2024-04-24 05:04 ص

أمريكا وتركيا...تحالف إستراتيجي وأزمات تكتيكية

2014-10-18
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي*
في وقت قريب كانت تركيا تتدخل بعمق في مفردات الصراع في سورية والى حد كبير فيما يدور داخل العراق، لكنها اليوم وبعد سيطرة داعش على بعض المناطق السورية، ثبت أن تركيا لاعب أساسي من وراء الأستار والحدود تتلاعب بالأحداث وتغير من وهجها هنا وهناك، وهي لكي تبعد الأنظار عنها، تعمل بكل ما أوتيت من خبرة ودهاء على خلط الأوراق بين الساحات لكي يخلوا لها الجو في الهيمنة على سورية والتحكم بمقدراتها، إذ تتبع تركيا سياسات متناقضة تجاه منطقة الشرق الأوسط، من خلال مواقفها وتصريحاتها المتناقضة ومبادئها وسياستها المتغيرة، فضلاً عن إن المواقف الأمريكية من الإرهاب و"داعش" والجهات الداعمة لهم، يؤكد أن سياسة أمريكا مبنية على المصالح الضيقة، والتصريحات الصادرة عن "جو بايدن" نائب الرئيس الأمريكي تثبت تخبط السياسة الأمريكية تجاه المنطقة، خاصة عندما يعتذر لتركيا ويلقي اللوم على دول أخرى فيما يتعلق بتمويل ودعم الإرهاب. ممارسات "داعش" الدموية في كوباني تصب في صالح تركيا وأمريكا وباقي أعضاء التحالف الدولي لمحاربة داعش، والمأساة التي تعيشها كوباني من وجهة نظر تركيا، هي فرصة تاريخية لا يجب تفويتها أو إضاعتها، لتحقيق أحلامها في التخلص من النموذج الكوردي المُقلق الذي ظهر في خاصرتها الجنوبية، فأنقرة ترى في الخطر الكوردي خطراً وجودياً، أما خطر "داعش" فهو بالنسبة لها خطر امني، ولهذا السبب يمكن فهم رفض تركيا لكل المطالب الدولية الداعية لها للتدخل لوقف المجزرة ضد الكورد في كوباني، بل إن تركيا ذهبت الى ابعد من ذلك برفضها دخول متطوعين كورد الى المدينة، أما الضربات التي تنفذها طائرات التحالف الدولي ضد "داعش" يبدو إنها تأتي في سياق رفع العتب، أو لإقناع الرأي العام العالمي إن أمريكا تحاول أن تفعل شيئاً، لإنه ليس من المعقول أن تقتلع أمريكا وتركيا مسمار الإرهاب من سورية، فهذا المسمار سيكون المبرر المقنع لتحقيق أهدافهما كتقسيم سورية في المستقبل، كما إن القضاء على العمود الفقري للتنظيمات المسلحة في سورية يعني بالمقابل تعزيز موقف الجيش السوري، وهو ما لا تريده أمريكا وتركيا، وبالتالي فإن أمريكا تستغل هذا الكيان "داعش",لتحقيق مأربها ومخططاتها الشيطانية في إيجاد واقع جديد في سورية من أجل إلتهامها. حملت العلاقات التركية الأمريكية في طياتها الكثير من الخفايا والمصالح، بالتزامن مع ضجيج الحديث عن تنظيم الدولة الإسلامية، وتغلغله في ربوع سورية والعراق، ومن المتعارف عليه أن تركيا والولايات المتحدة توصلتا إلى اتفاق يتضمن ثلاث قضايا، وعلى رأسها تقاسم المعلومات الإستخباراتية بين البلدين ومواصلة تقديم الدعم اللوجستي للمعارضة السورية، وإستمرار تقديم الدعم الإنساني وإذا تطلب الأمر استخدام القواعد الجوية التركية، وإن كانت الأخيرة لم تبد رأيها، لكن على الرغم من ذلك، تمارس الولايات المتحدة ضغوطات على الحكومة التركية من أجل إقناعها بالانضمام للتحالف الدولي ضد هذا التنظيم، غير أن أنقرة تتحفظ في نهج هذا التوجه بسبب التهديدات التي تتلقاها من أفراد التنظيم، والذين وجهوا رسائل عدة، أبرزها استهداف السياح ورجال الأعمال الغربيين المتواجدين على أراضيها. وفي سياق متصل تطالب أنقرة والدول المتحالفة مع واشنطن بإنشاء حزام عازل على طول الحدود السورية مع تركيا، وتحديد منطقة حظر جوي وتدريب المعارضة السورية، وهنا أرى أن موافقة أميركا على هذا تعني موافقة الإدارة على واحد من أمرين حاولت تجنبهما، الأول التعاون مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، والثاني تدمير الدفاعات الجوية السورية، وهو ما يعني إعلان حرب شاملة، كون أن الحزام الأمني يخدم تركيا ومصالحها القومية