2024-04-26 12:15 ص

الحرب المقبلة ستكون داخل تركيا...فمتى تبدأ ساعة الصفر؟

2014-10-09
كتب الدكتور خيام محمد الزعبي*
ما زالت حرب أمريكا وحلفاؤها على التنظيم الإرهابي تتراوح مكانها بسبب تردد الدول العربية والإسلامية، وهذا التردد ينبع من حقيقة أن بعض هذه الدول متورط حتى النخاع في صناعة المسخ الداعشي الذي يهدد أمنها الآن، وكان تقدم تنظيم الدولة الإسلامية قد وضع أنقرة في الخط الأول للصراع في سورية، فقد حصل جيشها الأسبوع الماضي على موافقة البرلمان للتدخل في سورية والعراق، وأتساءل هنا عن دور تركيا التي تمتلك ثاني أكبر جيش في قوات الناتو في الأحداث التي تشهدها عين العرب "كوباني"، والتي يمكن رؤية علم تنظيم الدولة الإسلامية يرفرف على مرتفعاتها من داخل الحدود التركية. إذا ما نظرنا لخارطة الشرق الأوسط، نجد أن معظم متطوعي داعش من غير العراقيين أو السوريين، ليس بإمكانهم الوصول عن طريق الدول المحيطة بالتنظيم، فقد أغلقت كل من الأردن وإسرائيل حدودهما، والنظام السوري وحزب الله يقاتلهم من الغرب، والنظام العراقي يقاتلهم من الشرق، والجيش السعودي على أهبة الإستعداد بالقرب من الحدود، أي أن الإختراق الرئيسي يتم عبر تركيا من الشمال، حيث تسمح تركيا لآلاف المتطوعين الجهاديين من كل أرجاء العالم بالمرور عبر حدودها إلى "الخلافة الإسلامية" المزعومة، ومن الواضح إن الرئيس أردوغان لا يمانع أن تدخل قوات الدولة الإسلامية الى عين العرب، وفي أفضل الأحوال أو أسوأها انه لا يريد أن يرسل قواته للتصدي لقوات الدولة التي على وشك إكمال الإستيلاء عليها، الأمر الذي قد يعرضه لمواجهات دموية مع أكراد تركيا، وينسف إتفاق السلام ووقف القتال الذي وقعه مع عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، والمظاهرات التي انطلقت في أكثر من مدينة تركية وفي عواصم عربية أخرى هي أحد المؤشرات على ذلك. كثر الكلام عن أهمية عين العرب"كوباني" الإستراتيجية والعسكرية لملاصقتها للحدود التركية وغاب عن الكثيرين أن تنظيم "الدولة الإسلامية" هو في واقع الحال مُمسك بشريط حدودي طويل مع تركيا كما على معابر أهمها معبر تل أبيض، فالسيطرة على مدينة إضافية في هذا السياق لا يقدم ولا يؤخر ميدانياً، وإن كان من أهمية عسكرية لمنطقة عين العرب فهي تكمن في التخلص من "جيب عسكري معاد" يؤدي إلى غربي مناطق حلب وشرقي مناطق الرقة الواقعتين تحت سيطرة "الدولة الإسلامية"، لكن ما يفوت البعض هو أهمية المدينة المعنوية لطرفي الصراع، فكوباني بتسميتها الكردية هي في صلب الوجدان القومي الكردي، كما كانت في أواسط القرن الماضي في صلب الصراع ما بين تركيا وأقليتها الكردية، حيث عدد من كوادر "حزب العمال الكردستاني" يتحدرون من المدينة، وهذا الحزب أو الـ"بي. كيه. كيه" له اليد الطولي في إنشاء وتدريب "وحدات الدفاع الشعبي الكردية" التي يمتد قتالها اليوم من سورية إلى العراق التي تفوقت على البشمركة من حيث الفعالية والإندفاع في قتال "الدولة الإسلامية"، وبالتالي باتت كوباني مع إستفحال الصراع في سورية وتمدده للعراق في قلب المشروع الإستقلالي الكردي، ما يجعل سقوط قرى ومناطق كوباني ومن ثم وصول المعارك للمدينة نفسها ضربة قاسية للمشروع القومي الكردي ككل، وهنا تكمن أهمية المدينة الحقيقية بالنسبة لتنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يهدف لضرب المشروع القومي الكردي كما المشروع القومي العربي على حد سواء، في إطار