2024-04-20 06:52 م

هنيئا لتونس..

2014-10-28
بقلم: حدة حزام
ها هو “نداء تونس” يتفوق على النهضة وعلى التشكيلات السياسية الأخرى، في أولى انتخابات برلمانية في تونس بعد الثورة. وتدل كل المؤشرات على أن تونس ما بعد بن علي تسير اليوم على طريق الديمقراطية الحقة، التي حادت عنها بعد مجيء النهضة في انتخابات أكتوبر 2011، وما عرفته بعدها من تطرف وغلو للإسلام الراديكالي الذي استهدف ثلة من أبناء تونس ومن الوجوه السياسية الواعدة، أمثال شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

لكن تونس اليوم استخلصت العبرة وقررت أن ترفع الحاجز عاليا أمام عودة حزب الغنوشي الذي كاد يخنق الأصوات الحرة في تونس طوال السنوات الثلاث التي قاد فيها الحكومة والمجلس التأسيسي، ثلاث سنوات كانت كافية ليختبر التونسيون نفاق الإسلام السياسي ويتأكدوا أنه مقبرة للديمقراطية والمكاسب التي حققتها المرأة التونسية طوال عقود مضت.

وما كان لتونس أن تحقق هذا الاختلاف مقارنة ببلدان “الفوضى العربية” التي سميت اعتباطا بالربيع العربي، لو لم يكن هناك مجتمع واع، ونخبة نشطة ونساء واقفات ساهرات على مصير بلادهن.

وجند الناخبون بقوة وبمشاركة غير مسبوقة ليقطعوا الطريق على النهضة ومثيلاتها، حماية لتونس وضمانا لمستقبلها الأمني.

لن يتفاخر إسلاميو تونس بعد هذه الانتخابات، ولن يتلامزوا على اللائكيين باسم “صفر فاصل صفر” (0.0) التي رفعوها في وجوههم طوال السنوات الثلاث، بعدما حققت النهضة نتيجة كاسحة في انتخابات 2011، لأن النتيجة على الأرض كذّبت كل وعود النهضة التي قطعتها على نفسها قبيل انتخابات 2011. فالذي جنى على النهضة وجعلها تتراجع في الصناديق هو فشلها في تحقيق الأمن في تونس، إن لم نقل احتضانها للتطرف وتشجيعه بالسكوت عليه وحماية المتسببين فيه من جهة، لكن التوانسة صبروا وكابروا وقرروا أنهم مثلما أعطوا أصواتهم للنهضة ووثقوا بها سيغتمنون فرصة الانتخابات مرة أخرى لسحب الثقة منها، ولذلك جاءوا بقوة وانتخبوا بكل وعي، ليس معاقبة للنهضة بقدر ما هو حماية للمكاسب الديمقراطية المحققة في هذا البلد الجميل.

تونس صنعت الاختلاف قلت، خلافا لبلدان الربيع العربي أيضا، لأنها لا تمتلك الثروات الباطنية مثل ليبيا والعراق، تلك الثروة اللعنة التي جعلت هذه البلدان تغرق في التطرف وفي الاقتتال الداخلي، بتشجيع من الدول الإمبريالية التي تريد إحكام سيطرتها على ثروات هذه البلدان، وأيضا من طرف مجموعات المصالح التي استنسخت طرق الديكتاتوريات التي ثارت ضدها، ما جعل عمر الأزمة يطول، وبدل أن نشيد المؤسسات الديمقراطية مثلما يحدث الآن في تونس، حل الإرهاب تحت جميع المسميات، إلى درجة جعل البعض يندم على زمن الديكتاتورية الذي كان أرحم بالشعوب، على ما تعيشه اليوم من قتل على الهوية، ومن قطع للرؤوس وسبي وتهجير.

ثروة تونس شعبها الواعي، وهو اليوم ما صنع الفارق، وما جعل ثورة جانفي 2011 تستعيد اسم الثورة والديمقراطية والشعب التونسي يستعيد أمله في مستقبل آمن.

فهنيئا لتونس ولشعبها العظيم!

عن صحيفة "الفجر" الجزائرية