2024-04-23 11:31 م

ما يحدث في سوريا فيلم عبثي من إخراج واشنطن وحلفاؤها!!

2014-10-29
بقلم: الدكتور خيام محمد الزعبي
يحاول السوريون اليوم إنتزاع وطنهم من تحت ركام الأزمات ومن بين مخالب قوى النفوذ والتسلط وأنياب تجار الحروب الحالمين ببناء إمبراطوريات خاصة على أنقاض وطن وجماجم شعب وأنين البؤساء والمشردين، إن الأوضاع الراهنة التي يعيشها السوريون وبالطبع لم تكن وليدة اللحظة الراهنة بقدر ما هي نتاج حقيقي لأطماع وأهداف إستعمارية ما برحت تواصل فعلها السلبي التدميري على أكثر من صعيد منذ ما يقارب أربعة أعوام, وصلت فيها الأمور إلى مرحلة تحوّلِ نوعي خطير يحمل في طياته مؤشرات لإحتمالات كارثية لا يمكن لممكنات الواقع وقدراته تجاوزها أو إحتواءها وجعلها ضمن حدود السيطرة التي تحول دون الإنهيار, إلا بثمن باهظ يتوجّب على الوطن دفعه. تنظيم داعش الذي وضعته أمريكا في المنطقة العربية لتحقيق أهداف سياسية وإستراتيجية لا زال يتسع في الرقعة العراقية السورية دونما الإهتمام لكل ذالك الحشد الذي ينوي إستئصاله وإعادته إلى نقطة الصفر، وخلف كل ما يحدث تبقى أشياء غامضة لا يعلمها المواطن العربي أو قادتنا النائمين نومة أهل الكهف، أليس بمقدور الولايات المتحدة وأجهزتها الإستخباراتية أن تكشف عمن يقف وراء هذا التنظيم الدموي ومموليه؟ بلا تستطيع أمريكا بقوتها المخابرتية والعسكرية والإقتصادية، أن تكشف عن أسرار هذا التنظيم وأن تدمره متى تشاء، لكن لا يستبعد أن تكون هذه الخطة المتعددة الخيوط تحاك من داخل الكونجرس نفسه، والكشف عنها لن يخدم سياسات واشنطن ويحقق لها مكاسبها السياسية والإستراتيجية على الأرض العربية، لذا فهي ترى أن الوقت لم يحن بعد لإنهاء اللعبة وكشف سياستها الغامضة. وفي هذا السياق لا ينسى الأميركيون إستحضار تجارب واشنطن في إدارة النزاعات والتدخل العسكري في المنطقة التي يبدو أنها عادت إليها مجدداً تحت يافطة قيادة التحالف العسكري لإيقاف سيطرة قوات داعش, والحقيقة إذا ما توقف المراقب أمام معطيات هذه التطورات في الساحة العربية فإنه سيتوصل تلقائياً إلى أن ثمة مشروعاً للتقسيم بات قيد التنفيذ، خاصة مع تبلور رؤية ميدانية لإقامة دولة كردية في المنطقة السورية المحاذية للحدود التركية، وهو ما يثير حفيظة الحكومة التركية باعتبار أن ذلك سوف يشكل خطراً على أمنها القومي، خاصة لجهة التعامل مع الأحزاب الكردية المحظورة كحزب العمال الكردستاني،فضلاً عن إمكانية انسحاب هذا المشروع الأميركي على أجزاء من الأراضي العراقية لإقامة دولة سنية وفصلها عن نسيجها العراقي،خاصة بعد استكمال ملامح الدولة الكردية المستقلة في شمال العراق، فيما تتأسس الدولة الشيعية في وسط البلاد، وفي هذا السياق،لا يمكن إغفال دور الغرب وحلفاؤه أمام تنامي هذا المخطط لتقسيم دول المنطقة العربية لإضعاف ما تبقى من تماسكها وإحياء مشاريع الهيمنة الإقتصادية والمذهبية وذلك بناءً على إفرازات الأزمات المتلاحقة التي وصلت إليها الأوضاع في لبنان وسورية والعراق ومصر واليمن وليبيا، في إطار ذلك يمكنني القول أن هناك ثمة طبخة يتم الإعداد لها فوق نار هادئة لتقسيم المنطقة، تعززها وتزيد من حدتها الإدارة الأميركية التي تهرول كثيراً وبدون دراية في تمويل مشاريع تعود بالمشاكل على وحدة كيان الأمة العربية . في سياق متصل إن الولايات المتحدة تبدي مرونة ودهاءً أكبر في سياستها الخارجية وفي إدارتها باستثمار وإستغلال ما يجري في المنطقة وخاصة في