2024-04-16 10:58 م

ما الذي قاله الرئيس الأسد على أحد جبهات القتال؟

2014-10-23
بقلم: سمير الفزاع
في ليلة مقمرة من شهر تشرين الأول، شعرت بجلبة غير إعتيادية في الجوار، إندفاع، تحيات، هتاف لسورية والقائد، حركة بلا رصاص أو قذائف... طلبت من أحد رفاق السلاح إستطلاع الأمر. تأخر رفيقي في عودته، لحظات قليلة وبت أسمع أصوات لخطوات كثيرة تقترب من حجرة نصف مهدمة فيها "طلاقية" كنا نراقب منها العدو، عين على الباب وأخرى على العدو. وكانت المفاجأة بأن أول من دخل الباب الفريق بشار حافظ الأسد، هي المرة الأولى التي أرى فيها القائد الأعلى بلباسه العسكري، تسمّرت في مكاني وفشلت في الإقدام على أي حركة من أي نوع. تقدم سيادة الرئيس، وجلس القرفصاء بجانبي. عاجلني بكلمات لن أنساها ما حييت: مباركة هذه الأحداق وهذه السواعد، أنتم عين سورية وذراعها، وأنتم حماية الله لها. سأل الضابط المسؤل عن الموقف الميداني، وعن أحوالنا، طعام وشراب وطبابة وذخائر... كلّ شيء قد يخطر ببالنا وأكثر. ثم سأله عن حال العدو، وظروفه القتالية... . وكأنه كان يقرأ ما يدور في عقولنا، بادرنا بحديث من القلب إلى القلب، معفر بتراب البطولة والتضحية، قال سيادة الرئيس: منذ اللحظة الأولى كنا نعرف بأن هذه الحرب ستطول، وستأخذ أشكال متعددة، من دعم خفي بالسلاح لعصابات تمّ العمل عليها مسبقاً، في محاولة لإسقاط صورة سورية التي تعرفونها، إلى المجاهرة بتوريدات الأسلحة وإرسال الإرهابيين لتفتيت سورية وتقسيمها... وصولاً إلى تهديد دول بعينها بشن عدوان مباشر على سورية. هم يعلمون بأننا نقاتلهم بجزء من جيشنا وقواتنا المسلحة، بالإضافة للقوى الوطنية المسلحة الرديفة لقواتنا، والتشكيلات المقاتلة لإخوتنا في حزب الله، ولكننا ندخر الجزء الأكبر من قوتنا لمواجهة أي عدوان خارجي من أي جهة كانت. هناك أسباب عدة تقف حجر عثرة أمام أعدائنا عند التفكير بغزو سورية، وإستراتيجيتنا هذه من أهمها. عملنا في الفترة الأولى من الحرب على توعية شعبنا، وتنبيهه بأن ما يجري لا علاقة له بالثورة، ولا علاقة له بمطالب سياسية وإجتماعية وإقتصادية. لقد فعلنا أقصى ما نستطيع كي نسحب الذرائع من أيد الخصوم والأعداء، لقد أجريت عشرات اللقاءات، ومن كل المحافظات، وإستخلصنا أكثر من ألف مطلب، معاشي قانوني سياسي خدمي... لكن الأمور كانت تسير في سياق معين بعيداً عن هذه المطالب. لفترة طويلة من عمر الأزمة، خرج رجال الشرطة بلا سلاح يحميهم، وبقي الجيش خارج الصورة تماماً، إلا أن وصلنا إلى مرحلة صار فيها تدخل الجيش مطلباً شعبياً، وضرورة وطنية. ولو تدخل الجيش منذ اللحظة الأولى لأعتقاد الكثير من شعبنا بأن ما يجري ثورة، وسيتضاعف عدد من سينجحون بخداعهم كلما طالت الأزمة، وأريق المزيد من الدماء، ولأن المعرفة والإيمان بالفعل شرط أساسي للقيام به، وما كان لهذه المعرفة وهذا الإيمان بالتشكل والرسوخ إلا بعد