2024-04-20 03:11 ص

السؤال أمام «التحالف»: من أين سيأتي بـ«قوات على الأرض»؟

2014-10-02
وسيم ابراهيم
حين يوضع أصحاب الخطط على المحكّ، يقال لهم إن أفكارهم تحتاج إلى قدمين على الأرض. هذا الأمر ينطبق على العقول التي تدير عمليات «التحالف الدولي» في سوريا، خصوصاً وهم يسمعون أنه لا يمكن هزيمة «داعش»، أي تحقيق هدف «التحالف»، من دون «قوات على الأرض».
واشنطن وشركاؤها يرددون أن ما بين أيديهم لم يعد خططاً، بل إستراتيجية شاملة بدأت تعمل. مع ذلك، لم تظهر حتى الآن «الأقدام» التي ستسير عليها هذه الإستراتيجية: إلى متى يمكن الاستمرار في القصف من الجو؟
لم يُعرف من أين سيجلب «التحالف» «قوات على الأرض» لتحقق أهداف الضربات في سوريا. قال مسؤولون أميركيون إن واشنطن لن ترسل قوات، تاركين المجال مفتوحاً لخيارات محدودة. هناك الدول العربية المشاركة في «التحالف»، إلى جانب تركيا التي تتأهب للانضمام إليهم، إضافة إلى خيار ثالث يحتاج تسويات كبرى.
وفق سيرها الحالي، تبدو عمليات «التحالف» فوق سوريا مجرد مناوشات مع «داعش».
من بين من أكدوا على هذه القضية أندرس فوغ راسموسن، الذي صار، منذ الأمس، الأمين العام السابق لـ«حلف شمال الأطلسي»، بعدما استلم المنصب خلفه يانس ستولتنبرغ.
راسموسن المعروف بدقته وبشدة تحفظه، كان لا يزال على رأس مسؤولياته حينما تحدث عن ذلك من نيويورك بعد بدء ضربات «التحالف» في سوريا. قال خلال مقابلة تلفزيونية، متجنباً المواربة :«لا أعتقد هذا (هدف التحالف) يمكن إنجازه عبر الحملة الجوية وحدها».
حينما سألته مذيعة قناة «سي إن بي سي» الأميركية من أين ستأتي «القوات على الأرض»، في ظل تشديد واشنطن على أنها لن ترسلها، قدم إجابة لافتة: «أعتقد أنه سيكون من الأفضل أن دولاً من المنطقة، هي التي تقدم القوات لتعمل على الأرض». وعما إذا كانت هذه الدول قادرة على ذلك، أجاب: «أعتقد أنه يمكنهم ذلك، حينما يحصل بدعم من عمليات الولايات المتحدة والحلفاء الآخرين».
أهمية كلام راسموسن تأتي أيضاً لكون آرائه تشكل انعكاساً للمعطيات لاجتماعاته بكبار المسؤولين السياسيين والعسكريين الأميركيين. في تعليقها على ما قاله، اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت أن القوات على الأرض يمكنها أن تكون «مزيجاً» من قوات المعارضة «المعتدلة» التي سيجري تأهيلها، وأيضاً قوات من الدول الإقليمية. قالت إن «الشركاء الإقليميين هم من عليهم أن يفعلوا ذلك».
القول إن تأهيل قوات للمعارضة سيسد «النقص» في الإستراتيجية، سيعني القبول بأنها ستكون إستراتيجية عرجاء على أفضل تقدير. المعلن أن حجم القوات التي سيجري تدريبها يتراوح بين 12 و15 ألفاً. أول دفعة منهم (خمسة آلاف مقاتل) ستكون جاهزة فقط خلال العام الأول من العمليات.
وبرغم قلة هذه القوات وتأخّر تحضيرها، يشير كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين إلى أنها أسس غير كافية. اللفتانت جنرال وليام مايفيل، مدير العمليات في «البنتاغون»، رد على أسئلة بهذا الخصوص يوم بدء غارات «التحالف» في سوريا.
قال إن «مخطط التدريب والتجهيز للمقاتلين السوريين سيكون برنامجاً متعدد السنوات، إنه مكون ضروري من الإستراتيجية العامة»، قبل أن يصيف أنه «ليس كافياً» ليغطي النقص. لكن الجنرال لم يتحدث عن العناصر الأخرى في الإستراتيجة التي تجعلها «كافية»، لجهة القوات البرية المساندة.
في هذا السياق، تماماً، تصبّ التصريحات اللافتة التي أطلقها رئيس مجلس النواب الأميركي جون بوينر. فخلال مقابلة مع قناة «إي بي سي» الأميركية قبل أيام، قال إنه «إذا كان الهدف تدمير داعش، والرئيس (باراك أوباما) يقول إنه كذلك، فلا أعتقد أن الإستراتيجية التي أوجزها تحقق ذلك». هذا الحكم يأتي برغم أن الرئيس الأميركي كرر قصة «تدريب المعارضة»، وهو ما يبدو أن بوينر نفسه يعتبره «غير كاف».
بناء على ذلك، يوضح بوينر سبب حكمه: «في نهاية المطاف، ستتطلب هزيمتهم أكثر من الضربات الجوية، في مرحلة ما على قوات أحدهم أن تكون على الأرض». سئل عن الحل إذا لم يقبل أحد بإرسال قواته، فرد مشيرا إلى احتمال إرسال قوات أميركية: «لن يكون أمامنا خيار، فهؤلاء برابرة، إنهم يعتزمون قتلنا. إذا لم ندمرهم أولاً سندفع الثمن».