سورية, والتي يمكن قراءتها والتنبؤ بها من خلال السيناريوهين التاليين: السيناريو الأول، إن رفض الولايات المتحدة الأميركية لإقامة المنطقة العازلة ورفضها لتوجيه ضربات عسكرية للنظام السوري هو بغرض الوصول إلى تسوية شاملة تحت ما يسمى ضغط الاشتباك تتحقق بعد إستكمال خطوات التسوية مع إيران فيما يتعلق ببرنامجها النووي وكذلك تسوية مع الروسي بعد الإتفاق على إعادة توزيع النفوذ والمصالح بين القطبين في الساحة الدولية, أما السيناريو الأخر فيقوم على أن الولايات المتحدة تسعى من إطالة حربها على داعش لسنوات طويلة من أجل أن تستثمر محاربة الإرهاب لتحقيق أجنداتها في المنطقة انطلاقاً من الصراعات الأيديولوجية الناشبة بين الدول المتحالفة في الشكل والمتناحرة في المصالح وصولاً لتفكيك المنطقة وإعادة تركيبها على أسس دويلات طائفية وعرقية متصارعة, فالأسلحة التي أسقطتها طائرات التحالف وقع الكثير منها في يد مقاتلي داعش إن لم نقل أغلبها وهذا لم يكن خطأ فقط بل كان خطأ متعمداً يدعم استمرارية الحرب في عين العرب لتحقيق المكاسب والأهداف الأمريكية وحلفاؤها في المنطقة، وبما يشكل ضمانة حقيقية للحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي من ناحية ويعيد إعادة تموضع الوجود الأميركي في الشرق الأوسط وبطريقة تسهل عليه الحد من النفوذ الروسي والصيني والإيراني ويزيد من سيطرته على منابع الطاقة ويتحكم في خطوط إمدادها من ناحية أخرى. فيما يتعلق بتركيا فهي تدرك اليوم أنها أداة لدى الإدارة الأميركية وهي تحاول أن تراوغ في سياستها وتخشى من أن تتوصل أميركا إلى تسوية مع كل من روسيا وايران وسورية تخرجها من المشهد بأكمله دون أن تحقق لتركيا أياً من مصالحها وأطماعها في تغيير الخارطة السياسية, ولا سيما أن تركيا هي اليوم بين خيارين أحلاهما مر: الأول أنها إن لم تنخرط داخل ما يسمى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب ستزيد من السخط الدولي والإقليمي والداخلي عليها والذي تمثل في فشلها بالحصول على مقعد غير دائم داخل مجلس الأمن, أما في حال مشاركة تركيا بصورة حقيقية في التحالف فإن ذلك قد يعرضها لشن هجمات إنتقامية من قبل هذه المجموعات، بالإضافة أن تركيا قد تخسر المكاسب الإقتصادية التي تعود عليها بالتعاون مع داعش في نقل وشراء النفط السوري, فضلاً عن أطماعها لجعل سورية والعراق بوابتها نحو الشرق بعد إنسداد الباب الأوربي في وجهها وسقوط النظام الأخواني في مصر. وأختم بالقول إن الأربع سنوات الماضية كانت كفيلة بإحداث ندوبات غائرة في جسد الوطن المنهك, وفي التآكل المستمر في أسس وعوامل وعناصر البُنى الهيكلية للدولة والمجتمع, وإستمرار عمليات التصدّعات في النسيج الإجتماعي والوطني والقيمي والثقافي للشعب, أفرزت واقعاً وطنياً أكثر ضعفاً وهشاشة وغير قادر على مواجهة أبسط الهزّات، سواء كانت إجتماعية أم إقتصادية أو سياسية, وجعلته أيضاً عرضة للإنفجار وبوابة للتدخُّلات الخارجية وتعميق الخلافات المدمّرة للوطن والزج به نحو حروب وصراعات تهدّد حاضره ومستقبله، لن يتعافى منها إلا بثمن باهظ ومؤلم، وبالتالي أمام تلك الأوضاع وتعقيداتها يتساءل السوريون هل يستطيعون خلال الفترة القادمة الخروج من هذا المأزق والوصول إلى بر الأمان؟، أم أنها ستحمل معها مفاجآت أخرى غير متوقّعة في ظل التجاذبات الخطيرة التي تمارسها بعض القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مكاسبها في المنطقة؟. Khaym1979@yahoo.com