2024-04-25 11:29 ص

ما هي خفايا برنامج واشنطن لتدريب "المعارضة المعتدلة"، والتحديات التي يواجهها؟

2014-10-20
بقلم: سمير الفزاع
في8 تموز 2014 نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مساهمة مشتركة هامة جداً، ل"مايكل آيزنشتات" و"جيفري وايت" تحت عنوان "برنامج تدريب وتجهيز معزز للمعارضة السورية المعتدلة". للباحثين عن خلفيات مأزق واشنطن وحلفائها، وبعض من التصورات الواضحة لمستقبل الصراع الإقليمي في المنطقة والعالم، وحجم الإحباط الأمريكي من تقدم وتماسك الجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان، وأثر هذا التقدم على مخططات واشنطن، والمغزى الأمريكي من "خلق" وإدامة عصابات من القتلة والمرتزقة تحت دعاوى "معارضة معتدلة"... بلسان واحدة من أهم المؤسسات البحثية الأمريكية، وأخطر معاقل الإستشارة في رسم خيارات واشنطن السياسية والعسكرية... عليه أن يقرأ هذا البرنامج بتمعن، وحرفاً حرفاً. سأستعرض فيما يلي عدد من أهم بنوده، وسأحاول -ما أمكنني، ووفق إمكانياتي المتواضعة- أن أقدم "تفكيكاً" منهجيّاً لها، وذكر أبرز التحديات التي تعترض سبيل تنفيذها. * "برنامج تدريب وتجهيز معزز للمعارضة السورية المعتدلة": كمقدمة نظرية تؤسس للبرنامج، كُتب حرفيّاً: "جاء قرار إدارة الرئيس أوباما في حزيران/يونيو بطلب مبلغ 500 مليون دولار من الكونغرس لتدريب وتجهيز عناصر خاضعة للتدقيق الأمني من المعارضة السورية المسلحة ليؤشر على نقطة تحول في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فقد جاء هذا الطلب في أعقاب سلسلةً من النكسات الكبيرة التي لحقت بالسياسة الأمريكية في المنطقة، ومن ضمنها نجاح نظام بشار الأسد في قلب الطاولة على المعارضة المسلحة ليعزز بذلك فرص صموده بشكل أكبر، بالإضافة إلى سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" مؤخراً على أراضٍ شاسعة من شرق سوريا وشمال العراق، الأمر الذي قد تستخدمه الجماعة كنقطة انطلاق للهجوم على بغداد وتهديد الأردن والمملكة العربية السعودية وشن هجمات إرهابية في الخارج. إن الدعم الأمريكي بالأسلحة الفتاكة الذي تم تقديمه للمعارضة السورية قد اقتصر حتى الآن على جهودٍ سرية وضيقة النطاق لتدريب هذه المعارضة وتجهيزها. بيد أن تقديم برنامج معزز من التدريب والتجهيز قد يمكّن الولايات المتحدة من تحديد مجرى الحرب وربما حصيلتها أيضاً، وذلك من خلال تغيير كفة الميزان العسكري داخل المعارضة نفسها (بين الحركات المعتدلة والمتطرفة) وما بين المعارضة والنظام. كما يوفر هذا البرنامج فرصةً لإيقاف زحف «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق ولتجنب انتصار النظام في سوريا بشكلٍ يضر بالمصالح الأمريكية". # مناقشة المادة: سأكتفي بمحاولة تفكيك أربعة نقاط فقط: 1- مقولة"تدريب وتجهيز عناصر خاضعة للتدقيق الأمني من المعارضة السورية" تؤكد بأن هذه "المعارضة" ستكون فصيلاً تابعاً للCIA بكل مراحله، تدقيقاً، إختياراً، تمويلاً، تدريباً، تسليحاً، إنتشاراً، أهدافاً، مستقبلاً... فهي تحصل على أموالها من الميزانية الأمريكية، وبموافقة الكونغرس الأمريكي. ولم يعد مسموحاً لأحد في هذه الدنيا أن يتحدث عن معارضة وطنية سورية تحمل سكيناً في وجه الوطن وجيشه وشعبه، وأي جهة تدعي مثل هذا الأمر أو تغطيه، ما هي إلا جزء من هذه النظومة الأمريكية شاءت أو أبت. 2- مقولة "جاء هذا الطلب في أعقاب سلسلةً من النكسات الكبيرة التي لحقت بالسياسة الأمريكية في المنطقة، ومن ضمنها نجاح نظام بشار الأسد في قلب الطاولة على المعارضة المسلحة ليعزز بذلك فرص صموده بشكل أكبر". تؤكد هذه الجزئية بأن السياسة الأمريكية تعرضت لنكسات وهزائم متتالية في المنطقة، وأحد أهم عناوين هذه النكسات، فشل حرب واشنطن للسيطرة على سورية، وإسقاط الرئيس بشار حافظ الأسد، وأن لا وجود لثورة أو ربيع عربي؛ إنما هي سياسة واشنطن ومصالحها. 