في خلفية هذه القضية بات واضحاً وجود انقسام في «التحالف الدولي». صار هناك تحالفان دوليان، وليس تحالفاً واحداً. هناك تحالف في العراق، وهو يضم الدول الأوروبية، لكن هناك آخر في سوريا أعلن الأوروبيون أنهم لن يشاركوا في عملياته.
أهمية هذه المقاربة يشير إليها سياسي أوروبي منخرط في النقاشات. خلال حديث إلى «السفير»، يلفت إلى عدم اتفاق الأوروبيين مع الإستراتيجية التي تقود العمليات فوق سوريا. يوضح أنه في العراق هناك قوات واضحة لإنجاز هدف العمليات، لكن في سوريا المسألة تبقى «حلولاً غامضة وغير مضمونة».
يقول السياسي الأوروبي إن مشاركة قوات عربية بالتعاون مع تركيا مسألة «لا يمكن استبعادها»، لكنه يلفت إلى أن «مخاطر كثيرة تحيط بذلك». المخاطر تتلخص بموقف إيران وروسيا، وعدم إمكانية إرسال قوات عبر مجلس الأمن مع «الفيتو» الروسي.
يلفت هذا السياسي إلى ضرورة عدم إغفال تطورات الملف النووي الإيراني. مفاوضات هذا الملف أمام فترة حاسمة، مع اقتراب الموعد الأخير لإنجاز اتفاق شامل في أواخر تشرين الثاني المقبل. عمليات «التحالف» في سوريا تستخدم برأيه أيضاً «للضغط على إيران من أجل دفع الانتقال السياسي في سوريا، وتقديم تنازلات كما فعلت حينما سهلت تشكيل حكومة جديدة»، قبل أن يضيف أن «هذا احتمال قائم أيضاً لأنه حينها لا مشكلة في أن تكون القوات التي تواكب ضربات التحالف هي من الجيش السوري وقوات المعارضة».
مسؤول ديبلوماسي رفيع المستوى، يتابع نقاشات الأوروبيين، قال متحدثاً إلى «السفير» إن قوات «التحالف» تسير الآن في «إستراتيجية مفتوحة ومتدحرجة». اعتبر أن مسألة الدفع بقوات على الأرض تشكل «مرحلة ثانية يجري تحضيرها» ضمن الإستراتيجية. إرسال قوات عربية يرى أنها «قضية ليست سهلة ولها شروط عديدة إذا أراد التحالف أن تمر عبر الأمم المتحدة». يرى هو أيضاً وجود عوامل مؤثرة في ذلك، على رأسها كما يقول «مفاوضات الملف النووي الإيراني».
مشاركة تركيا بقوات برية مسألة باتت واردة، وسبق للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإعلان أن العمليات الجوية «لن تكون كافية»، لافتاً إلى ضرورة وجود قوات برية. كان يتحدث عن ذلك في سياق استعراضه للدور التركي الممكن، ولم يخف أن إسقاط النظام السوري ما زال على قائمة أولوياته.
المسألة صارت أوضح مع الطلب من البرلمان تفويض الجيش بعلميات ضد «داعش» في سوريا والعراق، وأيضاً السماح لقوات أجنبية باستخدام الأراضي التركية لحرب «داعش».
حقيقة وجود تحالفين، والخلاف مع الأوروبيين، يمكن رؤية مؤشراته في الموقف القطري أيضا. في مقابلة مع «نيويورك تايمز»، نشرت الجمعة، قال أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني «نحتاج إلى إنشاء جيش لقتال الارهابيين، لكن علينا أيضا قتال النظام»، معتبرا أنه «علينا القيام بالأمرين معا».
محللون عسكريون أميركيون تحدثوا فعلاً عن أن الدول العربية في «التحالف» تأمل أن تتحول وجهة العملية العسكرية، في مرحلة ما، لتستهدف نظام الرئيس السوري بشار الأسد. بغض النظر عن هذه الحسابات، يبدو مستبعداً تماماً أن تشارك دول الخليج في القصف كي تتفرج على النظام السوري وهو يقطف ثماره، سواء السياسية منها أو العسكرية.
في مقابلته مع قناة «سي إن إن»، قال أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني :«كنا جزءاً من تحالف ساعد على تحرير الشعب الليبي، إذاً سنكون جزءاً منه (التحالف ضد دمشق)، لأننا نؤمن بأن ما سبب كل هذه الفوضى هو النظام السوري».
وسط كل ذلك يواصل الاميركيون الحديث عن امتلاكهم «إستراتيجية» للتحالف في سوريا، لكنهم يتجنبون الافصاح عن المكونات التي تجعلها فعّالة وكافية. لاتزال الأحجية الأبرز هي: ما هي القوات التي ستوجد على الأرض. في هذا السياق، تبدو فكرة ارسال قوات عربية إلى سوريا خارجة عن المنطق فعلا. لكن فكرة مشاركة طائرات عربية في الضربات الجوية، بدورها، لم تكن لتبدو منطقية أبداً لو طرحت قبل شهر من الآن.
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية