2024-03-19 12:11 م

أمريكا وروسيا...وسورية في قلب العاصفة

2014-10-23
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي
اليوم نحن أمام حرب فريدة في مفهومها وتركيبتها وتكوينها ، فهي مبعثرة في الأهداف والإتجاهات والتوجهات، وفاقدة لترتيباتها الجوهرية، وهي موزعة ومشتتة في مشهدها الجيو سياسي، كما أن لاعبيها باتوا متعددين في مستوياتهم وأساليبهم، ولكن تبقى المصلحة هي الموجهة لمختلف اللاعبين سواء في السعي لخلق حالة من الأمن والاستقرار أو حالة الفوضى وإنعدام النظام، خاصة عندما يكون لكل لاعب حساباته الخاصة والإستراتيجية في اللعبة، وفي ظل الحرب المستمرة على تنظيم الدولة الإسلامية في سورية والعراق، علينا أن نعي حقيقة إن كل ما يجري في المنطقة هدفه التنافس والصراع على مستقبل كل من سورية والعراق، لحسم مسائل إقليمية شائكة تتعلق بإيران ، وروسيا وبالتالي تحقيق الشرق الأوسط الجديد. لا يزال التنافس والصراع على سورية هو الذي يتحكم بمسار العلاقات الإقليمية والدولية وما تؤول إليه سواء من نزاعات أو توافقات بين الدول، فبعد أربع سنوات على إندلاع الصراع في سورية لا تجد واشنطن وموسكو لغة مشتركة عن سورية بإستثناء الإتفاق الكيميائي الذي بقي محصوراً في النطاق التقني من غير أن يتعداه الى السياسة، كما أن الدول الخليجية وتركيا من جهة وإيران من جهة أخرى، إستعصى عليها حتى الآن إيجاد ما تتقاطع عليه بالنسبة الى الأحداث السورية، ومن هذا المنطلق فإن إطالة أمد الحرب في سورية كانت سبباً مباشراً لتأجيج الطائفية والمذهبية في المناطق المجاورة، وأتاحت للجهاديين فرصة إعلان الخلافة، وهو ما إستتبع رداً أميركياً بتشكيل ائتلاف دولي - عربي لمقاتلة الجهاديين، وفي هذا الإطار بات الربط محكماً بين مآل النزاع في سورية ومصير دول أخرى في المنطقة، فالخليج وتركيا لن تقبل بأن يكسب الأسد وإيران وحلفاؤهم الحرب في سورية، وأكبر دليل على ذلك هو تفلت الرئيس أردوغان من الإئتلاف الدولي بعدما شعر بأن من شأنه أن يقوي النظام السوري ويضعف المعارضة، وبالمقابل فإن واقع الصراع الإقليمي ينطبق على أميركا وأوروبا من جهة وعلى روسيا من جهة أخرى، فواشنطن وعواصم أوروبية لا ترى من السهل عليها جعل موسكو تكسب معركة سورية، لان ذلك يعني تسليماً من الغرب بإنهيار النظام وسياسته العالمية وبروز روسيا كقوة عظمى في العالم تضاهي قوة واشنطن، لذلك عملت الولايات المتحدة بكل ما بوسعها على إشاعة الفوضى الخلاقة وتحويل الأزمة الى حرب إستنزاف طويلة الأمد لبلورة الصورة المستقبلية خصوصاً أنّ الحرب السورية إندلعت على خلفيات تمرير الخط النفطي عبر أراضيها الذي يربط المتوسط بجنوب أوروبا، ما يعني بصورة أو بأخرى أن روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء التدخلات الأميركية الجديدة التي أثمرت حتى الآن تحالفاً عريضاً يمكن الركون إليه لتأسيس خريطة سياسية جديدة في العالم العربي والخليج النفطي من دون أن يعني ذلك أن روسيا ستتراجع عن مشروعها في المتوسط والقائم على إعادة التوازن السياسي والإقتصادي مع أميركا من خلال تواجدها العسكري المؤثر والفاعل في المتوسط، كما أن الموقف الإيراني المترقب بحذر شديد لكل ما يحصل في المنطقة من عودة قوية للنفوذ الأميركي يعتمد من الأساس على سياسات النفس الطويل التي عادة ما ترهق الولايات المتحدة وتدفعها الى تغيير سياساتها على غرار ما حصل في السنة الأخيرة حيث توافقت واشنطن مع طهران على أسس كثيرة ترجمتها الأولى بالإفراج عن أرصدة مجمّدة فيما ردت عليها الثانية بمزيد من الدعم العسكري والسياسي لسورية ما يطرح أكثر من علامة