2024-04-20 12:50 م

ترابط بين إعادة إعمار غزة .. ومسار التسوية

2014-10-13
مرّة جديدة تجتمع الدول المانحة لإعادة إعمار ما خلّفه الاحتلال الاسرائيلي من دمار في قطاع غزة.
مؤتمر الجهات المانحة، الذي عقد يوم امس في القاهرة، ليس الاول بطبيعة الحال، فالمانحون الدوليون اجتمعوا اكثر من مرّة، سواء لدعم جهود إعادة الإعمار في غزة، او لدعم السلطة الفلسطينية.
وعلى غرار المؤترات السابقة، خرج مؤتمر القاهرة بتعهدات جديدة، لإعادة اعمار غزة، لكن الجهات المانحة، التي تضم 50 بلداً وهيئات اغاثية ومنظمات دولية او سياسية مثل صندوق النقد الدولي وجامعة الدول العربية، استغلت الفرصة للإلحاح على ضرورة استئناف المفاوضات للتوصل إلى تسوية دائمة بين اسرائيل والفلسطينيين، وذلك كي لا تذهب مساعداتهم سدى، كما عبّر عن ذلك بوضوح وزير الخارجية الاميركي جون كيري.
وقال كيري، خلال الجلسة الافتتاحية، "أقول بوضوح وعن اقتناع عميق اليوم ان الولايات المتحدة تظل ملتزمة كلياً وتماماً بالعودة الى المفاوضات ليس من اجل المفاوضات ولكن لأن هدف هذا المؤتمر ومستقبل المنطقة، يتطلب ذلك"، مضيفاً "لا أعتقد أن أي شخص في هذه القاعة يريد ان يعود بعد عامين او اقل الى نفس المائدة للحديث عن اعادة اعمار غزة" بسبب التقاعس عن "التعامل مع القضايا الاساسية" التي تؤدي الى تكرار النزاع.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد، في كلمته الافتتاحية، ان "الوقت قد حان لإنهاء النزاع مع الفلسطينيين"، داعياً إلى أن "نجعل من هذه اللحظة نقطة انطلاق حقيقية لتحقيق السلام الذي يضمن الاستقرار والازدهار، ويجعل حلم العيش المشترك، حقيقة".
اما الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فقد دعا إلى "مقاربة دولية جديدة" لتسوية النزاع وإنهاء الاحتلال، لافتاً إلى ان "العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كشف عن هشاشة وخطورة الوضع في منطقتنا في ظل غياب سلام عادل، وجهود دولية تراوح مكانها، ووعود لم تتحقق". وأضاف "برغم كل ما نشعر به من ألم ومرارة، فإننا نؤكد للجميع، بأننا لا زلنا متمسكين بالسلام".
اما الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، الذي سيقوم بزيارة لغزة يوم غد، فحذر من ان "غزة لا تزال برميل بارود، الناس في حاجة ماسة الى رؤية نتائج (تشكل تحسناً) في حياتهم اليومية".
وخلال المؤتمر، تعهدت قطر، على لسان وزير خارجيتها خالد العطية، بتقديم مساعدات قدرها مليار دولار لتكون بذلك اكثر المانحين سخاء حتى الآن، فيما تعهدت الكويت بتقديم 200 مليون دولار على ثلاث سنوات، والامارات بتقديم 200 مليون دولار، في حين اعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي ان الدول الاعضاء ستقدم في الاجمالي 450 مليون دولار خلال العام 2015.
وفي الاجمال تعهدت الدول المانحة بتقديم 5,4 مليارات دولار للفلسطينيين، حسب ما اعلن وزير خارجية النروج بورغ بريندي في ختام المؤتمر، لافتاً إلى ان "نصف هذه المساعدات ستخصص لإعادة اعمار غزة"، ومشدداً على ان المانحين "ألزموا أنفسهم ببدء سداد هذه المساعدات في اقرب وقت ممكن من اجل تحقيق تحسن سريع في الحياة اليومية للفلسطينيين"، مع العلم بأن حكومة التوافق الوطني الفلسطينية وضعت خطة تفصيلية لإعادة الإعمار بقيمة اربعة مليارات دولار، وإن كان الخبراء يرون ان القطاع بحاجة الى مبالغ اكبر من ذلك وأن العملية ستستمر عدة سنوات.
يذكر ان مؤتمر المانحين، الذي عقد في آذار العام 2009 في شرم الشيخ، لإعادة إعمار ما خلفته عملية "الرصاص المسكوب" تعهد حينها بتقديم 4,481 مليارات دولار، لكن هذه الوعود ظلت حبراً على ورق، حيث اصرّت الجهات المانحة على تجنب حركة حماس التي تسيطر على القطاع، فيما ربطت الولايات المتحدة صراحة بين تعاونها مع الفلسطينيين وبين احترامهم «التزامات منظمة التحرير الفلسطينية بالتخلي عن العنف والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود».
وبالنظر الى التجارب السابقة في ما يتعلق بوعود المانحين، والتي تضاف اليها اليوم محاولات للربط بين اعادة الاعمار وتحقيق مفاوضات التسوية، في ظل وجود قيادة اسرائيلية متعنتة، فإن الشكوك تتصاعد في امكانية ان يسهم مؤتمر الجهات المانحة في تحقيق الاعمار للقطاع المحاصر.
في المقابل، قد تكون هناك متغيرات واضحة طرأت على الساحة الفلسطينية، وأبرزها مشروع المصالحة الفلسطينية، الذي ادى الى تشكيل حكومة وحدة وطنية وتوافق على عودة "الشرعية" إلى غزة، بما يعني أن عملية إعادة الإعمار لن تتم تحت إشراف حركة حماس، وهي متغيرات ربما تعكس درجة أعلى من الجدية في مسألة اعادة الاعمار.
وفي هذا الإطار، يتحدث السفير المصري معصوم المرزوق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، في حديث إلى "السفير"، عن جانبين سياسي واقتصادي لمؤتمر القاهرة.
ويوضح المرزوق أن "المؤتمر يجمل معاني سياسية عدّة، فهو يمثل منصة أو منبراً لإعادة تسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني، وأهمية التوصل إلى حل نهائي يضمن قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. ومن ناحية أخرى، فإنه يعد خطوة مهمة على طريق استعادة مصر لدورها الإقليمي والدولي، وبخاصة في القضايا الرئيسية في المنطقة، وهذه نتيجة لا يمكن إغفالها".
ويضيف المرزوق "من الناحية الاقتصادية لا أعتقد أن المؤتمر سيؤدي بالضرورة إلى نتائج إيجابية، فالمؤتمر السابق (بعد عملية الرصاص المسكوب في العام 2009)، لم يؤدي إلى شيء، ومن تعهدوا بالمساعدات، تنصلوا منها لاحقاً".
ويتابع "هذه المشكلة لن تحل بإعادة إعمار غزة، ليعاد تدميرها مرة أخرى، في دورة لا تنتهي. لا بد من معالجة جذرية، وهذا ما يجب أن يضمنه المؤتمر"، لافتاً إلى ان "الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية حتى الآن لم يصل لما وصل إليه إزاء قضية الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فالمجتمع الدولي لا يحاسب إسرائيل على عدوانها في كل مرة، وبالتالي فإنه لن يمانع في تكرار العدوان".
ويختم "للأسف، لن نستطيع اليوم أن نتوقع نجاح برنامج إعادة الإعمار طالما ظلت المذابح بلا محاسبة، كما أن وضع المنطقة بشكل عام لا يغري العالم لتقديم المنح والمساعدات".
النيات الطيبة لن تكفي إذاً لإعادة إعمار غزة، ففي حال تمت إعادة اعمار القطاع الفلسطيني، فإنّ احداً لا يستطيع منع الدمار الاسرائيلي مرّة اخرى.
وفي هذا الإطار، يتساءل عضو مجلس ادارة "اتحاد المقاولين في مصر" داكر عبد الله لـ"السفير": "كيف نقوم بالإعمار بينما هناك حرب أخرى محتملة؟".
ويضيف "لقد دمرت الحرب السابقة كل شيء... خمسة آلاف مشروع تم تدميرها في غزة. فهل نبنيها ليعاد تدميرها مرة أخرى؟ الحقيقة أننا لن نستطيع أن نقوم بشيء، إلا إذا قدمت المصارف التمويل اللازم، وتدخلت شركات التأمين لخفض المخاطرة... كما ان الحل السياسي يجب أن يسبق الإعمار".
ولعل دخول شركات مقاولات ضخمة للقيام بعمليات إعادة الإعمار يحتاج إلى ما هو أكثر من تعهدات المانحين، وحتى ضمان مرور المواد اللازمة لن تكفيه النيات الحسنة.
وفي هذا الإطار، يقول رئيس الشعبة العامة لمواد البناء في اتحاد الغرف التجارية في مصر أحمد الزيني لـ"السفير": "نحن مع إعادة الإعمار بالطبع، ومستعدون لتوفير مواد البناء اللازمة، ولكن بشروط، فأولا يجب أن يتم ذلك بطريقة شرعية وليس عبر الأنفاق. وكذلك يجب تأمين الأوضاع في سيناء وإلا لن نستطيع توصيل مواد البناء اللازمة في ظل انتشار المجموعات الإرهابية، والمسؤولية هنا تقع على الجانب الفلسطيني الذي يتوجب عليه وقف تهريب السلاح وعبور المسلحين من غزة إلى مصر".
ربما توجد الكثير من الشكوك حول نجاح عملية إعادة الإعمار في ظل الأوضاع السياسية الحالية، ولكن من الصعوبة أيضا بمكان تصور أن كل تلك الدول والمنظمات الدولية قد التقت من دون جدوى.
ويقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة عمرو عادلي لـ"السفير" إنه "من الصعب استباق النتائج. وأعتقد أن هناك مشاكل على رأسها المستقبل السياسي للقطاع وخلق حالة من الثقة لدى المانحين، حتى لا تكون إعادة البناء مقدمة لإعادة التدمير".
ويتابع "ثمة جانبان للمستقبل السياسي لقطاع غزة، فهناك المفاوضات مع إسرائيل سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، وهي تعني الكثير للمانحين، فنتيجة المفاوضات ستحدد إمكانية تكرار العدوان من عدمه، وبالتالي جدوى الإعمار. وأما الجانب الآخر فهو المصالحة الوطنية الفلسطينية، والتي ستسهل الوصول إلى آلية لإدارة المعابر، وعدم خضوعها لحركة حماس، وبالتالي إحياء اتفاقية المعابر، وهو أمر مهم جداً لإعادة الإعمار لضمان مرور المواد اللازمة، وتفادي التشدد الاسرائيلي الذي كان يعتبر الأسمنت والمواسير مثلا مواد تدخل في بناء الأنفاق وبالتالي يمنع مرورها".
ويرى عادلي ان "عملية إعادة إعمار غزة مرهونة بمستقبل التسوية، سواء مع إسرائيل أو داخلياً"، مستبعداً ان "تحقق آليات إعادة الإعمار ما فشلت الأدوات العسكرية الإسرائليلة في تنفيذه من سيطرة على المقاومة وسلاحها"، فهذا الحديث بنظره "لا محل له".

المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية