2024-04-19 02:48 م

صمود الأكراد أسقط رهان تقسيم سورية... وبداية لنهاية الدواعش

2014-10-28
بقلم:  الدكتور خيام محمد الزعبي

صنعت الولايات المتحدة الاميركية داعش وقبلها القاعدة كل هذه المجموعات هدفها تدمير أوطاننا وتمزيق نسيجنا الاجتماعي وتحويل مستقبلنا الى ماض سحيق، لذلك وضع المقاتلين الأكراد أنفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، المقاومة أو الموت دفاعاً عن الأرض والكرامة، لا سيما بعد أن شاهدوا مجازر داعش، التي لم يسلم منها أحد في سورية أو العراق، لقد زُرع في عقول أبناء المنطقة بأن هذا  التنظيم هو ذلك الوحش الذي لا يقهر، كما كان الحال مع الجيش الإسرائيلي قبل تجربة حزب الله الّذي إنتصر عليها، لكن اليوم بعد معارك مدينة عين العرب السورية، لم يعد من الممكن التسليم بهذه الفرضية، فصمود الأكراد المفاجئ في كوباني، جعل داعش تضع كل ثقلها في المعركة،  ليس لأنها تريد توسيع رقعة سيطرتها إلى الحدود التركية فحسب، بل لأنها أدركت أن عجزها عن إجتياح المدينة، سيشكل بداية لإنهيارها وتهاوي صورتها القائمة على البطش وإثارة الذعر بين أبناء الشعب، وإنطلاقاً من ذلك يؤكد المقاتلون الأكراد أن بداية نهاية التنظيم ستكون على أيديهم.

داعش آلة الموت التي صنّعتها المختبرات الأمريكية، من تركيب مواد باتت معروفة طبيعتها للجميع، فهي تحمل ذات العناصر التي تكونت منها القاعدة، دورها الوظيفي بالدرجة الاولى زرع الموت والدمار والفوضى، وإغراق المجتمعات الإسلامية في دوامة من العنف العبثي لإلهائها عن كل المخاطر الحقيقية التي تهددها مثل الخطر الصهيوني، والأطماع الغربية بالنفط والماء والأرض، فـ"الدواعش" حشدوا تعزيزات إضافية، وزحفوا بآلياتهم نحو عين العرب على مرأى العالم وطائرات التحالف والقوات التركية المرابطة على الحدود مع سورية، لكنهم ورغم ذلك لم يستطيعوا إحراز أي إنتصار جديد على الأرض، بل على العكس، تواردت تقارير من وسائل إعلامية عدة، أنّ الأكراد صدوا الهجوم، وأوقعوا خسائر كبيرة في صفوف تنظيم داعش، وبالتالي أنّ ضربات ما يسمى بالتحالف الدولي للقضاء على "داعش"، ما هي إلا إستعراض، فضحت التآمر الغربي والتركي على سورية، وعلى عين العرب بالتحديد، لكنهم لم يكونوا على دراية كاملة بالصمود الكردي الذي أذهل العالم وأذهلهم.

اليوم إن المأساة التي تعيشها كوباني من وجهة نظر تركيا، هي فرصة تاريخية لا يجب تفويتها او إضاعتها، لتحقيق أحلامها في التخلص من النموذج الكوردي المُقلق الذي ظهر في خاصرتها الجنوبية، فهي ترى الحرب التي تخوضها داعش ضد الكورد في كوباني حربها، وأن داعش تخوضها بالنيابة عنها، فأنقرة ترى في الخطر الكوردي خطراً وجودياً، أما خطر داعش فهو بالنسبة لها خطر أمني، ولهذا السبب يمكن فهم رفض تركيا لكل المطالب الدولية الداعية لها للتدخل لوقف المجزرة ضد الكورد في كوباني، بل ان تركيا ذهبت الى أبعد من ذلك برفضها دخول متطوعين كورد الى المدينة إلا القليل منهم، بل إنها رفضت حتى إرسال أسلحة خفيفة الى المقاتلين في كوباني الذين يقاتلون الألاف من عناصر داعش المسلحين بالمدفعية والدبابات وراجمات الصواريخ، اما الضربات التي تنفذها طائرات التحالف الدولي ضد داعش وفي مقدمتها الطائرات الامريكية، يبدو إنها تأتي في سياق رفع العتب، أو لإقناع الرأي العام العالمي إن أمريكا تحاول ان تفعل شيئاً، فالمساعدات التي قدمت في الأيام الأخيرة من قبل طيران التحالف الدولي، صحيح أنها دمرت بعض الأسلحة الثقيلة لداعش ولكنها جاءت متأخرة جداً وقليلة التأثير، وبرأيي إذا أرادت قوى التحالف الدولي ضد داعش القضاء عليه في ظل التقنيات والأسلحة المتوفرة بين أيديها فإنها تستطيع خلال وقت قصير القضاء على داعش في محيط كوباني، ولكن مساعدة التحالف هذه هي مساعدة جزئية ولا ترتقي للمستوى المطلوب، ويجب على التحالف الدولي أن يزيد من مساعدته وأن يستهدف مواقع داعش بفعالية أكثر.

في الحقيقة إن الكرد الآن هم بناة الوطنية السورية الحقيقية، كونهم لم يبيعوا دماء السوريين لأي محور طائفي في المنطقة، مقابل الأموال والسلاح، كما إنهم فتحوا بيوتهم لكل المهجرين السوريين، وقسموا خبز أولادهم معهم، صحيح ان أمريكا وبعض حلفاء امريكا في المنطقة يضعون الإستراتيجيات والمخططات، للوصول الى اهداف ليس لشعوب المنطقة فيها ناقة ولا جملاً، ولكن ما أكثر المخططات الأمريكية والصهيونية  التي إصطدمت بارادة الشعوب وتكسرت على صخرة مقاومتها، ولا اأظن نتيجة الإستراتيجية الأمريكية الحالية ستكون أفضل حالاً من نتائج الإستراتيجيات السابقة، وما المقاومة الأسطورية التي أصابت داعش بالجنون، في مدينة كوباني إلا جانباُ من إرادة شعوب المنطقة.

في الأمس القريب أعلن الرئيس التركي أردوغان وحلفاؤه بأن كوباني ستسقط، وأعرب عن سعادته لأن داعش ستؤدب الكرد السوريين، الذين تمادوا كثيراً لكن آماله خابت، كوباني ما زالت تقاوم، والكرد تحولوا إلى أيقونة المقاومة في كل العالم،  وقد تحولوا إلى الشريك السوري الوحيد في الحرب ضد الإرهاب الدولي، وهذا ما زاد من جنون الغرب وحلفاؤه لذلك كانت الحملة الإعلامية الظالمة ضد مقاومة الشعب الكردي في وجه إرهاب داعش، وأخيراً إن المثير للإنتباه عندما فاجأتنا أمريكا بالحديث عن "الخيار الكردي"، بعدما أعلنت الخارجية الأميركية عن إجتماع عقده أحد كبار المسؤولين مع وفد من حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي في باريس، وقد أحيط الإجتماع بأهمية كبيرة، مما يدعو إلى التساؤل:هل يدخل الأكراد بديلاً عن تركيا في التحالف الدولي، خصوصاً بعد الوقائع الميدانية في كوباني حيث أثبت الأكراد فاعلية وجدارة وتميزوا بأداء قتالي مثير رغم تدني مستوى تسلحهم؟

Khaym1979@yahoo.com