2024-04-25 08:06 ص

ركائز الاستراتيجية الامريكية في المنطقة واستهداف الجيوش العربية (1)

2014-10-29
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
هنالك ترابط وثيق بين ما يدور في منطقتنا وبين الاستراتيجية التي رسمتها الولايات المتحدة لنفسها في المنطقة، والتي تنعكس في السياسة الخارجية لها وبغض النظر عن من يسكن في البيت الأبيض، سواء أكان ديمقراطيا ام جمهوريا، فالسياسة الخارجية المبنية على ركائز محورية في الاستراتيجية الامريكية لم تتغير منذ خمسينات القرن الماضي. الذي تغير، أو الذي يمكن أن يتغير هو الطرق او الأساليب التي تتبعها الإدارات الامريكية المتعاقبة في تنفيذ هذه السياسة على الأرض لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، وهذه تتغير بتغير الظروف الإقليمية والدولية. ومن هنا يقع الكثيرون في بعض الاحيان فريسة هذا التغير الشكلي ليذهب للاستنتاج السطحي والخاطىء، بأن هذا الرئيس أفضل من ذلك أو هذه الإدارة أفضل من سابقتها وهكذا. وهو ما حدث بالضبط عندما نجح أوباما بالانتخابات ليصبح رئيسا للولايات المتحدة، حيث نظر اليه الكثيرون في العالم بأنه الرئيس الذي سينقل العالم الى فضاء أفضل بكثير مما هو عليه، ومن هنا أعطي جائزة نوبل للسلام في أوائل أيام رئاسته. هكذا كان الانطباع الاولي من أنه رجل سلام، وصدق الكثيرون كلامه المنمق والمعسول وهو المحامي البارع في البداية، حول اقفال معتقل غونتانامو وتحقيق السلام في الشرق الأوسط وحل القضية الفلسطينية، واعتبر البلسم الشافي لمشاكل البشرية جمعاء. لم يمضي وقت طويل لكي تتبخر كل الآمال التي علقت على ادارته وسرعان ما تبين أن ادارته تبنت السياسة الخارجية لمن سبقه، لا بل وزاد عليها شراسة. ما يهمنا هو أن نؤكد على ان الآمال التي تعلق بها البعض لم تكن الا اوهاما وسرابا وذلك لعدم إدراك ان المصالح والاستراتيجية الامريكية التي تبنى عليها السياسة الخارجية بكل ابعادها وشموليتها لم ولن تتغير، وان القابع في البيت الابض ما هو الا خادم أمين للسياسية التي يحددها كبار رجال الاعمال والشركات الأخطبوطية العاملة في المجالات الصناعات الثقيلة والعسكرية ومجالات الطاقة من بترول وغاز، والتي تنهش من لحوم البشر على مساحة الكوكب الذي نحيا عليه. والعولمة، هذه الظاهرة الجديدة التي يتغنى بها البعض، ويسبح بميزاتها المزعومة ليلا ونهارا، انما أوجدت لإعادة توزيع الثروة واقتسامها على المستوى العالمي بين هذه الشركات العملاقة العالمية مما تسبب في مزيد من افقار الشعوب. ولا بد لنا من استعراض أهم ركائز الاستراتيجية الامريكية في المنطقة في البداية لنرى كيف أن الكثير مما يدور في منطقتنا يرتبط ارتباطا وثيقا بهذه الاستراتيجية ومحاولة تحقيقها، مؤكدين منذ البداية أن هذا لا يعني ان هذه المحاولات مكتوب لها النجاح أو انها قدر، فقد رأينا أن هنالك الكثير من الإخفاقات وحتى الفشل في هذه المحاولات، والمستقبل سيحمل مزيد من الإخفاقات ومزيد من الفشل. يمكننا تلخيص أهم الركائز الأساسية للاستراتيجية الامريكية الإقليمية والتي تستند عليها السياسة الخارجية الامريكية بما يلي: أولا: ضمان والحفاظ على المصالح الحيوية الاستراتيجية للولايات المتحدة وأمنها القومي. والامن القومي للولايات المتحدة غير مرتبط بحدود جغرافية معينة، حيث انها تعتبر أن أي بقعة في العالم بغض النظر عن قربها أو بعدها عن أمريكا، هي جزء من مجالها الحيوي، وبالتالي ما يحدث بها يمس أمنها القومي الذي يجب الحفاظ عليه مهما كلف الامر. وبالتالي فأن الولايات المتحدة ترى