3- عبارة " بالإضافة إلى سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" مؤخراً على أراضٍ شاسعة من شرق سوريا وشمال العراق، الأمر الذي قد تستخدمه الجماعة كنقطة انطلاق للهجوم على بغداد وتهديد الأردن والمملكة العربية السعودية وشن هجمات إرهابية في الخارج" لا مشكلة لدى واشنطن مع سيطرة داعش على مناطق واسعة في شرق وشمال سورية وشمال وغرب العراق؛ إنما ترى خطرها من ناحية تهديد مصالحها في كردستان العراق -حيث تدخلت واشنطن خلال ساعات- وتهديد السعودية والأردن، وإحتمال شنّ عمليات إرهابية خارج المنطقة، عدا ذلك فلداعش حرية القتل والتهجير والتنكيل... . 4- فكرة "بيد أن تقديم برنامج معزز من التدريب والتجهيز قد يمكّن الولايات المتحدة من تحديد مجرى الحرب وربما حصيلتها أيضاً، وذلك من خلال تغيير كفة الميزان العسكري داخل المعارضة نفسها (بين الحركات المعتدلة والمتطرفة)... ولتجنب انتصار النظام في سوريا بشكلٍ يضر بالمصالح الأمريكية". والمقصود بحركات معتدلة وأخرى متطرفة، تلك التي تتبع للCIA مباشرة من سواها، خصوصاً تلك التابعة لأنظمة إقليمية، والمتحاربة فيما بينها بسبب تصادم مصالح المشغلين. والفكرة الثانية، أن الحرب على سورية حرب أمريكية خالصة وعلى واشنطن تجهيز المعارضة-الأداة القادرة "تمكيّن الولايات المتحدة من تحديد مجرى الحرب وربما حصيلتها أيضا". والثالثة، أن إنتصار سورية والقائد بشار حافظ الأسد بات محسوماً، ولكن المشكلة باتت في تحديد شكل هذا الإنتصار ومداه، ولهذا العنوان بحث يطول شرحه. * أهداف برنامج التدريب والتجهيز المعزز: تحت هذا الباب كُتب مباشرة وحرفيّاً: (من غير المرجح أن "تنتصر" المعارضة السورية المعتدلة، ومن المؤكد تقريباً أن الولايات المتحدة لن "تحلّ" الحرب الأهلية السورية، على الأقل ليس في المستقبل المنظور. ولكن لا يجدر اعتبار هذه الأمور معياراً لتقييم الجدوى والقيمة لبرنامج التدريب والتجهيز المعزز. ومثل هذا البرنامج قد يتيح للولايات المتحدة ضمان سلامة مصالحها الحيوية والتخفيف من حدّة بعض التأثيرات السلبية التي تتركها الحرب الأهلية السورية دون تدخل أمريكي مباشر. وبوجه الخصوص فإن هذا البرنامج قد يمكّن الولايات المتحدة من "سأذكر ثلاثة عوامل فقط": • تقوية المعارضة المعتدلة كبديل عن حركات المعارضة السلفية- الجهادية وربما كبديل عن نظام الأسد نفسه. • إعطاء النظام الخيار ما بين صراع مدمر ومفتوح وبين حل دبلوماسي. • إحكام الضغط على نظام الأسد و"حزب الله" وإيران لردع أي نزعة مغامرة من جانبهم. وحتى وإن ثبت أنّ المعارضة المعتدلة عاجزة عن بذل جهود أكبر مما تبذله اليوم، يبقى باستطاعتها مواصلة الضغط على نظام الأسد وتقييد قوات حلفائه الإيرانيين و «حزب الله» وربما من الشيعة العراقيين، الأمر الذي يحد من قدرتهم على الانخراط في أعمال أو نزعات مغامرة في مكان آخر. وإذا ما أثبتت المعارضة المعتدلة تمتعها بقدرات أكبر، يمكن توسيع مسعى التدريب والتجهيز وتعديل أهدافه بما يمكّن الضغط على النظام