2024-04-18 03:57 م

فشل مخطط أوباما في اللعب على أرض الشهداء

2014-09-28
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي*
كرر الرئيس الأمريكي باراك أوباما ما فعله أسلافه من صناعة الإرهاب، ثم محاربته، وجر العالم إلى حرب كونية تحت شعار " التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب"، ولكن المغزى والهدف الأساسي منه هو تدمير دول أخرى والسيطرة عليها، كما دمر العراق بعد حرب مفتوحة بحجة مطاردة تنظيم القاعدة، ثم إستبدلت أمريكا سياسة الحرب الميدانية بالحرب عن بعد، وراهنت على "الإخوان المسلمين" لتفتيت الجيش المصري، والقضاء على النظام السوري وحين فشلت وخسر أوباما الرهان جاء بحجة "داعش" ليعلن من خلاله أن أمريكا لا تزال شرطي المنطقة. تيقن الغرب أن الفشل في سورية هو سيد الموقف وانه إن لم يتم تدارك الأمر فان أحلامه بالسيطرة على منطقتنا ومستقبل دولته المصطنعة على ارض فلسطين في خطر ، وأن الجهد الذي بُذل طوال السنوات الماضية سيذهب إدراج الرياح وسيتغير وجه المنطقة ومسار الصراع، فكان لا بد من استثمار الإرهاب من جديد، فرهان واشنطن على الجماعات الإسلامية المتطرفة لإسقاط الأنظمة، خلق تنظيم داعش، ومساحة تعاطف الإخوان المسلمين مع المتطرفين فتح الباب واسعاُ لجحافل الإرهابيين عبر تركيا للمشاركة في جيش الدولة الإسلامية، وراهنوا على إسقاط دمشق وتفتيت سورية لدويلات متنافرة ونشر الفوضى الخلاقة، ومنع محور المقاومة من الدخول في مرحلة هزيمة المشروع الغربي، وتوجيه ضربات إليه إن أمكن، كما أرادوا لشعبَي سورية والعراق عدم الوقوف مجدداً، وتدمير كل ما بقي لديهما من مؤسسات وبنى تحتية وإقتصاد ومظاهر دولة وتهجير ملايين جدد من أبناء العراق وسورية وتشريدهم وتحويلهم الى متسولين، وبالتالي تحقيق مشروعهم الكبير. أوباما اليوم يحصد نتائج سياسته الفاشلة المنكسرة في تضاريس الجغرافيا في دمشق، ويحاول دخول المعركة بقوة ضد داعش للملمة الكارثة التي سقط فيها في العراق وسورية دون أن يحيد عن حلم إسقاط النظام السوري وإستباحة دمشق وإقامة دول الطوائف، بإصرار جنوني على مشروع لا يبدو أن واشنطن تملك بدائل أخرى لإنقاذ إسرائيل وإطالة حياة مشروعها المتعثر والفاقد لقدرة الإستمرار، فأمريكا لا تعترف بالقانون الدولي ولا بمجلس الأمن حين تتخذ قرار الحرب، وهى- كما أعتقد- حرب لرد الإعتبار لـ"أوباما" بعد سقوط الإخوان، فإدارة أوباما تسارع الآن بالإجراءات القانونية لتدريب وتجهيز مسلحين سوريين لمحاربة تنظيم "داعش" على الأرض بدلاً من قوات المارينز الأمريكية تحت غطاء جوى أمريكي كبير. في الأمس القريب إنتظر الإعلاميين الغربيين هجوماً أميركياً بطولياً لإسقاط النظام السوري وإحكام القبضة عليه "كما العراقي والليبي قبله" فجاءت الضربة مفاجئة وضد... أقوى أعداء الأسد! واليوم الصحافيون ليسوا مسرورين بل قلقون من فشل الخطة الأمريكية وإستفادة الأسد على المدى القريب من تلك الحملة الجوية الأميركية لمهاجمة داعش، ومن هنا فإن حرب أوباما الجديدة لن تخرج عن حروب أمريكا التي تبدأ ولا تعرف نهاياتها أو يتحقق فيها نصر، وإستمرار هذه الحروب يبدو هدفاً في حد ذاته، فمنذ حرب أفغانستان تقاتل واشنطن في عدة جبهات دون أن تحقق النصر، فحروب أوباما ضد داعش لن تدمر التنظيم الإرهابي وتقضي عليه، بل ستمهد لخلق أمر واقع جديد يهدد بتحويل الحرب في مرحلة قادمة لإسقاط النظام السوري مع الإصرار على دعم ما يسمى المعارضة السورية المعتدلة وتسليحها وتدريبها، ومن هذا المنطلق كانت رغبة بعض الفرقاء الإقليميين أو مصلحتهم الكبرى تتجسّد بحدوث أزمة وتصادم بين أميركا وسورية، كرغبة الأتراك ومعظم الدول الخليجية، وإذ بسورية تنجح بفرض إحترام سيادتها وبإحتواء الأزمة، بعد الحفاظ على هيبة الدولة السورية، في إطار ذلك إن أجندة أوباما الخارجية تريد تحسين العلاقات مع إيران، كما تريد الإنسحاب من أفغانستان مع حفظ التأثير الأميركي في هذا البلد والتحكّم بمساره السياسي، حتى لو اقتضى ذلك مستقبلاً صفقة مع حركة طالبان، وتريد حلاً سياسياً الآن للأزمة السورية، بعدما فشلت المراهنات على تغيير الحكم في دمشق من خلال التنظيمات المسلحة الذين جاءت من كل حد وصوب، وحيث لا يمكن من دون البدء بحلٍّ سياسي للأزمة السورية تحقيق الإستقرار في لبنان، ولا أيضاً توفّر المناخ السياسي والأمني المرجو أميركياً للعراق، أو لتحقيق التقدّم في المفاوضات مع إيران. ببساطة، فشلت كل حروب أميركا والغرب ودول الخليج لإستعادة ما خسروه في العراق، وفشلت كل محاولات التعويض من خلال الفوز بسورية، وها هم يخشون المزيد بعد ما حصل في اليمن أخيراً، وزادت خشيتهم بعدما نجحت المقاومة في قطاع غزة في هزيمة أقوى جيوشهم، لذا لم يعد في مقدورهم سوى طلب العون مباشرة من الغرب نفسه، وها هي أميركا تعود لتورّط نفسها في بلادنا، متجاهلة دروس العقد الماضي، لكنها مضطرة إلى لعب هذا الدور، لضرب أي تهديد لها أو لحلفائها، وتدمير كل عناصر قوتنا، ومن ثم سرقة مواردنا.وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن كل يوم يمر تتأكد نوايا أميركا بأنها لا تريد إنهاء تنظيم "داعش"، وأنها تلعب على أوتار تختارها هي فتعزل دولاً وتقدم الى الواجهة دولاً أخرى وأدواراً حسب معاركها السياسية الدولية ومقايضاتها، وأتمنى أن تكون هذه الحرب الجديدة على الإرهاب مقدّمة لتصحيح مسارات خاطئة في السياسة الأميركية، وعسى أيضاً أن تستفيد شعوب المنطقة من هذه الفرصة لإعادة وحدة نسيجها الوطني لتحقيق الأمن والإستقرار في المنطقة.
*صحفي وكاتب أكاديمي في العلوم السياسية 
Khaym1979@yahoo.com .