الكشف عن حقيقة المشهد، وإظهار حجم التدخل والتآمر الخارجي. لقد تسببت هذه الإستراتيجية بدفع أعداء سورية إلى الظهور على المسرح، والتعبير عن أهدافهم بصارحة. ولاحقاً، عندما رأوا عجز أدواتهم الإرهابية الداخلية وفشلها في إسقاط الدولة وتفكيك المجتمع، إضطروا للإنكشاف أكثر وأكثر، فأرسلوا الإرهابيين من كل أصقاع الدنيا، بعشرات الألاف، وبدلاً من إرسال السلاح بعشرات ومئات القطع، باتوا يرسلونه بالبواخر والطائرات الضخمة والقوافل الكبيرة... عندها أصبح ما تتعرض له سورية واضح تماماً، عدوان خارجي تقوده أمريكا، وتنفذه أدواتها العربية والإقليمية. اليوم، يدرك العالم كلّه، إلا من خطط وعمل على تدمير سورية منذ أربعة أعوام تقريباً حتى اليوم، بأن سورية تواجه إرهاباً بكل ما للكلمة من معنى، ولا شيء آخر. وهذا نصر كبير إنعكس مباشرة على مجريات الميدان، وعلى المزاج الشعبي، وفي علاقاتنا السياسية مع دول العالم، والتي بات الكثير منها يطرق أبوابنا لإعادة الوضع إلى ما كان عليه. إن تماسك المؤسسة العسكرية، وتطوير تكتيكاتها في فترة قياسية لمواجهة أضخم وأعقد هجمة إرهابية في تاريخ البشرية، مصدر فخر وإعتزاز لكل سوري، وعربي، وإنسان في هذا العالم. أنتم تدافعون عن قيم الإنسانية وحضارتها، وخصوصاً في منطقتنا العربية. بصدق، لا يمكن لإنسان أن يتخيل شكل المنطقة والعالم لو هُزمت سورية. يدرك حلفائنا وأصدقائنا في العالم أن ما نقوم به يتجاوز حدود الدفاع عن سورية، فنحن ندافع عنهم وننتصر لهم، بقدر دفاعنا وإنتصارنا لسورية، لذلك لا تصدقوا أي كلمة عن تراجع في موقف حلفائنا، أو تخليهم عن دعمنا في هذه المعركة المصيرية. وضعنا السياسي والعسكري الحالي أفضل بكثير مما كنا عليه قبل عام ونصف، وسيستمر هذا التحسن؛ بل سنرى تطورات ميدانية مهمة جداً تقربنا جميعاً من تطهير سورية من هذه الجماعات الإرهابية. كونوا على يقين، لن نترك شبراً واحداً بأيد هؤلاء القتلة، ولن نترك أحد ممن إعتدى على سورية بلا حساب. هذه الجماعات الإرهابية المسماة داعش، تعرفون بأن لا علاقة لها بالإسلام، إنها أداتهم المحدثة للحرب على سورية، لقد كان إفتقارهم لمركزية القيادة، وتوحيد قرار وحركة الجماعات الإرهابية التي قاتلناها قبل ظهور داعش مشكلة أساسية لدى مشغليهم، اليوم، هم يحاولون تجاوز هذه المشكلة بتجميع كل الجماعات الإرهابية تحت هذا الإسم الجديد، وتحت إمرة قيادة واحدة. مثلما هزمناها مجموعات، سنهزمهم وهم جماعة. داعش تشكل المظهر الأكثر وضوحاً، لضعف وعجز واشنطن وأدواتها. من ينظر إلى مواقف واشنطن المتناقضة والمتغيرة، وكذلك مواقف أدواتها، وتضارب مصالحهم، ورغبة كلّ طرف منهم بالنجاة ولو على حساب الآخرين... يعرف حجم تخبطهم، وفقدانهم القدرة على المبادرة والفعل. سمعتم الكثير من الكلام عن منطقة عازلة، ومنطقة حظر للطيران، أقول لكم بإختصار، صواريخ الباتريوت موجودة في تركيا منذ أكثر من عام، ماذا قدمت للمنطقة العازلة أو حظر الطيران؟ لا شيء. منطقة حظر الطيران تعني أن من سيفرضها قد إتخذ قراراً بالحرب، ومَن مِنهم قادر على ذلك؟ الحرب على سورية، لم تعد حرباً يمكن أن تخوضها أمريكا منفردة أو مع أدواتها على سورية الوحيدة؛ بل ستتحول منذ اللحظة الأولى إلى حرب إقليمية، ولن تنتظر طويلاً للتحول إلى حرب عالمية طاحنة. هم يعرفون ذلك جيداً، وهذا ما يفقدهم صوابهم، ويزيد من خسائرهم. هذا هو الحال مع أمريكا، فكيف سيكون الحال مع أردوغان؟ هو أتفه من أن يكون له موقع في المعادلة، ما هو إلا عبد ذليل لواشنطن، ومتعصب أعمى يأكله الحقد، وتفقده الكراهية وجنون العظمة أي قدرة على المراجعة ونقد الذات. والمؤسف بأنه بات يأخذ تركيا معه إلى الإنفجار الداخلي والتفكك. لقد دفعنا ثمناً غالياً جداً للحفاظ على سورية، مقاومة، مستقلة، سيدة، مالكة لقرارها الوطني، متنوعة منسجمة كما كانت دائماً... وسننتصر، ولا خيار لنا سوى الإنتصار، لأن البديل يعني فيما يعنيه، أن كل ما دفعناه من أرواح ودماء ودمار مجرد نموذج صغير لما سيحدث. والنماذج كثيرة جداً حولنا. نحن نقف على مشارف نهاية الحرب، وإعلان الإنتصار، وفي هذه المرحلة يلقي كلّ طرف من أطراف الحرب بما يملك من أوراق قوة، وعناصر صمود وإنتصار، وأنتم مصدر قوتنا، والأساس المتين لصمودنا وإنتصارنا. رحم الله شهداء سورية الأبرار، وحمى جنودها ورجالها الأشاوس. ستتعرضون للكثير من التهويل، والحرب النفسية، وستشتد في قادم الأيام، وستكونون أنتم أهم أهدافها، والغرض الأول لها. كونوا كما عهدناكم دائماً، رجال المهمات الصعبة، وحراس الجمهورية، ونسورها التي لا تضام. نصف ساعة مضت، وكأنها لحظات. سكتت فيها جبهات القتال، وكأنها كانت تنصت بحرص شديد لكل كلمة يقولها سيادته، حتى الأعداء صمتت بنادقهم، ربما رغماً عنهم. بينما يهم سيادته بالمغادرة، وخلال مصافحته للجنود والضباط، ناديته: سيادة الرئيس، أتسمح لي بسؤال؟ إلتفت إلي وقال ضاحكاً: تفضل، ولكن بشرط، أن لا يتبع السؤال سؤال آخر، وأن تبقى بذات اليقظة والهمة، فلا تفكر طويلاً بالسؤال والجواب. قلت: أمرك سيدي، سؤالي، ما هو السبب وراء تأكدك من إنتصارنا؟. بلا تردد قال: صبركم، وصمودكم، وتضحياتكم، وإيمانكم، ومن خلفكم، صبر وصمود وإيمان عوائلكم، ومعرفتي بنفسي، بأني لن أفرط بذرة من ذلك كلّه. ثم إستدار، ومضى بخطواته الواسعة، وقامته الممشوقة كالسيف، وكأنه كان على علم بأن هذا هو الجواب الذي كنت أبحث عنه. هل عرف حقاً؟ حتماً هو يعرف، أولا يعرف القادة الكبار ما يدور في خلد جنودهم؟. سمعت بأن سيادة الفريق بشار حافظ الأسد قد زار أحد الجبهات الساخنة، قررت أن أكون حيث كان، وأن أكتب ما ظننته قد حدث. سامحني سيدي الرئيس على جرأتي، وليسامحني كلّ من إعتقد بأن هذا ما كان. عفواً، ومن قال بأن هذا لم يكن؟ أليس هذا ما كان؟ ربما.

الملفات