أن لها كامل الاحقية بالتدخل في أي بقعة في العالم بالطريقة التي تراها مناسبة، إذا ما رأت ان ذلك يهدد مصالحها. وكلمة مصالحها كأمنها القومي هي كلمة فضفاضة وواسعة ولا حدود لها، وهذا يخضع فقط لتفسيرها وتقديراتها، ولا يوجد أي معيار أو قياس لهذا التعريف. فما يدور في بحر الصين الشمالي والجنوبي على سبيل المثال، والنزاع القائم بين اليابان والصين على جزر لا معنى لها، تعتبرها الولايات المتحدة أنها جزء من أمنها القومي، وتهدد الصين اذا ما أقدمت على فعل شيء تجاه هذه الجزر، وعلى انها لن تتوانى بضرب الطائرات الصينية أو البواخر اذا ما أقدمت على التوجه نحو الجزر لفرض وقائع معينة على الارض. والولايات المتحدة لا تعير اية أهمية او اعتبار للمواثيق الدولية ولا للأمم المتحدة ولا مجلس امنها. وتحت ذريعة أمنها القومي أقدمت الولايات المتحدة على تنفيذ العديد من عمليات الاغتيالات وانقلابات في العديد من المناطق في العالم، كما قامت بالعدوان على العديد من الدول. ثانيا: ضمان تدفق مصادر الطاقة من البترول والغاز الطبيعي الى الأسواق العالمية، وبأسعار مناسبة لاقتصاديات الدول الغربية. وهذا يستدعي الهيمنة والسيطرة المباشرة أو الغير مباشرة على ابار النفط والغاز، بالإضافة الى طرق امداد مصادر الطاقة، حيث ان من يسيطر على طرق الامداد يستطيع أن يتحكم بتوزيع هذه المادة الاستراتيجية وضمان وصولها او عرقلة وصولها الى البلدان المعنية. وسنأتي على مناقشة بعض النقاط المتعلقة بهذا الجانب ضمن ملف خاص بمصادر الطاقة وارتباطها بما يدور على الساحة الدولية والإقليمية. ثالثا: ضمان الامن للكيان الصهيوني الى جانب ضمان تفوقه العسكري كقوة ضاربة في المنطقة للقيام بدوره الوظيفي، كجبهة متقدمة وحارس أمين لمصالح للإمبريالية العالمية في المنطقة. ولا بد أن نؤكد هنا أن السنوات الأخيرة وخاصة منذ 2006 ان الكيان الصهيوني لم يعد يمتلك القدرة للقيام بدوره الوظيفي، وأصبح يشكل عبئا امنيا وعسكريا واقتصاديا على الولايات المتحدة بحسب بعض المحللين السياسيين. وعلى الرغم من ذلك فان الولايات المتحدة ما زالت تزوده بأحدث الأسلحة الامريكية المتطورة من طائرات، وصواريخ، وأجهزة تحكم وأنظمة دفاعية على غرار القبب الحديدية المضادة للصواريخ لحماية أجواء الكيان، الذي أصبح يعيش محاطا بجدار فصل عنصري وقبب حديدية. ويتسلم الكيان الصهيوني سنويا منحة أمريكية تقدر بثلاثة مليارات دولار هذا بالإضافة الى العديد من المنح والقروض الطويلة الاجل التي تضمنها الولايات المتحدة. بالإضافة الى ذلك فان الكيان الصهيوني أجبر الولايات المتحدة على توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني في أوائل الثمانينات عندما كان السفاح شارون رئيس للوزراء. ويجدر الإشارة هنا ان الجديد الذي طرأ على هذه العلاقة مؤخرا هو الاعتراف الأمريكي بالكيان الصهيوني "بإسرائيل" كدولة يهودية والطلب من الدول العربية وغيرها بذلك، وهذا تطور خطير جدا ردده الرئيس الأمريكي أوباما في العديد من المناسبات وأكد عليه في الكلمة التي القاها في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وذلك لما له من تداعيات على مستوى الإقليمي وعلى حل القضية الفلسطينية. رابعا: حماية أدواتها وعملائها وشركائها في المنطقة، وخاصة دول الخليج العربي من خلال إقامة القواعد الامريكية على أراضيها وتحويل الخليج العربي الى بحيرة أمريكية عسكرية متقدمة. في الجزء الثاني من المقال سنتناول سبل استهداف الجيوش العربية وارتباط ذلك بالاستراتيجية الامريكية الإقليمية.

الملفات