2024-03-19 11:10 ص

سقوط سورية....سيناريو مطبوخ ومصير مجهول!!

2014-10-25
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي
في سورية تتدهور الأمور من يوم الى أخر ولا تلوح إمكانية السيطرة على الأوضاع في الأفق القريب، وهذا البلد العربي يجلس على كف عفريت إما أن يرتب أوضاعه سلمياً أو سينزلق الى حرب مدمرة ويلحق بدول عربية أخرى، في سورية تدور حرب أهلية طاحنة حصدت الأخضر واليابس وقتلت وجرحت مئات الألوف وشردت ملايين السوريين ودمرت مدن وقرى كثيرة، خاصة بعد تداخل وتشابك أسباب إندلاعها بهذا الشكل المخيف، إذ أزاحت هذه التطورات الغطاء عن ماهية القوى والدول التي تدير سورية سياسياً وعسكرياً، فإذا كان الغرب مهد الطريق أو زرع النواة الأولى لمجتمع سوري منقسم بهدف تفتيته، فإن إسرائيل وبعض الدول الخليجية ووفق إستراتيجية المصالح المشتركة مع واشنطن عززت من هذا التوجه بل دافعت بكل ما تملك من وسائل مشروعة وغير مشروعة في تكريس سيناريو تفتيت سورية، من خلال زرع داعش في المنطقة، وتصعيد حدة الصراعات السياسية وتكريس السياسات الطائفية التي إعتمدت على الميليشيات المسلحة. اليوم تخوض الولايات المتحدة "لعبة خطرة" بتضخيم "خطر داعش" وبالسعي لتحقيق أهداف أخرى غير القضاء عليه لذلك نرى أن الولايات المتحدة تضخم من خطره وتقول أن القضاء عليه يتطلب وقتاً طويلاً وتحالفاً واسعاً لكي تستطيع تحجيمه وإنهاء خطره، ولكن الحقيقة الواضحة أن المستهدف الأول قبل داعش هو الجيش السوري وقوّة سورية العسكرية لإسقاط الرئيس الأسد، لذلك لا نستبعد أن تكون الولايات المتحدة وإسرائيل قد وقعت إتفاقيات إستباقية مع المعارضة السورية المرشحة لإستلام الحكم بعد الأسد حسب السيناريو الأمريكي بشروط رخيصة للتنقيب عن النفط والغاز بإمتتيازات طويلة الأجل، بالتالي إن هذا السيناريو الذي ينوي إسقاط نظام الأسد عن طريق داعش وملحقاته هو كابوس مرعب بالنسبة لسورية وروسيا وايران وحزب الله في لبنان، لذلك أثبتت سورية ضمن المعطيات الحالية إنها قادرة على الوقوف في وجه داعش والنصرة وغيرهم، ولكن اذا دخلت معطيات جديدة مثل صواريخ أمريكية بعيدة المدى وضربات جوية مكثفة لقواعد ومواقع عسكرية سورية فإن الميزان سينقلب لصالح داعش وقوى المعارضة مع ضخ قوات جديدة وأسلحة جديدة من تركيا والأردن، إن هذا التطور الجديد إذا حدث يتطلب إجراءات مماثلة من حلفاء سورية روسيا وايران وحزب الله، فروسيا تستطيع تحريك أسطولها البحري الى الموانئ السورية وتكون على اهبة الإستعداد إذا تعرضت سورية لضربات جوية ضد جيشها وقوتها العسكرية، والأغرب من كل هذا هو أنه، وفي ظل كل الأعمال الوحشية والإجرامية، وتدفق كل أنواع الأسلحة والمرتزقة عبر تركيا الى سورية، فإن المجتمع الدولي يقف مكتوف اليدين، ولم يصدر حتى إدانة واحدة لهذه النشاطات الإرهابية التي تدخل في إطار إرهاب الدولة، وهو يعرف أن هذه الأعمال، أسست لظهور "دولة العراق والشام"، ويعلم أيضاً أن أوروبا والولايات المتحدة اللتين تحاولان إسقاط النظام، لن تكونا في مأمن من نتائج ما يجري في سورية اليوم، ويعرف أن هذا الصمت الدولي هو ضرب من ممارسة المكابرة اللأخلاقية، وغض النظر عن كل الجرائم التي تقوم بها الميليشيات التي نمت وترعرعت تحت رعايتهما، إما مباشرة بإحتضانهما لها قبل تغيير النظام، أو بالسماح للدول الراعية للإرهاب الإسلامي في المنطقة من دعم وتأسيس دولة القاعدة في سورية، ذات الإمكانيات الإقتصادية الهائلة. لكن الأهم من هذا كله، هو أن هذه التطورات السياسية والعسكرية في سورية سيكون لها تداعيات ربما تتجاوز في تأثيراتها السلبية حدود المواجهة المسلحة بين