2024-03-28 10:41 ص

هل شارفنا على الإنتصار ؟

2014-10-13
بقلم: سمير الفزاع
شارفنا على إتمام العام الرابع من حرب لم يعرف تاريخ البشرية لها مثيل في مسيرة أحداثه، حرب تعددت مستوياتها، وتنوعت أدواتها، وتلاحقت مراحلها... فما هي المستويات التي تجاوزنها، والأدوات التي هزمناها، والمراحل التي إنقضت وحققنا النصر فيها؛ ما إضطر أعدائنا للعمل على إنتاج غيرها؟. شرعت سورية والعالم، بالدخول إلى مرحلة إنسانية عالمية جديدة من أبرز معالمها، أفول عصر النفط واحتكار تكنولوجيا العلوم والصناعات الحديثة المتطوّرة , وبداية عصر الغاز والطاقة النوويّة والطاقات المتجدّدة النظيفة والصناعات والعلوم المرتبطة بها... تدخل سورية هذه الحقبة وهي مزودة بأغلب مقومات القوة اللازمة كي تكون قوة إقليمية كبرى، شعب متنوع آمن، وقوة عسكرية ضخمة، وكفاءات علمية مميزة، وقيادة سياسية عليمة بتحولات العالم وتبدل موازين القوى، وحلفاء كبار في الإقليم والعالم، وقضية وطنية وقومية جامعة –إستعادة الجولان وتحرير فلسطين- وموقع جغرافي حاكم لا يمكن المغامرة به في أي توازن دولي جديد، وثروات نفطية وغازية هائلة ما زالت في طور الكمون، وتاريخ طويل من مقارعة القوى والإمبراطوريات الطامحة للسيطرة على قلب العالم-المشرق العربي- وأمن غذائي شبه تام... ميزات تتوفر في بلد واحد في محيط عربي، أقل ما يمكن أن يوصف به، بأنه يفتقر إلى هذه الميزات، جميعها أو معظمها، من دويلة قطر حتى الشقيقة الكبرى مصر. قرر الغرب أن يخوض آخر حروبهِ وأكثرها قذارةً وجنوناً, للسيطرة على هذه الدولة، وسلبها تلك الميزات الممكن سلبها، كالتجانس الإجتماعي، والأمن الغذائي، والقيادة والقرار الوطني... تحت مسمى "الربيع العربي"، ولكنه لم يجرؤ الذهاب إليها مباشرة، وإلا أعتبر ذلك غزواً صريحاً، سيشارك في دحره كلّ السوريون، وحلفائهم، وسيحرج الأنظمة العربية العميلة وقد يسقط بعضها، خصوصاً، وأن مأساة إحتلال العراق ما زالت حاضرة والجندي الأمريكي ما زال يحتل عاصمة الرشيد، فهل يمكن للعرب –أنظمة ومواطنين- تحمل إحتلال عاصمة الأمويين-دمشق- إلى جانب إحتلال بغداد؟ بدأ مسلسل الربيع بعيداً عن دمشق، وتقدم نحوها رويداً رويداً، مع تسخير كلّي لكل أدوات الفتن والتمزيق والتشظي، كتاب مفتين وسائل إعلام... للتهيئة لإسقاط دمشق. في منتصف آذار 2011 كانت البداية، فما هي تلك المراحل والأدوات مجدداً: 1- خلق المنصة: عمل الغرب وأدواتهم العربية على إنشاء "محط قدم" لهم على غرار بنغازي، وعلى الرغم من أن الأحداث إنطلقت من درعا، إلا أن درعا لن تنجح في أن تكون بنغازي، لعزلتها في الجنوب بعيداً عن التجمعات السكانية، وقربها من العاصمة ما يسهل السيطرة السريعة عليها، وخلوها من الثروات النفطية والغازية، وصعوبة إمدادها بشكل دائم بالسلاح والمقاتلين بسبب تردد الأردن تارة ومحدودية قوته تارة أخرى، وإنعدام تأثيرها على تماسك جغرافية الدولة، وقربها من الكيان الصهيوني الذي سيضعف موقفها، بسبب العداء لقيادة وطنية ومحاربتها والتعفف عن محاربة العدو الصهيوني القريب، وشبهة العمل لحسابه التي تأكدت لاحقاً... فكانت درعا المنصة لخلق بنغازي. 