinder.com/GoogleMaps/Ar_Asia_Syria_Aleppo.html#.UT3dnFjHl40.facebook) وتصعيد عمله في محيط دمشق، والقلمون، وأتوستراد درعا دمشق، وانهائه الإستعدادات العسكرية والميدانية لتطهير ما تبقى من حمص –حي الوعر- وريف حمص، وبشكل اساسي الرستن وتلبيسه، والتقدم سريعاً في ريف حماه ... ما اجبر واشنطن وحلفائها على سحب مجموعات كبيرة من المقاتلين من احياء حلب القديمة وارياف حماه وادلب ... لمحاولة ملء الفراغ الذي سيتسبب به "الإختفاء" النسبي لداعش، حيث شرعت بإخلاء عدد كبير من مقراتها ومعسكرات تدريبها، وتلاشت الحشود الكبيرة لإرهابييها، وتخلت عن الآليات الثقيلة التي جعلت منها هدفاً سهلاً ... ما حقق لسورية جملة اهداف كبرى دفعة واحدة : 1- أجبرت تركيا على الوقوف أما خيارات صعبة، إما مقاتلة داعش، وقطع خطوط إمدادها، أو الإصطدام مع قرارات الشرعية الدولية و"مصالح" واشنطن في تقييد حركة داعش وتجفيف مواردها. 2- سحب مجموعات كبيرة من الإرهابيين من احياء حلب القديمة وارياف حماه وادلب الى المنطقة الشمالية والشرقية، وتكشف هشاشة "الفصائل المعارضة المعتدله" وإنحسار "الجيش الحر" حدّ التلاشي. 3- إنهيار بقية الجماعات المسلحة هناك دراماتيكيا، وتزايد فرص "المصالحات" تحت وطأة تقدم ماكينة الجيش العربي السوري بشكل كبير جدا، كما حصل في اللطامنه وطيبة الامام وتباشيره في حلب. 4- اصبحت السيطرة على طريق دمشق–حلب الدولي، ممكنة جدا و"سهلة" المنال، ما سيوفر طرق الإمداد والحشد العسكري لمعركة شمال وشرق سورية. 5- تزايد إمكانيات تفريغ قطاعات كبيره من الجيش العربي السوري للاطباق على اهداف تتناسب مع هدف تطهير كامل المنطقة الوسطى والتوجه الى حلب 6- تجميع معظم قوة الجماعات الارهابية المسلحة في منطقة الجزيرة لتكون بين فكي كماشة الجيش العربي السوري في القامشلي ودير الزور والحسكه من جهة وحلب من جهة أخرى. 7- اصابة قوة داعش بخلل بنيوي كبير بسبب التهديد "الدولي" بضربها، وبفعل الضربات القاصمة التي وجهها الجيش العربي السوري لها في الرقة وريفها، وفي منطقة الشدادي، وفي دير الزور وريفها وحول مطارها العسكري، وحقول النفط، والمقرات المنتشرة على طول الجبهة. حاولت واشنطن العودة إلى العراق عبر داعش، فأنتفض العراقيون وأستعادوا زمام المبادرة، وصار تطهير الموصل هدفاً قريب المنال... فأضطرت أن تشارك في نصرهم عبر غارة هي الأولى منذ غزوة داعش، خارج نطاق "مصالحها" في كردستان العراق. ورفض من قاومها بالأمس – كتصريح زعيم عصائب أهل الحق التي نفذت أكثر من 6000 عملية ضد الإحتلال الأمريكي- أي وجود لها على الأرض، بعد أن لمحّ له رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي، عندما قال: قد تضطر القوات للقيام بدور بري أكبر في العراق، "كمصاحبة" قوات أميركية لقوات عراقية أثناء هجوم معقد مثل معركة لاستعادة مدينة الموصل من داعش. فأضطر أوباما أن يوضح في الأربعاء 17 أيلول:"جيشنا لن تكون له مهام قتالية في العراق ضد "داعش" ولن تكون هناك حرب برية". حاولوا أن يرهبوا سورية بجعجعة حلف من الخائبين، فردت دمشق على التهويل بتهديد، كل طائرة تخترق أجوائنا دون تنسيق مع الحكومة السورية، يعتبر عدوان على السيادة يستوجب الردّ. أمتنعت لندن عن المشاركه، وأكتفت باريس بما تطلبه منها الحكومة العراقية. وأما روسيا، التي أرسلت لبغداد طائرات السوخوي حتى قبل تزيل "النجمة الحمراء" عنها، فقد أكدت إستمرار دعمها لدمشق وبغداد في حربها ضد الإرهاب، فإذا كان هذا هو حالها مع بغداد، فكيف سيكون حالها مع دمشق؟ حتماً، لن يتوقف الأمر عند منظومات s-300 والقنابل المنطادية. وللتدليل فقط، على "أحدث" تجليات العقل الروسي وإراداته وحجم القوة التي هو مستعد على ممارستها في الميدان، ورفضه القاطع لمقايضة دمشق بكييف، حتى وإن كانت تقف على أبواب روسيا، قالت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية في عددها الصادر اليوم (الخميس18 أيلول 2014) إن مكتب خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل لديه ملخص مكالمة جرت بين بوروشينكو ورئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو خلال زيارة الأخير في كييف الجمعة الماضية أخبر فيها بوروشينكو رئيس المفوضية الأوروبية بأمر تهديدات بوتين. وحسب هذا الملخص فإن بوتين قال لبوروشينكو حرفيا "باستطاعة القوات الروسية ليس فقط دخول كييف بل أيضا، ريغا وفيلنيوس وتالين أو بوخارست، إذا أردت ذلك. وقال بوتين لمانويل باروسو نفسه في مكالمة هاتفية "إذا أردت فباستطاعتي الاستيلاء على كييف خلال يومين". وأخبر باروسو رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي بشأن هذه المكالمة خلال قمة الاتحاد التي عقدت أواخر آب الماضي. و"انتقد" الكرملين باروسو لأنه أشاع أمر هذه المكالمة الخاصة بينه وبين بوتين؛ وكأن بوتين عندما قالها لرئيس المفوضية الأوروبية كان متأكداً أن خبر هذا التهديد لن يصل إلى حيث يجب أن يصل!!!.

الملفات