2024-03-28 04:24 م

الهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية.....العوامل الاقتصادية وتلاقي المصالح السياسية

2014-10-26
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
التراجع والهبوط المتسارع في أسعار النفط في الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة أثار العديد من التساؤلات المشروعة حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، حيث انخفضت أسعار برميل النفط الخام في الأسواق العالمية بنسبة حوال 25% في فترة زمنية بسيطة، ما بين يونيو حيث وصل سعر البرميل الواحد 115$ الى ما يقارب 85$ في أكتوبر, نقول تساؤلات مشروعة لأننا قد تعودنا ان أي اضطرابات تؤدي الى عدم استقرار أو حروب في الشرق الأوسط الذي يمتلك ما يقارب من 47% من مخزون الاحتياطي العالمي، كانت تؤدي دائما الى ارتفاع في أسعار النفط في الاسواق العالمية. وأقرب ارتفاع شهدته الأسواق العالمية حدث مؤخرا عندما سقطت الموصل بأيدي مقاتلي "داعش" في يونيو الماضي، حيث ارتفع سعر برميل النفط الخام من 109$ الى 115$. وسابقا ارتفعت أسعار النفط العالمية عندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق 2003، وكذلك عندما شنت قوات "التحالف" حرب الخليج الأولى عام 1991 "لتحرير" الكويت. وذكرت العديد من مراكز الابحاث المتخصصة بالطاقة أن سعر برميل البترول يمكن ان يقفز الى 200$ في الاسواق العالمية فيما إذا تم الاعتداء على إيران من قبل الولايات المتحدة او ربيبتها الكيان الصهيوني. لكل هذه التجارب السابقة المتعلقة بالمنطقة وبأسعار الطاقة، كان من الطبيعي ان يتساءل البعض على الأقل لماذا نشهد الانقلاب الحاصل على المسار الذي درجت عليه الأمور لعقود من الزمن؟ مما لا شك فيه ان هنالك أسباب اقتصادية محضة والتي في مجموعها ترشح الانخفاض في الأسعار العالمية للنفط. وهذه يمكن ايجازها بسببين رئيسيين: أولهما الانخفاض على طلب هذه السلعة الاستراتيجية في الأسواق العالمية، من قبل دول الاتحاد الأوروبي التي ما زالت تعاني من حالة الركود الاقتصادي التي مرت بها عام 2008 والتي لم يتسنى بعد للعديد منها من التخلص من آثارها المدمرة على اقتصادها. يضاف الى ذلك تباطىء معدلات النمو الاقتصادي للصين. وهذا الوضع الاقتصادي أفضى الى تراجع معدلات الطلب على البترول في كلتا الحالتين. وإذا ما اخذنا الصين على سبيل المثال ، فان معدلات النمو التي كانت متوقعة في الطلب على البترول الخاصة بالربع الأول والثاني من هذا العام، والتي نشرت في يناير من هذا العام كانت 4% و 3.3% بالترتيب، ولكن الأرقام الفعلية كانت 2.2% و 1.8% على الترتيب. ولقد تراجعت أيضا التوقعات للربع الأخير من هذا العام من 4.6% الى 2.9% بحسب وكالة الطاقة الدولية. السبب الثاني يكمن في وجود كميات كبيرة في الأسواق العالمية، وحيث ان الأسواق العالمية تخضع للقوى العمياء للسوق، بمعنى خضوعها للعرض والطلب، فانه من الطبيعي ان نتوقع انخفاضا في الأسعار العالمية للبترول الخام. ويعود وجود الكميات الضخمة في الأسواق العالمية الى تدني الكميات التي كانت الولايات المتحدة تستوردها من السعودية بالأساس الى جانب نيجيريا، وذلك لتمكن الشركات الامريكية من استخراج كميات هائلة من البترول والغاز الصخري المتواجد على السواحل الامريكية بعد التقدم الذي حصل في تقنية الحفريات، والذي وضع الولايات المتحدة