ليعيد النظر في قراره برفض الحل الدبلوماسي للحرب الأهلية... وأخيراً، إذا تعذّر على المعارضة المعتدلة تلبية أيٍّ من هذه التوقعات، يمكن تقليص نطاق هذا المسعى أو إنهاؤه - مع أنه قد يصعب على الإدارة الأمريكية سحب يدها بعد أن تكون قد ضاعفت التزامها تجاه المعارضة). # مناقشة المادة: سأكتفي بمحاولة تفكيك ثلاثة نقاط فقط: 1- عبارة "من غير المرجح أن "تنتصر" المعارضة السورية المعتدلة..." تؤكد وجود إدراك أمريكي عميق، بأن هذه "المعارضة" مفككة، وعاجزة، ومخترقة، ومعزولة شعبيّاً، وأضعف من أن تشكل خطراً حقيقيّاَ على الدولة السورية؛ فكيف بهزيمتها؟! 2- البند الذي يقول:"إعطاء النظام الخيار ما بين صراع مدمر ومفتوح وبين حل دبلوماسي" يوضح بما لا يدع مجال للشك، بأن هذه "المعارضة" هي ذراع أمريكا، التي تقتل وتهجّر وتدمر... "لتطويع" القيادة السورية، والتأثير على قرارها، تلبية لتوجهات واشنطن ومصالحها، وأن هذه الحرب تُخاض تحت هذا العنوان، فلا ثورة، ولا معارضة، ولا مكان لعملية سياسية مع هؤلاء. 3- البند الذي يقول:"إحكام الضغط على نظام الأسد و"حزب الله" وإيران لردع أي نزعة مغامرة من جانبهم... إذا تعذّر على المعارضة المعتدلة تلبية أيٍّ من هذه التوقعات، يمكن تقليص نطاق هذا المسعى أو إنهاؤه" ينبهنا إلى هدف آخر يقف وراء "خلق" ودعم وإدامة هذه "المعارضة" يتمثل في وقف أي مسعى عربي-إسلامي لتحرير فلسطين"أعمال أو نزعات مغامرة في مكان آخر..."، ولنتذكر بأن سعود الفيصل قال هذه الكلمة تحديداً "مغامرون" لوصف خطف حزب الله للجنود الصهاينة عشية حرب تموز 2006، وتكرر الأمر لاحقاً في غزة؛ بل وأتهمت المقاومة الفلسطينية في غزة "بأنها عميلة للنظام السوري" على لسان من يوصفون بمعارضة سورية عند تصديها للعدوان الصهيوني على القطاع في حربي 2012و2014!. * مخاطر وتحديات ستجهض البرنامج: أورد التقرير تحت عنوان "إدارة المخاطر" ما يلي:"تنطوي مساعي التدريب والتجهيز المعززة على مخاطر مختلفة، ألا وهي: (1) خطر على السمعة/العمليات إذا استُخدمت الأسلحة المقدمة من الولايات المتحدة لارتكاب جرائم حرب أو انتقلت إلى يد المتشددين العنيفين. (2) خطر على المدربين الأمريكيين المتمركزين في الدول المجاورة الذين قد يتعرضون للاعتداء من قبل وكلاء النظام. (3) خطر على مستوى السياسات بما في ذلك إمكانية الارتداد المعاكس (على سبيل المثال، أن يؤدي برنامج التدريب والتجهيز بدون قصد إلى تمكين المتطرفين) والتصعيد من قبل سوريا أو حزب الله أو إيران". بطبيعة الحال، لا قيمة حقيقية للبندين الأولين؛ إنما المانع الحقيقي وراء تنفيذ هذا البرنامج حتى الخواتيم، مرده إلى الخوف من إقدام سورية أو حزب الله أو إيران، أو جميع هؤلاء، مضافاً إليهم حلفاء طبيعيين "تجاهل" التقرير الحديث عنهم بسبب مقاصد خبيثة -كترسيخ مقولة "الهلال الشيعي" المسمومة- على القيام بفعل كبير يزلزل المنطقة ويخلط الأوراق بعنف، كالتوجه مباشرة إلى بيت العنكبوت، الكيان الصهيوني. ومثل هذا الخيار ليس ضرباً من الخيال؛ بل تحدث عنه أوباما نفسه قبل عام تقريباً، وأصبح مثل هذا الخيار أقرب إلى التنفيذ من أي وقت مضى، وعلى العالم أن يختار. لن نموت لوحدنا، وحان موعد وضع المعادلات الكبرى على الطاولة، لذلك زار السيد حسن نصر الله إخوة السلاح في مواقعهم، ولذلك أيضاً، سرت أنباء عن زيارة ميدانية ليلية، قام بها الرئيس بشار حافظ الأسد لأحد الجبهات الساخنة، وبلباسه العسكري.

الملفات