2024-04-18 03:46 ص

إنتفاضة؟!!

2014-11-16
بقلم: أحمد سعيد قاضي
أثارت هبة المقاومة الشعبية الفلسطينية الخلّاقة الحالية في وجه الاحتلال الإسرائيلي كنتيجة لوجود الاحتلال بحد ذاته، وما يتطلبه شرط وجوده من قمع وعنف وإرهاب وإذلال وقهر وإفقار واستفزاز المشاعر الدينية وحصار وتقييد للشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال سواء في أراضي الضفة وغزة والقدس أم في أراضي الـ،48 موجة تكهنات إزاء الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة وما اعتبر تجلياً لها في هذه الفورة الشعبية في فلسطين. وما بين المغالاة والمبالغة في الظنون والتوقعات، والتقليل من شأن ما يحدث، فلنضع الأمور في نصابها واعتدالها بتجرد من استبداد العواطف والمشاعر والاحساسات. وهذا ما يتم إلا بردّ العناصر الضرورية وقياسها موضوعياً وبشكل منهجي للخروج بتكهنات حقيقية وواقعية عما يجري في فلسطين التاريخية والآفاق المحتملة لهذه الارهاصات. لا بد من اجتماع عدة عناصر لإندلاع الانتفاضة المنشودة الشاملة المستمرة المنتشرة على كل المساحة الجغرافية للوطن فلسطين تشمل الشرط المادي الموضوعي التاريخي (الموضوع)، والشرط الذاتي. يتبدّى الشرط الموضوعي بالوضع الاقتصادي السيء للفلسطينيين على كافة الصعد وفي كافة البقع الجغرافية، وينجلي الغبار عن هذه الحقيقة في النسب المرتفعة لمعدلات البطالة والفقر وغلاء المعيشة مقابل المرتبات والأجور المنخفضة، والشطر الآخر يتجلى في القمع والقتل والتعذيب ومصادرة الأراضي والتنكيل والاقصاء وغياب الحريات المدنية والسياسية والحواجز والاقتحامات والعنصرية والإرهاب الصهيوني المنظم والاستفزازات الدينية. وما يولده اجتماع هذه الظروف الموضوعية من خوف على المصير والمستقبل والوجود بحد ذاته لما يحمله الحاضر من نذير بالخطر والزوال. لذا يمكن القول بأن الشرط الموضوعي لقيام إنتفاضة موجود، وظلت ملازمة لوجود الاحتلال أبداً، فكل من هذه العوامل يلعب دوراً محورياً في تأليب الشعب الفلسطيني المحتل للنهوض في وجه المحتل بشكل شامل وشعبي على شكل إنتفاضة كما حدث في عشرات الانتفاضات التي صاحبت استمرار الظرف الاحتلالي على مدى عشرات السنين. أما ويبقى الآن الشرط الآخر للقيام في وجه المحتل الإسرائيلي ويتجلى في الوعي والإرادة الصلبة والثقة بضرورة وإمكانية (الجماهير) كسر شوكة الاحتلال بإنتفاضة جديدة للحفاظ على الوجود من الفناء ولتحسين شروط هذا الوجود في أدنى حد. وهو من الضرورة بمكان، إذا لا يوجد فعل جماهيري ثوري عفوي بالكامل، بل لا بد من وجود النخبة السياسية القائدة للنضال في مساره المرغوب في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة. ويتطلب الشرط الذاتي، وحدة الأحزاب الفلسطينية، خصوصاً فتح وحماس، وتكاملها وتبادل الأدوار فيما بينها للعمل على إنتاج وعي عام بإنتفاء إمكانية البقاء على ما هي عليه الحال ومن ثم خلق رغبة ودافع وتنظيم شعبي جماهيري والعمل على دفع هذه الهبة الجماهيرية، واغتنام الفرصة في خلق فعل ثوري جماهيري منظم ضد الاحتلال الصهيوني، وهو ما سيلقى بالتأكيد تجاوباً واسع المدى لوجود الظروف والشروط الموضوعية المحركة للفعل الثوري الجماهيري إذا ما تم. بالإضافة إلى غياب الشرط الذاتي، ينبغي الأخذ بعين الاعتبار رهبة وخوف الجيل الذي كابد وعانى أشد وأقسى أنواع المعاناة والقهر والقمع والإذلال في سنوات الإنتفاضة الثانية من إنتفاضة ثالثة تعيد الأمور إلى سابق عهدها، أي وقت الإنتفاضة، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي. وما عزز من هذا الاتجاه، وهو نقطة أخرى مما يجب أخذه بعين الاعتبار، هو الإجراءات "التسهيلية" في الأراضي المحتلة بعد الإنتفاضة الثانية (تسهيلية مقارنةً بالظروف المعاشة وقت الإنتفاضة الثانية!)، وحُقن التخدير الاقتصادي التي تفرّغ سمومها في جسد النسيج الشعبي الفلسطيني والقروض وغيرها. فهذان الجانبان يشكلان عوامل إضافية بالإضافة لكونهما مسببان ودافعان في عدم الرغبة والتفكير في إنتفاضة أخرى سواء على المستوى الحزبي-السياسي أم الشعبي. لذا فإن الشرط الموضوعي قائم، والمعاناة تتفاقم يوماً بعد يوم، ويبقى انضاج العامل الذاتي الفلسطيني، والذي يترتب عليه تذليل العقبات، وتهيئة الظروف للمرحلة القادمة وتعبئة شعبية شاملة، وهي مهمة يجب أن تضطلع بها القيادة السياسية الفلسطينية بكافة أحزابها بعد التوافق على هذه الخطوة، وهو ما لا يتوفر ومن الصعب تحقيقه، ولن يحصل في ظل الظروف الفلسطينية-الفلسطينية الحالية بمكوناتها السياسية والاجتماعية. ولغياب الرغبة الحقيقية في العمل الوطني التحرري التشاركي الوحدوي، الذي يتخذ من الوطن مرجعاً وإطاراً، بل حتى وقد يكون من المستحيل تحقيق الشرط الذاتي في ظل الشقاق الحاصل بين فتح وحماس تحديداً كأكبر فصيلين سياسيين فلسطينيين.

الملفات