2024-04-24 11:26 ص

من «تجميد الصراع» إلى «موسكو 1»... عناوين افتراضية في ظل تسويات كبري

2014-11-18
كتب خالد العبود
هناك عنوانان جديدان يضافان إلى قائمة عناوين مشهد الصراع الذي يجري في سورية، الأول يتمثل في دخول المبعوث الدولي إليها بعنوان يتعلق بما سميّ «تجميد الصراع»،  والثاني أنّ هناك دخولاً روسياً بعنوان يعاد تشكيله أو حتى استعماله من جديد، ونعني به الحوار السوري السوري، وتحديداً ما أطلق عليه «موسكو 1»، إذ أننا نعتقد أنّ هذين العنوانين الهامين اللذين يبدوان من خارج مشهد اللحظة يحملان دلالات هامة، لجهة طبيعة العدوان ذاته، وناتج الصراع والاشتباك الذي حصل على مدار أكثر من ثلاث سنوات ونصف.


الفكرة الرئيسية لما سميّ بـ «تجميد الصراع» تتمثل في إيقاف «إطلاق النار»، وهذا الإيقاف لإطلاق النار له جملة مؤشرات هامة وأساسية، تتعلق بمجريات الصراع والعدوان، ويعني أنّ هناك تحولات جذرية في ما يحصل، سياسياً وعسكرياً وأمنياً، إضافة إلى الدلالة الرئيسية على أنّ أهداف العدوان ذاته أصبحت في مكان آخر.

علينا أن نتذاكر أنّ الدولة السورية عندما كانت تطالب المجموعات التي حُمِّلت السلاح ضدّ مؤسسة الدولة، وفي أكثر من مرة، كانت الإدارة الأميركية وعلى لسان أكثر من مسؤول فيها تنادي وتصرّ على هذه المجموعات المسلحة ألا تستجيب لنداء مؤسسة الدولة، وأن تبقى على مواقفها الرافضة لأي تهدئة أو حتى الانصياع لنداء الدولة، كون أنّ الإدارة الأميركية كانت تصرّ على أنّ العدوان في أحد أجزائه الرئيسية، ومن خلال مستوى هجوم معيّن، لا بدّ وأن يأتي بنتائج إيجابية لجهة العدوان نفسه، وأن هناك أهدافاً لا بدّ وأن تتحقق على أيدي من تسلّح ووقف في وجه الدولة.

المبعوث الدولي اليوم يتحدث عكس ذلك تماماً، فهو لا يتحدث عن «فك اشتباك» في جزئية معينة من جغرافيا الوطن السورية، وإنما يحاول أن يركّز على عنوان واسع ورئيسي في طبيعة المشهد، وهو المتمثل بإيقاف «النزاع»، ويعني ذلك أنّ المبعوث الدولي لديه رسالة هامة، مفادها أنّ الإدارة الأميركية لم تعد تعوّل على الاشتباك، أو تعوّل على مستوى العدوان في هذه الحيثية، وهذه هامة، كما أنّه يحاول أن يقول بأنّ حيثية العدوان هذه لم تعد بين يديه، لماذا، لأنه يصرّ على خطاب «أطراف النزاع»، أو هكذا أراد أن يقول.

وهذا يعني أنّ الإدارة الأميركية لم تعد عسكرياً وأمنياً قادرة على السيطرة الكاملة على عناصر أو أدوات العدوان التي تقاتل مؤسسات الدولة السورية، لأننا نعتقد لو أنّها كانت قادرة على ذلك لذهبت إلى صرف ناتج فعلها على الأرض، أمّا وأنها تحاول «تجميد الصراع» من دون طاولة حوار أو تفاوض ترافق هذا «التجميد» فهذا يعني أنها لم تعد ترى ناتجاً موضوعياً للاشتباك يمكن له أن يصرف في عملية تفاوض محتملة، لهذا يمكننا القول بأنّ مطلب «التجميد» جاء عنواناً في فكّ اشتباك من دون صرف له سياسياً أو عسكرياً أو حتى أمنياً، باعتبار أن عنوان «التجميد» جاء عاماً وأدير تحت عنوان إنسانيّ ومن خلال مبعوث دبلوماسي، ولم تقم بتأمينه مؤسسات أمنية.