ذلك ثمة إعتقاد متنام بين الأكراد بأن تركيا عازمة على السماح بسقوط عين العرب، ومن شأن ذلك من وجهة نظرهم أن يفسد محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني بقيادة عبدالله جول، إن ملاحظة الأكراد أن تركيا لم تسرع في مساعدتهم في عين العرب أحدث صدمة في عقول الأكراد، وسيكون من الصعب إسترداد الثقة بين الطرفين، وإنطلاقاً من ذلك يتعهد مقاتلو الحماية الشعبية في عين العرب، بالدفاع عن المدينة في حرب شوارع، ولا يعولون على طائرات تحالف واشنطن، التي يصفون ضرباتها بأنها إستعراضية، في إطار ذلك بالرغم من قوة ودور وموقع تركيا في حركة الصراع الدائرة الآن في سورية فإنّ تركيا في موقف صعب، فالتحالف الدولي لا يستطيع التعهد لها بإسقاط الأسد كما يحلم أردوغان كجائزة ترضية له على دخوله الحرب ضد داعش، والأكراد الذين يمثلون قوة إجتماعية وعسكرية لا يستهان بها يهددون تركيا بإستعادة الحرب التي عمل أردوغان على إطفائها على مدى عشر سنوات، وداعش لن توفر تركيا من عملياتها الإنتحارية إذا ما التحقت بالتحالف الدولي وساهمت الى جانبه في ضرب داعش. الآن وعلى ضوء التطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة ولا سيما في سورية والعراق، هل توشك تركيا أن تغزو سورية تحت عناوين وسيناريوهات مواجهة داعش؟هناك سيناريو يتحدث عن غزو تركي للأراضي السورية، والغزو التركي لسورية ليس فكرة جديدة بل هو سيناريو جرى الحديث عنه منذ بداية الأزمة السورية، فالبرلمان التركي صوّت على السماح للقوات التركية بالتدخل خارج الأراضي التركية، أي إمكانية دخول قوات تركية الى الأراضي السورية تحت عنوان منع سقوط عين العرب (كوباني) ما يعني محاولة ترجمة الحلم التركي بالإستيلاء على أراضٍ سورية جديدة، وهي تحاول الآن ضرب عدة عصافير بحجر واحد منها القضاء على فرصة قيام حكم ذاتي كردي في شمال سورية، والإستيلاء على أراضٍ سورية جديدة ومحاولة التأثير في الخارطة السياسية السورية. وإنطلاقاً من ذلك يمكنني القول إن الإرتدادات المتوقعة في سورية والعراق، هي بحجم تغيير في التوازنات الجيوسياسية في المنطقة، التي تصل إلى أبعاد إقليمية ودولية، غير أن هذه الإرتدادت، قد لا تتأخر في الوصول إلى الأراضي التركية، إذا إصطدمت تركيا بداعش، في إطار مشاركتها في عمليات تحالف واشنطن، فالتقارير الرسمية، تؤكد وجود خلايا نائمة، وتعاطف بيئة حاضنة، لم تكن بعيدة عن الأجهزة الرسمية، فالإرتدادت الأكثر سخونة التي تنذر بعودة حرب العصابات في المدى المنظور، هي تهديد زعيم حزب العمال الكردستاني، بإعلان انتهاء عملية السلام مع الحكومة التركية، إذا سمحت باستيلاء داعش على عين العرب. وأخيرا أختم مقالتي بالقول أن ما تقوم به الإدارة الأمريكية التي أعلنت الحرب على داعش إستعراضياً، هو إستكمال للمخطط الإرهابي المسمى بالربيع العربي من خلال تأديب هذا التنظيم ، وهو مخطط يستهدف تدمير الدولة السورية، وتجزئتها ومن ثم الإنتقال إلى ساحات أخرى كلبنان، تحت غطاء محاربة داعش، وأن حصار عين العرب على مسمع وبصر طائرات التحالف، أكبر دليل على كذبة محاربة داعش، فهذا التنظيم هو غطاء لمخططات أمريكا وحلفائها لا أكثر، وبناءً على ذلك تبحث تركيا عن ثمن لمشاركتها أمريكا في الحرب الإستعراضية على داعش، وهذا الثمن، ربما قد حصلت عليه على هيئة حلول وتصريف لمشاكلها الداخلية في ساحات الدول الأخرى.
*صحفي وكاتب أكاديمي في العلوم السياسية 
Khaym1979@yahoo.com