2- بابا عمرو، ونموذج بنغازي: توافرت كل العوامل التي كانت تنقص درعا لتكون بنغازي في مدينة حمص، مساحة واسعة متصلة بالعراق والأردن، والأهم لبنان، حيث الدولة الضعيفة، والإقطاع الطائفي والأمني، والعداء المستحكم لسورية وقيادتها عند أطراف لبنانية، والموانيء القريبة اللازمة لنقل الذخائر والرجال، وموقع محافظة حمص القادر على شطر سورية إلى نصفين، والثروات النفطية والغازية إلى جانب مصفاة حمص الأكبر في سورية... تمّ التركيز هنا على الطبيعة الوطنية للجيش الحرّ، والإدعاء بأن مكوناته من جنود فروا من الجيش العربي السوري، وأبرزوا-على غير حق- تمسكهم بالقضايا الوطنية كتحرير الجولان، وعلمانية الدولة، والمحافظة على نسيج سورية المتنوع... لكن هذا النوذج سقط أخلاقيّاً ووطنيّاً بعد ثبوت إرتباطه بأجهزة أمنية غربية وعربية، وجرائمه المذهبية والطائفية التي إرتكبها، وتكشف عدائه الصريح لسورية وجيشها الوطني... وتوج سقوطه عسكريّا، بزيارة ارئيس بشار حافظ الأسد لباباعمرو في 27/3/2012. 3- القصير، وإنهيار الحقبة الإخوانية: في الخامس من حزيران 2013 أسقط الجيش العربي السوري وحزب الله في القصير والقرى المحيطة بها، النموذج الإخواني الصريح، بعد محاولة التعمية عليه في حمص. ومن يتذكر مرسي عندما دعى للجهاد في سورية في أحد الصالات الرياضية، وإغلاقه لسفارتها في القاهرة، وثورة أردوغان، يدرك أن تطهير الجيش العربي السوري وحزب الله للقصير، لم يكن هزيمة للمجموعات الإرهابية المسلحة في سورية فقط؛ بل كان إسقاطاً للمشروع الإخواني في المشرق العربي قاطبة، فبعد أشهر قليلة سقط نظام الإخوان في مصر، وسجن مرسي، وتداعى الممول والراعي العربي، قطر، ورحل الحمدان. 4- دوما، السعودية جارة لقصر الشعب: منذ تطهير القصير، أصبح الإرهاب السعودي، الأصرح والأقوى والأعلى صوتاً في سورية، وخصوصاً في غوطة دمشق، عبر سيطرة الجبهة الإسلامية- وفصائلها- على كامل غوطة دمشق-تقريباً- حتى كان الوصف، إن السعودية جار لقصر الشعب في دمشق، دقيقاً إلى حدّ بعيد. بعد السيطرة على منطقة القلمون ومعظم جرودها، وقطع طرق الإمداد من هناك إلى الغوطة، جاء دور الغوطة في "التطهير". كانت العتيبة، نقطة الإنطلاق الإستراتيجية التي قطعت خطوط الإمداد من حوران إلى غوطة دمشق، ومثلت المليحة الإختراق الأهم لخطوط دفاع دوما الرئيسيّة. ثم كانت مفاجأة حماة الديار بإستعادة السيطرة على العدراوات الثلاث "الصناعية والعمالية والبلد" ليقطع خطوط الإمداد من البادية إلى غوطة دمشق أيضاً، وكرّة السبحة حتى بات الجيش العربي السوري على مشارف دوما، معقل النفوذ السعودي والإرهاب الوهابي. أصبحت دوما بحكم المنتهية في العلم العسكري، بعد السيطرة على كلّ طرق إمدادها، والإشراف عليها "بصريّا" وناريّاً، لتصبح الغوطة الشرقية محررة بالكامل، ما يعني انعدام وجود أيّة مظاهر مسلحة في دمشق وريفها بشكل كامل لتتلقى المجموعات الإرهابيّة ومن خلفها المشغل السعودي، الضربة القاضية. عندها فقط، سيتم توجيه الجهد والفعل العسكريين نحو مناطق "ساخنة" أخرى، قد تكون درعا وريفها ميدان هذا الفعل، لإعلان كامل الجنوب السوري منطقة خالية من الإرهاب. 