في مصاف الدول المستخرجة للبترول من أراضيها بحيث أصبحت تنافس روسيا والسعودية. فقد ارتفع الإنتاج المحلي للولايات المتحدة بحسب دائرة الطاقة الامريكية، من 5.7 مليون برميل يوميا عام 2011 الى 8.4 مليون برميل في الربع الثاني من عام 2014، أي بزيادة قدرها 47%، ومن المتوقع أن يقفز الانتاج المحلي الى 9.6 مليون برميل سنويا عام 2020 . وللمقارنة فقط فان السعودية وهي أكبر منتج للبترول بين دول الاوبيك فقد انتجت 9.7 مليون برميل يوميا في سبتمبر الماضي. الى جانب البترول الأمريكي الذي ما زال يستخدم اغلبه للاستهلاك المحلي داخل الأراضي الامريكية حيث لا تصدر الولايات المتحدة اكثر من 400000 برميل يوميا، فان الإنتاج الليبي ارتفع من 240000 برميل يوميا الى حوالي 800000 برميل يوميا وهو مرشح للارتفاع إذا ما استقر الوضع الأمني في ليبيا يوما ما. ومن هنا نجد ان الكميات المطروحة بالأسواق العالمية قد ازداد وخاصة على أثر تحرير ملايين البراميل التي كانت تذهب الى السوق الامريكية من السعودية وغيرها من الدول. أما اعتقاد البعض بان أحد الأسباب يعود الى الأسعار المنخفضة جدا للبترول (25$ للبرميل الواحد من البترول الخام) الذي يتم بيعه من الابار ومحطات التكرير التي استولى عليه تنظيم داعش في سوريا والعراق، حيث يتم تهريبه الى الأسواق العالمية عبر تجار الحرب الاتراك وغيرهم، فانه سبب مردود عليهم لان الكميات التي يبيعها التنظيم لا تتعدى 80000 برميل يوميا في أحسن الأحوال وهذه الكميات هي كمية ضئيلة جدا بتلك المعروضة في الأسواق العالمية. الانخفاض الحاد بأسعار النفط العالمية يستدعي بالمنطق الاقتصادي السليم ان تجتمع الدول المصدرة للبترول، وتتدارس فيما بينها الأوضاع لمنع هذا التدهور لما له من اثارات سلبية ستنعكس على ميزانيات الدول ومداخيلها وخططتها وبرامجها التنموية داخل بلدانها. نقول ان هذا هو المنطق السليم وهذا قد يستدعي الاقلال من الكميات المعروضة بالأسواق وبالتالي فان هذا يعني ببساطة الاتفاق فيما بين هذه الدول على خفض الإنتاج لكل دولة بنسبة معينة لمنع تدهور الأسعار أو ارتفاعها نسبيا لما عليه الان. ولكن الذي يبدو ان هذا المنطق الاقتصادي سيجابه بقوة من قبل السعودية والكويت والامارات التي حددت موقفها حتى قبل انعقاد مؤتمر دول الاوبيك المزمع عقده في نوفمبر. حيث أعلنت هذه الدول انها لن تقوم بتخفيض انتاجها من النفط وأنها ستقف ضد أي مشروع يدعو الى تخفيض الإنتاج للحفاظ على سعر النفط في الأسواق العالمية. وهذا يضع علامات استفهام كبيرة على ما وراء الاكمة، لان هذا ليس في مصلحة هذه الدول المصدرة للنفط والتي قد تفقد جزءا كبيرا من مدخولها. ليس هذا فحسب بل ان المتتبع لما يجري على هذه الساحة يدرك أن السعودية قد بدأت فعليا بخفض أسعار النفط الخام الذي تقوم ببيعه للأسواق الاسيوية والأمريكية وذلك للحفاظ على حصتها بالكامل، وتجبر الدول شراء كميات قد تكون أكبر من حاجتها تحت هذا السعر المخفض. بمعنى ان السعودية أصبحت مهتمة أكثر بالكميات التي تبيعها وضمان حصتها في الأسواق عن اهتمامها بالأسعار المرشحة بمزيد من الانخفاض، على أمل ان تعوض ما تخسره نتيجة انخفاض الأسعار بزيادة حجم مبيعاتها. ومن هنا نرى ان السعودية قررت اعلان "حرب البترول" والسؤال على من ولتحقيق ماذا؟ ولنا ان نتساءل أيضا هل تخوض السعودية هذه الحرب لوحدها أم أن هنالك من يخوضها معها؟ وما مصلحة كل من هذين الطرفين وأين التقاطع في هذه المصالح الاستراتيجية؟ ونقول استراتيجية لأننا لا نتحدث هنا عن بيع بطاطا او بندورة (مع كامل احترامنا لمصدريها ومستهلكيها)، بل نتحدث عن بيع سلعة استراتيجية. ربما العودة الى حدث تاريخي اعتبر زلزالا سياسيا غير مسبوق وهو انهيار الاتحاد السوفياتي الذي بدأ عام 1985 من القرن المنصرم، قد يلقي الضوء على استخدام سلاح النفط لتحقيق مآرب استراتيجية. فهذا الحدث وبحسب العديد من المحللين أتى على خلفية عمل مشترك بين الولايات المتحدة والسعودية. في هذا العام رفعت السعودية من انتاجها النفطي من 2 مليون برميل يوميا الى 10 ملايين برميل يوميا، مما أدى الى هبوط حاد في سعر برميل البترول الخام في الأسواق العالمية من 32$ الى 10$، واضطر الاتحاد السوفياتي عندها لبيع بعض الكميات 6 دولارات. كانت ضربة قاسية تلقاها الاقتصاد الروسي المبرمج والذي كان يخضع لعملية تخطيط، ولم يستطع استيعابها وكانت احدى الأسباب الرئيسية لانهيار الاتحاد السوفياتي. نعيد التذكير بهذه الحادثة مع تقديرنا ان الظروف الاقتصادية والمناخ السياسي الدولي السائد الان يختلف اختلافا جذريا لما كان عليه عام 1985، ولكنه من المفيد ان نستذكر التاريخ واحداثه، لان فيه استشراق للمستقبل، وفائدة في فهم الديناميكية على الساحة الدولية والمصالح الاستراتيجية التي تحرك الأمم والشعوب. لسنا بحاجة الى كتابة المزيد لتبيان ان السعودية قد بذلت كل ما لديها من جهد ومال وقامت بتوظيف علاقاتها الدولية السياسية والدبلوماسية واعلامها ومنابر مساجدها، واموال البترو دولار في تجنيد وتدريب وتسليح إرهابيين جمعتهم من كل أرجاء العالم، وقامت بإرسالهم الى سوريا بهدف اسقاط الدولة السورية، لتشفي غليلها وحقدها الاعمى وثأرها القبلي في محاولة بائسة ويائسة لضرب ما سمته "الهلال الشيعي"، وهي التي حولت وحرفت الصراع في المنطقة الى صراع "سني-شيعي" بالرغم من ان الصراع في جوهره سياسيا وليس طائفيا او مذهبيا، وكان وما زال الصراع العربي – الصهيوني هو لب وجوهر الصراع في منطقتنا، مهما حاول المضللون اخفاؤه. كما وأننا لسنا بحاجة لمزيد من الكتابة لتبيان أن السعودية قد بذلت كل جهدها وما زالت لمنع حدوث أي تقارب او تفاهمات بين إيران والدول الستة الكبرى حول برنامجها النووي وخاصة التقارب مع الولايات المتحدة. كل هذا لان الوصول الى اتفاقية نهائية تعني عودة إيران لاعبا رئيسيا ذو ثقل ووزن على الساحة الإقليمية والدولية والأهم من ذلك أن ذلك سيكون باعتراف دولي. وفي هذه الحالة سترفع كافة العقوبات عليها وتعود صادرات البترول والغاز الى ما كانت عليه سابقا وربما أكثر. وترى السعودية في هذا تهديدا لمكانتها ودورها الإقليمي من طرف والى عودة منافس قديم في مجال تصدير الطاقة من جانب آخر، وهي التي بنت سياستها الخارجية طيلة هذه السنوات على أساس ان الولايات المتحدة ستبقى على عداء دائم مع الجمهورية الإسلامية في إيران. السعودية تدرك أيضا أن إيران وروسيا تدعمان بشكل علني وواضح الدولة السورية على جميع الأصعدة، وان كلا البلدين لا يتركان مناسبة الا ويؤكدان دعمهما للدولة السورية ولخيار الشعب السوري، وبأنهما لن يسمحا بتكرار التجربة الليبية. ولقد حاولت السعودية وبكل وقاحة متناهية شراء الموقف الروسي وذلك من خلال اغراءات مادية وعقد صفقات تجارية