إستفهام حول التقاطعات الإقليمية الدولية وماهيتها في هذه المرحلة الراهنة. في سياق متصل يمكنني القول أن المخاوف الروسية من إسقاط النظام السوري تتأتّى لإدراك روسيا أن ذلك ليس هدفاً بحدّ ذاته لدى الإدارة الأميركية، بل هو إحدى المراحل على طريق تحقيق مهمة واشنطن الرئيسية الكبرى في إضعاف موقع روسيا وإنهاك إقتصادها بكل الوسائل الممكنة منذ إندلاع الأزمة في سورية، لأن دمشق تعرقل مدّ خطّ أنابيب للغاز من قطر عبر السعودية والأردن وسورية إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ثمّ إلى جنوب أوروبا، والذي يهدف إلى إفشال مشروع مدّ خط "السيل الجنوبي" الروسي للغاز، أياً كان الأمر، فأن موسكو تصر على مناشدة الأسرة الدولية من أجل التخلي عن سياسة المعايير المزدوجة، وعدم توصيف الإرهابيين إلى من هم مع، ومن هم ضد، وعلى وجه الخصوص، فإن روسيا تحارب الإرهاب منذ زمن وبشكل منظم وتساعد دولاً أخرى لمكافحة الخطر الإرهابي، بما في ذلك تقدم المساعدات الكبيرة لسورية والعراق ولبقية بلدان المنطقة من أجل تعزيز أمنها، وسوف تواصل روسيا مساعيها هذه، ولكنها لن تنضم إلى أي "ائتلاف" تم تشكيله خارج نطاق مجلس الأمن في الأمم المتحدة وانتهاكاً للقانون الدولي، وبالتالي فإن موقف روسيا الرسمي الرافض لأي عمليات على الأراضي السورية سواء كانت تركية أو أمريكية أو غيرها دون موافقة الحكومة السورية ثابت لا يتغير، كما أنه بموجب جميع الاتفاقيات مع سورية لن تتخلى روسيا عن دمشق ولن تتركها لوحدها أبداً، ولذلك فإن عملية بناء أو إعادة بناء نظلم إقليمي أو دولي في المنطقة تبدو محكومة بنجاح أو فشل سياسة المحاور أهمها، المحور الدولي الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، ثم التحالف العربي والخليجي مع أمريكا ، بالإضافة الى المحور الروسي والإيراني والسوري ، وتنظيم حزب الله اللبناني، بالإضافة الى المحور التركي، حيث تحاول تركيا كبح التمرد الكردي على حدودها وأراضيها لذلك فهي تسعى لتكون لاعب إقليمي مؤثر في رسم مستقبل العراق وسورية ومعالجة المسألة الكردية الهم المؤرق لتركيا ومخططي السياسات فيها، فضلاً عن محور التنظيمات الجهادية ، ومسمياتها المتعددة وهذا المحور غير المتناسق إستراتيجيا ً وغير الموحد في مشهده الجيوسياسي، يحاول كسر قواعد النظام الإقليمي والدولي بتخطيه للحدود الدولية. كما لم تستطع كل محاولات الحلف الأميركي ـ السعودي الحد من النفوذ الروسي ـ الإيراني المتنامي في المنطقة، على الرغم من محاولات الإعاقة التي مارساها، سواء بإستخدام الأوراق التي بحوزتهما ومنها الورقة الإرهابية، أو العقوبات السياسية والإقتصادية، رغم ذلك فالنفوذ الروسي ـ الإيراني يتقدم بإضطراد، تجلى ذلك بصمود النظام السوري بوجه محاولات الإسقاط، وبتحقيق إنجازات سياسية وميدانية، وبقطع اليد الغربية عن العبث بالحديقة الأمامية لروسيا في أوكرانيا، والنجاح في إعادة صياغة الواقع السياسي في اليمن والسيطرة على باب المندب، ومنع سقوط بغداد ولبنان بيد الإرهابيين. وأخيراً يمكنني القول ستبقى المنافسة، التصادم، الضغط المتبادل وإنعدام الثقة من جهة، الالتقاء وتقاسم المصالح من جهة ثانية، ميزة العلاقات الروسية الأمريكية، ومن المؤكد إن هذه المواجهة ستتبلور أكثر عبر سورية، ويبقى رسم حدود النفوذ الدولي هو الهدف، على أية حال ربما يسهم إنتصار السياسة الخارجية الجديدة لروسيا في إنبثاق عالم جديد, قائم على التعددية القطبية وإنهاء نظام القطب الواحد في العلاقات الدولية، وأن المرحلة الحاسمة لا بد بأنها قادمة ويبقى الخلاف حول توقيت تلك اللحظة.
Khaym1979@yahoo.com