5- عين عرب، حبل نجاة أردوغان أو مشنقته: إلى جانب إحكام الطوق حول "علوش آل سعود" في غوطة دمشق، والتقدم الكبير الذي يحرزه الجيش العربي السوري في ريفي حماه واللاذقية، ستصبح الجماعات الإرهابية في ريف إدلب قريباً، بين فكي كماشة القوة العابرة على جثث إرهابيي سلمى وجبل التركمان في ريف اللاذقية، مع تلك القادمة من ريف حماة والعابرة أيضاً على أشلاء الإرهابيين في مورك واللطامنة وكفرزيتا وخان شيخون... ما يؤسس، وبقوة، لإنطلاق معركة شمال وشرق سورية من حلب. بطبيعة الحال هذا السيناريو لن ينجز بين عشية وضحاها، لكنه في ذات الوقت لن يكون في الأمد البعيد، هذا السيناريو هو ما تحاول واشنطن وأدواتها، وخصوصاً تركيا، تفاديه، بل؛ وتسابق الزمن لإجهاضه. وهو ما يفسر إصرار واشنطن على تدريب وتسليح مجموعات إرهابية مسلحة تحت مسمى"المعارضة المعتدلة"، وزيادة اعداد هؤلاء المقاتلين من خمسة ألآف كما قالوا في بادئ الأمر إلى حوالي خمسة عشر ألفاً، ليصار إلى تعزيز تلك الميليشيات وتوزيعها على بعض المناطق تفادياً لتقدم الجيش العربي السوري. وهو يفسر في الوقت عينه الهستيريا الأردوغانية، التي تنفذ مجزرة كاملة الأركان بحق الأكراد في عين عرب، لتفريغ هذه المدينة والقرى المحيطة، ثم يتم ترحيل مئات الألآف من السوريين الموجودين في تركيا إليها، لخلق واقع إنساني يبرر إيجاد منطقة عازلة وآمنة في آن. وهذه الجريمة الموصوفة تحدث على مرأى ومسمع العالم أجمع، ولكنه يمارس الصراخ ويمتنع عن الفعل، لأنه يعلم أن مستقبل تركيا بأكملها بات على المحك. حيث تعيش تركيا المرحلة الأصعب في تاريخها منذ الحرب العالمية الثانية، فإما أن تستمر في نهجها المعادي لسورية لتصطدم بسورية وحلفائها، ومع بعض من كانوا معها بالأمس كمصر والسعودية، فتواضب على دعم داعش، وتسمح بإتمام المجزرة في عين عرب فتقيم المنطقة العازلة التي تتمناها، لتفتح صفحة جديدة من الحرب مع الأكراد، ولكن في تركيا وسورية هذه المرة، وتواجه العالم أجمع الذي بات يتحدث علناً عن إرتباط داعش العضوي بها، وآخرهم جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي، أو تدخل في حرب مفتوحة مع داعش وإمتداداتها في داخل تركيا وخارجها، فتنكفئ للدفاع عن نفسها، وتكتفي بمراقبة الجيش العربي السوري وهو يدمر أحلامها العثمانية ويسحق أدواتها المجرمة، وتتفرغ لرسم معادلة تمنع إنفجار الأزمة الكردية مجدداً، لكن من موقع الضعيف المهزوم هذه المرة. كلمة أخيرة: إحتجنا إلى عام تقريباً لكسر كل مرحلة من مراحل الحرب على سورية، ودفعنا أثمان باهظة وغالية، ولكنها حرب الوجود والإنطلاق لآفاق يصعب اليوم الحديث عنها. عندما تندلع المعركة ويُهزم أحد الأطراف، فإنه يعمل على إنشاء خطوط دفاعه وخنادقه ودشمه... في أقرب نقطة من الميدان الذي خسر فيه المعركة، وفاز به وتقدم إليه الطرف الآخر. هو يفعل ذلك لعدة أسباب، منها، أن يمنع خصمه من تحقيق مزيد من التقدم، ولتنغيص نصره عليه، ولمنح بقيّة مواقعه وجنوده وثكناته شعوراً بالثقة والأمن بأنّه ما زال قادراً على القتال، ولمنع إنهيار بقيّة جبهاته وخطوط دفاعه القريبة والبعدة، والتشبث بالأرض إلى أبعد مدى ريثما يتم التوصل إلى هدنة أو تسوية ما، تخفف من وطأة الهزيمة والإنكسار... راقبوا واشنطن وأدواتها في المنطقة، وسترون بأنهم يقومون بذلك حرفيّاً.