2024-04-23 09:16 م

الخرائط المستحيلة.. والإحداثيات المستنسخة

2014-10-16
بقلم: علي قاسم
يزدحم الحديث عن الخرائط الجديدة في المنطقة، وتتراكم إحداثياتها المستنسخة على عجل حيناً، وبعد طول تمهل أحياناً أخرى، على طاولة اللقاءات السرية والعلنية التي تشهد تسارعاً في حركة تدوير الزوايا داخلها، بعد أن وصلت في أغلبها إلى نقاط أغلقت الرؤية وأباحت المحظور المسكوت عنه في معظم الأحيان.
وإذا كانت لغة تقسيم المنطقة قد شهدت بدورها تفشياً في سياق الأحاديث والمواقف المعلنة أو المضمرة، فإن أحداً لا يستطيع أن يتجاهل جذورها الاستعمارية القديمة، بلبوسها الجديد الذي طفا على السطح بشكل متسارع، وتبدلت معه وعليه أساليب وأدوات العمل المتعدد النماذج والجبهات.‏
لكن الأخطر بقي -كما كان دائماً على مر التاريخ- هوية الوكلاء المعتمدين لتنفيذه وفق صلاحيات نافذة أو مؤجلة تحت الطاولة أو فوقها، وكانت تُستحضر في أغلب الأحيان من الأدراج المقفلة في دوائر الاستخبارات الغربية، وتنوعت حصرية أولئك الوكلاء بين تابع وأجير.. وبين طامع يعيش أحلام اليقظة في استعادة أمجاد سلطنة غابرة ومتلاشية .‏
وكلاء المشروع الغربي بطابعيه الاستعماري والتقسيمي القائمون على رأس عملهم اليوم أو المؤجلون للغد، لا يختلفون عن وكلاء الأمس في الكثير من النقاط، بل في أغلبيتهم حالة من الاستنساخ المباشر على قواعد متغيرة، ووفق معطيات متبدلة، إلا أنها بقيت وفق مواصفات لم تتغير، وما أضيف إليها كان في إطار التدعيم على أساس ما تراكم من خبرات في أدوار ابتعدت أو اقتربت من مفاهيم الطرح الغربي على مشروع إعادة رسم الخرائط الجديدة.‏
فبعد الفشل في فرض معطيات تلك الخرائط من منظور المشاريع التقليدية بالحروب والنفوذ والهيمنة، لجأ الغرب إلى توكيل الدول الوظيفية بالمهمة، لتكون بديلاً بأساليب وطرق متعددة، كان أهمها الاعتماد على الإرهاب كأداة إضافية بالواسطة، وحين عجزت تلك الدول كان التوكيل للتنظيمات الإرهابية مباشرة.‏
تركيا كانت الأقرب إلى التماهي مع المهمة الجديدة من حيث التنسيق والعمل على تقديم ما يمكن لضمان نجاحها، على أن تتبعها بدور إضافي يصبح فيه دور تركيا مفصلياً في تلك المهمة بالتعاون والتنسيق مع التنظيمات الإرهابية، وهذا ما دفع بها إلى القذف بالكرة في الملعب الغربي والأميركي تحديداً، حين تحدثت عن المناطق العازلة، محاولة أن ترفع من سقف دورها وتوسيع مساحة مهمتها.‏
ولم تنس حكومة العدالة والتنمية أن تقرن ذلك بحتمية أولوية دورها وحتى تصدره، وربما تزعمه لأدوار الدول الوظيفية الأخرى، التي ستكون حلقة إضافية في المشروع من خلال البوابة التركية على أبعد تقدير، وبذلك تحسم الخلاف مع السعودية وغيرها على تزعم دعم الإرهاب وتنظيماته والعلاقة المستقبلية معه، رغم يقينها باستحالة تحقيق ما تطرحه من خرائط. وعبثية المحافظة على ما هو قائم منها، ليتحول إلى نفخ في القربة المثقوبة.‏
ورغم حالة التشابه، وأحياناً التوافق، ثمة من يجتر في المشهد ذاته، وإن جاء مداورة تحت عناوين تختلف باختلاف مصالحه الفردية وتضاربها أو تعارضها في جزئياته مع التحالف الغربي، فإن التاريخ لا يميل إلى تلك التجارب بكثير من الرضا الذاتي والموضوعي، خصوصاً مع قرينة أن الدول الوجودية لم تستطع قوة في التاريخ أن تعدّل من خرائطها أو أن تغيبها عن تلك الخرائط، وكانت على الدوام أساساً مقرراً في بنية تلك الخرائط، بل راسم محوري لإحداثياتها.‏
وغير ذلك لا يعدو كونه نفخاً في رماد متطاير، وتعويلاً على وهم قاتل لصاحبه، ورسم افتراضي لا يمكن لقوة في الدنيا أن تفرضه، وتشكل تلك المحاولات اليائسة والمحمومة في نهاية المطاف جملة من الخرائط المستحيلة، والتمنيات الأكثر استحالة.‏
في تجارب المنطقة الموغلة في عقودها المديدة كانت الارتدادات ترسم خطاً متعرجاً يتقاطع حيناً ويتباين أحياناً، وفي التجارب الناتجة عمّا يجري اليوم ترسم المؤشرات خطاً معاكساً بالمطلق، وأن الخرائط الوحيدة القابلة لترى النور هي التي تحددها إرادة المواجهة الشعبية والمحور المنخرط قولاً وفعلاً في محاربة الإرهاب ومن يدعمه ومن يستخدمه، ولو بعد حين.‏

عن صحيفة "الثورة" السورية