هذا العنوان يعني من جديد أنّ الإدارة الأميركية تتخلى عمّا أعدّته على الأرض، وعمّا دفعت لأجله، ويعني أيضاً أن هذه الإدارة تحاول أن تقول أنّ الأرض لم تعد ملكها وأنّها تعاني مما كنّا نؤكد عليه دائماً، وهو أنّ صعود وصيرورة وتطور مشهد الاشتباك ذاته سيدفع باتجاه عدم السيطرة على مجرياته وأدواته، وهو أخيراً لن يكون نافعاً بمصالح الجميع على المستوى الإقليمي والدولي معاً، وسيؤدي أخيراً إلى فوضى ذات إيقاع عال لا يمكنها أن تكون في مصلحة أحد، كون أن عناصر الاشتباك سوف تتجاوز الأهداف الرئيسية لأهداف أطراف الاشتباك، وسوف تدفع هذه العناصر إلى المزيد من التبعات التي لن تكون مفيدة في مصلحة أحد، حتى أنّ التخلي عن تلك العناصر التي أعدّت من أجل الاستثمار والاستعمال لن تكون تابعة لجهة بعينها، بالتالي فإن المشهد المكوّن من جملة هذه العناصر المتناقضة، ونعني بها خريطة المجموعات المسلحة المتعددة، لن يكون طرف بعينه قادراً على التحكم به كليّاً، كون أنّ المصالح سوف تتباعد وسوف تتناقض في مراحل معينة من عمر العدوان، بالتالي فإنّ أدوات العدوان التي أعدت من أجل إلحاق الهزيمة بالدولة السورية لن تكون تابعة لجهة محددة بمقدار ما ستتكاثر هذه العناصر وتصبح ذات رؤوس متعددة، بالتالي ذات تابعيات متعددة، وتحتاج إلى توافقات واسعة ومعقدّة للسيطرة عليها.

إذن، إن مفهوم «تجميد الصراع» يعني أنّ الإدارة الأميركية لم تعد قادرة من خلال هذا العدوان على تحقيق أهدافها، وثانياً أنها لم تعد قادرة على التحكم بعناصر وأدوات العدوان التي أعدتها من أجل العدوان وأهدافه، وتعني أيضاً أنها غير قادرة على إيجاد ناظم محدّد يستطيع أن يقوم بتوحيد أهداف «الأطراف» الإقليمية والدولية التي شاركتها العدوان على سورية، وهذه هامة جداً في مشهد الصراع على مستوى الإقليم.

أمّا بالنسبة للعنوان التالي الذي توقفنا عنده ونعني به عنوان «موسكو 1»، والذي يتحدث عن حراك سياسي تشرف عليه روسيا، مفاده أنّ هناك حواراً سورياً سورياً، يذهب إلى «موسكو 1»، والملاحظ أنّ القيادة السورية لم تأت على هذا العنوان، ولم تحدث مقاربة واضحة معه، ولا نعتقد أنّ هذا الأمر لا يعنيها بمقدار أنّها لم تعد ترى فيه مفاتيح رئيسية تؤدي إلى بوابات حقيقية تفيد السوريين أخيراً، إذ أننا نعتقد أنها تنظر إلى الأمر على أنه عنوان محمول على حالات افتراضية ليس لها علاقة بجوهر الصراع والعدوان الأساسيين.

«الحوار» المزعوم في «موسكو» حوار من خارج السياق ومن خارج الحسابات الأساسية لطبيعة الاشتباك أخيراً، وهو لن يكون مفيداً بمقدار ما سيعطي مشروعية لبعض الأسماء التي أرادت أن تكون موجودة في مشهد سياسي افتراضي عملت أطراف عدة على الاستعانة بها.

أخيراً نستطيع القول إن مثل هذه العناوين ليست لها علاقة بجوهر الحاصل على مستوى المنطقة، خصوصاً الحلقة السورية، لكنّها محمولة على تسويات كبرى، فرضتها معارك كبرى ونتائج كبرى، أدت جميعها إلى تحطيم وتفتيت الأساس الحقيقي لمشهد الصراع.

المصدر: صحيفة "البناء": اللبنانية