من ناحية منع تدفق اللاجئين السوريين إلى أراضيها، وقد يمنح هذا الحزام المعارضة السورية منطقة للانطلاق وشن هجمات عسكرية ضد النظام السوري، وهو هدف تدعمه الحكومة التركية وتطالب به، فواشنطن ترى أن إنشاء حزام كهذا مكلف، ويحتاج لمئات المقاتلات الأميركية كي تقوم بمراقبته، ويحتاج مليار دولار في الشهر، وتجد أن بناء منطقة آمنة في سورية قد يفتح الباب على مصراعيه أمام قوة جوية كبيرة في الشرق الأوسط، الذي عززته الخبرات الروسية في السنوات الأخيرة،كما أن سورية تملك نظاما متعددا من صواريخ أرض – جو، وآلافاً من الصواريخ المضادة للطائرات، فضلاً عن الموقف الروسي الإيراني اللذان يرسمان حدود الصراع في سورية من خلال وقوفهما الى جانب النظام السوري، وحماية سورية من التجزئة والتفتت. من هنا فإن مشروع المنطقة العازلة التركية ، يتخطى معادلة الخطوط الحمراء ، وينسف خيوط التفاهم الغربي التركي، وهنا لا بد من القول بأن أمريكا زاوجت مؤخراً بين مشروعها المشترك مع الكيان الصهيوني، والمشروع التركي في سورية والمنطقة ، حيث أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، عن إنتهاء الخلاف مع تركيا بشأن المنطقة العازلة والحظر الجوي على جزء من الأرض السورية، وذلك عبر قبول تركيا بالتخلي – ولو ضمنياً – عن هذه الفكرة المفجّرة للخطوط الحمراء ، وذلك لصالح فكرة تدريب المعارضين المعتدلين على الأراضي التركية ، وذلك في مساواة أمريكية لتركيا بالسعودية ، والتي هي في الضفة الثانية من التحالف حولها . وبالمقابل أكد خبراء فى شأن الإسلام السياسي بأن تركيا بصدد اتخاذ خطوات جديدة لإرضاء الولايات المتحدة الأمريكية فى إطار معركتها ضد تنظيم داعش، بشن حملة إعتقالات ضد العناصر المرتبطة بالتيار الجهادي الموجودة على أراضيها وبينهم قيادات داخل التحالف الذي تتزعمه جماعة الإخوان . وإنطلاقاً من ذلك فإن علاقة أمريكا بتركيا والسعودية وقطر، إنما ينطلق من أساس واحد وفروع متعددة تتعلق بكل دولة على حدة، والأساس هو إن هذه الدول لها علاقات إستراتيجية مع أمريكا ،وهذه العلاقات قائمة على خدمة المشروع الأمريكي، وتنفيذ مطالبه سواء من الجوانب الإقتصادية التي لها علاقة بالنفط، أو في الجوانب العسكرية والتي تتمثل بتنفيذ الأجندات الأمريكية وتوريد الأسلحة والمعدات الأمريكية، وغير بعيد عن الجوانب العسكرية هو تواجد القواعد الأمريكية في هذه الدول، وبالتالي فإن بقاء شهر العسل بين أمريكا والدول الثلاث المعنية ، لن ينتهي قريباً طالما بقيت هذه الدول على علاقة جيدة مع إسرائيل ولا أظن إن هذا التحالف سيتلاشى طالما بقيت هذه المنطقة المصدر الأساس للطاقة والإقتصاد والنفط. وخلاصة مما سبق هناك جهات مختلفة تشارك في إرتكاب جرائم في سورية، ومنها داعش وأمريكا، أما باقي حلفاء أمريكا فهم يتحركون على الإيقاع الأمريكي، فداعش آلة الموت التي صنّعتها المختبرات الأمريكية، دورها الوظيفي زرع الموت والدمار والفوضى، بهدف إخراج الإسلام من حياة الشعوب كدين الهي، وإغراق المجتمعات الإسلامية في دوامة من العنف العبثي لإلهائها عن كل المخاطر الحقيقية التي تهددها مثل الخطر الصهيوني، والأطماع الغربية في المنطقة، ومخاطر إهدار الفرص للتطور ومواكبة الركب الحضاري الإنساني. وأخيرا أختم مقالي بالقول صحيح إن أمريكا وتركيا وبعض حلفاء أمريكا في المنطقة يضعون الإستراتيجيات والمخططات، للوصول الى أهدافهم، ولكن ما أكثر المخططات الأمريكية والصهيونية التي اصطدمت بإرادة الشعوب وتكسرت على صخرة مقاومتها، ولا أظن نتيجة الإستراتيجية الأمريكية الحالية ستكون أفضل حالا من نتائج الاستراتيجيات السابقة، وما المقاومة التي أصابت "داعش" بالرعب، فمقاومة الفتيات والشباب الكورد في مدينة كوباني، ليست إلا جانبا من إرادة هذه شعوب. 
*صحفي وكاتب أكاديمي 
Khaym1979@yahoo.com