واسلحة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، وضمان عدم منافسة الغاز والنفط الروسي التي تصدره الشركات الروسية الى دول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة الى ضمان السيطرة على ولجم المقاتلين الإرهابيين من الشيشان ومنعهم من افشال الدورة الأولمبية الشتوية التي أقيمت في روسيا. هذا ما حمله وتضمنته الزيارة التي قام بها سابقا امير الارهاب بندر بن سلطان عندما استلم الملف السوري. هذه المحاولات باءت بالفشل الذريع فروسيا وبوتن ليست فرنسا وهولاند الانتهازي الذي ينتظر المكارم الملكية
أما الولايات المتحدة فان همها الأكبر اليوم هو محاولة توجيه ضربة مؤلمة لروسيا التي بدأت تأخذ دورها الفاعل والوازن على الساحة الدولية. هذا الدور الذي يتعزز بعلاقاتها الاستراتيجية مع الصين التي أصبحت تتبوأ المركز الأول في الاقتصاد العالمي، الى جانب ظهور تكتلات اقتصادية عملاقة مثل دول البريكس ومنظمة شنغهاى وغيرها والتي تلعب بها روسيا دورا رئيسيا وفاعلا. وكل هذا أدى الى كسر الاحتكار والهيمنة الامريكية المطلقة على الساحة الدولية التي تمتعت فيها الولايات المتحدة لأكثر من عقدين من الزمن بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وظهور ما سمي بعالم القطب الواحد. وخير دليل على تعزيز الدور المشترك الروسي الصيني على الساحة الدولية هو استخدام الفيتو المزدوج في مجلس الامن في الأمم المتحدة والذي منع الولايات المتحدة وزبانيتها من شن العدوان على سوريا وتدمير الدولة السورية وتغيير النظام كما كان الحال مع ليبيا. ولقد كتب الكثيرون عن الدور الأمريكي في احداث أوكرانيا وتطور الاحداث وما الت اليه الأحوال الان. ومن الواضح أن التدخل في أوكرانيا لا يمت الى نشر الديمقراطية المزعومة، بل هدف بالأساس الى محاصرة روسيا وخلق بؤرة للتوتر على عقر دار روسيا لحرف انظارها وانشغالها لحماية حدودها وبالتالي الحد من دورها الفاعل على الساحة الدولية، هذا بالإضافة الى بعث الحياة في حلف الناتو وإبقاء الدول الأوروبية تحت العباءة الامريكية. ولم يعد خافيا على أحد أن الإدارات الامريكية المتعاقبة كانت وما زالت تحث دول الاتحاد الأوروبي على التخلص من الاعتماد الكلي على مصادر الطاقة الروسية من غاز وبترول، والعمل على تنويع مصادر الطاقة. وعلى حسب تصريحات نائب الرئيس الأمريكي بايدن الأخيرة أن الإدارة الامريكية عملت على الضغط على دول الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا بسبب المواقف من اوكرنيا. ومن كل هذا نستخلص ان هنالك تقاطع والتقاء بين ما تصبو الى تحقيقه كل من السعودية والولايات المتحدة، وبالتالي فان سلاح النفط يكمن ان يكون سلاحا فعالا إذا ما أحسن استخدامه للضغط والابتزاز السياسي لكل من ايران وروسيا في آن واحد. ولذلك لن يكون من المستغرب او المستهجن أن يكون هنالك صفقة سرية ما بين الدولتين على استخدام سلاح النفط وخاصة فيما يتعلق بالأسعار العالمية له. وليس سرا بأن روسيا كما هي إيران تعتمد الى حد كبير في اقتصادها على تصدير البترول والغاز. ويشكل تصدير الغاز والبترول ما يقارب من 70% عائدات تصدير السلع الروسية. ولقد ذكرت صحيفة برافدا الروسية مؤخرا بأن انخفاض سعر برميل البترول الخام ب 12$ سيؤدي الى خسارة مقدارها 40 مليار دولار لخزينة الدولة الروسية. ومن المعروف ان الميزانية للدولة الروسية للعام 2015 قد بني على توقع ان يكون سعر برميل البترول الخام 100$، وبالتالي فان انخفاض السعر الى ما دون ذلك سيزيد من الضغط على الاقتصاد الروسي الذي يعاني من عقوبات اقتصادية جائرة من قبل الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي، خاصة وأن المرحلة الثانية من العقوبات بدأت تشتمل على قطاع الطاقة الى جانب قطاعات إنتاجية أخرى. هذا بالرغم من وجود تصدع حاصل في مواقف الدول الأوروبية من العقوبات على روسيا وتردد بعضها من الذهاب بعيدا وراء ما تبتغيه الإدارة الامريكية مثل هنغاريا وسلوفاكيا وحتى بولندا. أما ايران فيكفي أن نشير ان العقوبات التي فرضت علها من قبل الولايات المتحدة فيما يتعلق بمجال تصدير البترول والغاز أدى الى تراجع المدخول من هذا القطاع من 118 بليون دولار عام 2011-2012 الى 56$ بليون دولار عام 2013-2014 . ومن الطبيعي أن تبقى التفاهمات بين الولايات المتحدة والسعودية في هذه الحرب الغير معلنة رسميا سرية. ولكن المتتبع للأحداث يستطيع ان يستشف مظاهر او مواقف تنم على ان هنالك شيئا في المطبخ الأمريكي السعودي. وهذه المؤشرات يجدر التوقف عندها والتمعن بدلالاتها. وبعض هذه المؤشرات يمكن اجمالها بما يلي: 1. بدء السعودية بتخفيض أسعار البترول التي تبيعها للدول الاسيوية وأمريكا من طرف واحد وخارج اطار الاوبيك. وفي هذ الاطار ذكر مدير مركز السياسات النفطية والتوقعات الاستراتيجية في الرياض لوكالة الانباء "الاناضول" التركية حول تخفيض أسعار مبيعات النفط السعودي "بأن المملكة السعودية تسعى للضغط السياسي على ايران وروسيا ان تبيع النفط بأرخص الأسعار" ,أضاف " ن المملكة العربية السعودية تهدف الى دفع ايران لوقف برنامجها النووي واجبار روسيا على تغيير موقفها من سوريا ...". ولقد قام موقع الوعي نيوز اليكتروني بنقل ما جاء في المقابلة. 2. الاستجابة الامريكية للطلب السعودي للقيام بتدريب 5000 مقاتل على الأراضي السعودية من المعارضة السورية "المعتدلة". فالسعودية لم تسقط رهاناتها على اسقاط الدولة السورية بعد وما زالت تضعه على سلم أولوياتها، وهي بهذا تخالف الرأي السائد في الغرب الذي أسقط على الأقل في المرحلة الحالية فكرة اسقاط الدولة السورية وخاصة اسقاط الرئيس الأسد. 3. الدعوة التي أطلقتها السعودية لكل من الدول العشرة لمجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر لمؤتمر في جدة اثناء زيارة وزير الخارجية جون كيري، كان بمثابة التمهيد لإقامة "التحالف الدولي" لمحاربة داعش لاحقا في المؤتمر الذي عقد في باريس بعد هذا المؤتمر بأيام. 4. الاستجابة الامريكية للطرح السعودي بالنسبة للموقف من الرئيس الأسد، حيث عاد كيري كما عاد الرئيس أوباما بالتصريح من أن الرئيس الأسد فقد شرعيته ولن يكون له دور في سوريا، وذلك بعد زيارة كيري واوباما الى السعودية ومقابلة الملك عبدالله. 5. استعداد السعودية لدفع تقريبا كافة تكاليف الحملة العسكرية على "محاربة" داعش. 6. تصاعد نبرة تهجم السعودية على ايران في الفترة الأخيرة، بعد فترة وجيزة تم تبريد الأجواء بينهم من خلال لقاء وزير الخارجية السعودي الهزاز مع وزير الخارجية الإيراني في الولايات المتحدة، والتي استبشر البعض خيرا من هذا اللقاء. 7. الأفضلية التي توليها الولايات المتحدة في المرحلة الحالية للمملكة العربية السعودية بالمقارنة مع تركيا، وخاصة مع التعنت التي تبديه تركيا فيما يخص الانضمام الى "التحالف الدولي" لمكافحة داعش. ويبقى السؤال المطروح الى أي مدى يمكن ان تذهب السعودية والولايات المتحدة في اللعب على أسعار النفط العالمية في حربهما ضد روسيا وإيران؟ لا بد ان نؤكد أن "حرب البترول" الخفية هذه لها محاذيرها ومخاطرها وأنها سلاح ذو حدين وقد تؤدي الى انقلاب السحر على الساحر. كما أشرنا ان هذه الحرب لها جانب اقتصادي بالإضافة الى ابعادها وأهدافها السياسية. وبحسب تقديرات البنك الامريكي ميريل لينش فان على السعودية ان تحافظ على سعر برميل البترول قريب من 85$ دولار امريكي لتفادي العجز في ميزانيتها. ويجب ان نذكر هنا بأن الوضع داخل السعودية يدلل على وجود مشاكل اجتماعية وسياسية لا بد من التنبه لها، وهذه التحديات الداخلية بحاجة الى سيولة نقدية قد تصل الى مليارات الدولارات. بالإضافة الى ذلك فان السعودية عليها التزامات مالية تجاه بعض الدول العربية مثل مصر التي تكلف الخزينة السعودية ربما عشرات المليارات، وهي ترى في أن العلاقة مع الدولة المصرية ودعم القادة السياسية والجيش المصري هي علاقة ضرورية الإبقاء خطر تنظيم الاخوان المسلمين بعيدا عنها، الى جانب ضمان دورها الإقليمي الوازن والفاعل، بالإضافة الى إبقاء مصر قريبة من المواقف السعودية. كما أن هناك العديد من صفقات الأسلحة التي ابرمت مع الولايات المتحدة وفرنسا وهذه بحاجة الى المليارات. وكل هذا يشير الى وجود سقف معين على السعودية أن لا تتجاوزه. وفي تقدير بعض الخبراء فان السعودية والولايات المتحدة وحدهما غير قادرتين على التأثير على أسعار النفط. أما الولايات المتحدة فان محاذيرها الاقتصادية والسياسية قد تكون أكبر من السعودية، وبالتالي هي لا تستطيع الذهاب بعيدا في هذ الامر. ويعود السبب الاقتصادي الى انه في حالة وصول سعر برميل البترول الى السعر القريب من استخراج البترول الصخري الأكثر كلفة من تحت مياه البحار بالمقارنة مع استخراج البترول من اليابسة، فان الدافع لاستخراجه بالنسبة للشركات وهو تحقيق الأرباح يتلاشى وتتلاشى معه عمليات الاستخراج والتنقيب، وبالتالي هذا يعود بالمصائب على الولايات المتحدة. أما السبب السياسي فلا يخفى على أحد ان المنتفع الأكبر من وراء انخفاض أسعار النفط العالمية هي الصين التي تتنازع مع الولايات المتحدة على تبوأ المرتبة الأولى للاقتصاد العالمي وما يحمله هذا من تداعيات على الولايات المتحدة. من المؤكد أن الولايات المتحدة تريد ان تعاقب روسيا على مواقفها سواء في سوريا او في أوكرانيا وغيرها وتسعى الى محاصرتها وتعمل كل ما بوسعها لاحتواء الدور الروسي العالمي والإقليمي، ولكن هذا في تصوري لن يصل الى الحد الذي يجعلها ان تتناسى الاثار المدمرة التي ستنعكس على قطاع الطاقة في الداخل الأمريكي بالإضافة الى المكتسبات الصينية. وهذا بحد ذاته سيضع نوع من الفرملة الذاتية على الحد الأدنى لسعر برميل البترول في الأسواق العالمية والذي يمكن للولايات المتحدة أن تتحمل عواقبه. في الخلاصة نقول أن مصادر الطاقة بشقيها البترول والغاز، تشكل سلع استراتيجية يستطيع من يملكها أو من يسيطر على طرق امدادها، ان يتلاعب بهذه السلع لتحقيق مصالحه الاستراتيجية اقتصادية كانت أم سياسية، والتي في أغلب الأحيان لا يمكن الفصل بينهما، الا أن هذا في نهاية المطاف يبقى محفوفا بمخاطر ومحاذير، وهذه تضع العراقيل امام الاندفاع الجنوني والقبلي والغير محسوب العواقب من قبل البعض.