الحكومة والتنظيم، ومن أهم هذه التداعيات، إنتقال عدوى المواجهات المسلحة في سورية إلى دول الجوار، خاصة أن الصراع أخذ بعداً طائفياً، وباتت المواجهة الآن بين كفتين الأولى النظام السوري وما يدعمها من إيران وروسيا وحلفاؤهما، والثانية تنظيم داعش وما يدعمه من دول مثل أمريكا وتركيا والخليج وحلفاؤهما في المنطقة ، فالذي يجري الآن في سورية حسب العقيدة الإستراتيجية الأمريكية، سيشتت جهود وقوة سورية وإيران وحزب الله فيما يسمى بخط وجبهة الممانعة، ومن هنا يدخل التنظيم الجهادي على خط اللعبة الإقليمية بصفته القوة الأولى التي تقف في وجه النظامين العراقي والسوري وحزب الله، وإذا ما نُظر إلى "الدولة الإسلامية" التي تقيم حدودها بين المحافظات السورية الشمالية والشمالية الشرقية إمتداداً إلى محافظات الوسط العراقي، فإن حدود "داعش" تكسر المحور الإيراني العراقي السوري حزب الله، ولم تكن إزالة مقاتلي "داعش" للحدود بين محافظتي نينوى العراقية والحسكة السورية إلا دلالة رمزية على ما يعتزم التنظيم المتشدد فعله لتوطيد أركان دولته، وبالتالي فالدعم الأمريكي لداعش لم ينقطع يوماً إما بشكل مباشر أو غير مباشر، بهدف إمتلاك ورقة ضغط دائمة على إيران وروسيا وتحجيم نفوذهما الإقليمي والدولي الصاعد. وإنطلاقاً من ذلك فإن "داعش" خلط الأوراق ليعيد رسم المنطقة من جديد، بين خطر التقسيم المذهبي وتغيير ميزان التفاوض بين الدول، فالذي يحدث الآن هو مخطط غربي مدروس بعناية لإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط من جديد من خلال مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو ما يحدث حالياً من تدمير في ليبيا وسورية ومصر والصومال واليمن ومن قبلهم العراق ومحاولات تدمير القدرة العسكرية العربية، مما يؤكد أن ما يحدث في سورية يأتي ضمن سعي الغرب لإعمال سيناريو التفتيت للمنطقة العربية. وبناءاً على المعطيات التي ذكرتها، وبما أنّ فرص تعديل موازين القوى أمر قد يصعب تحقيقه في هذه المرحلة، فإنّنا نرى أن الجهد الأميركي فيها سوف يتركز على إبقاء الوضع العام في سورية في حالة إستنزاف لإنهاك النظام من خلال الأعمال العسكرية والتفجيرات الأمنية في مختلف المحافظات والسعي للحفاظ على ما تبقى من مناطق تحت سيطرة داعش، وسوف يستفيد منه من أجل القضاء على التكفيريين والجهاديين لإنهم أصبحوا يشكلون خطراً كبيراً على المجتمع الأميركي والأوروبي، لأن أعدادهم اصبحت كبيرة ويملكون خبرات قتالية عالية، وبالتالي أعتقد بأن الأميركيين سيحاولون الإستفادة من هذه المرحلة لإحداث تغيير في المعطيات لتحقيق أمن إسرائيل والسيطرة على ثروات المنطقة العربية. وأخيراً أرى أن الأزمة السورية مستمرة ولا حلول لها في المدى القريب، وذلك من خلال تقديري لتطورات الأزمة والعقبات التي تفرضها أمريكا وحلفاؤها لنشر الفوضى الخلاقة في سورية، وبالتالي لا أحد يملك إجابة مباشرة ومفرحة لمستقبل سورية بالمدى المنظور، لكن الأكيد أن إرتهان إرادة سورية للخارج ستضمن بقاءها بالمجهول، فمستقبل سورية يحدده أبناؤه وحدهم، إلا أنه الأمل الوحيد لتحديد بوصلة وطنية سورية جديدة، تخلص سورية من طائفية ومن هيمنة الغرب ومن إرهاب داعش، وبإختصار شديد يجب على الجميع أن يدرك ويستوعب خصوصاً في هذه الظروف الصعبة أن سورية لا تبنى بالشعارات ولا بالأحقاد ولا بالحروب، بل بالسلام والحوار والتسامح والمحبة والإخاء والتعاون والشراكة، ومعالجة جروح الأزمات بإعادة الإعتبار لقيم الإنتماء والتسامح والتلاحم الوطني والتوحد حول المشروع الكفيل بمجابهة الهجمة على بلدنا وشعبنا وأمتنا وبناء المستقبل الزاهر.
Khaym1979@yahoo.com