2024-03-28 02:01 م

الأمر الذي لم يفهمه أوباما!!

2014-11-24
كتب الدكتور خيام الزعبي*
أصبح العالم اليوم يدرك أن الأزمة السورية لم تعد مسألة إصلاح، بل إسقاط لكل ما يتعلق بالواقع السوري من نظام وجيش، لكن عوامل عديدة حصنت سورية ومنعت إسقاطها، وتلك العوامل بعضها دولي والبعض الأخر داخلي، وعلى عتبات سورية تتبدد أحلام أصحاب المؤامرة، وهم يرون تساقطها الواحدة وراء الأخرى، الواضح أن ثمة تحولات متوقعة لابد أن يكون لها تأثير على مجرى الأحداث في سورية، أهمها إحتمال التوصل الى إتفاق نووي بين إيران ومجموعة الدول الست في فيينا، والدعوة الى حل سياسي للأزمة في سورية، هذان التحولان دفعا دول مجلس التعاون الخليجي الى تجاوز خلافاتها على جماعة "الاخوان المسلمين "وإقناع مصر بإستجابة طلب الرياض تناسي الخلافات مع الدوحة وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، فالإتفاق النووي اذا ما حصل، من شأنه ان يفتح باب التعاون بين واشنطن وطهران في القضايا الإقليمية، علماً بأن بدايات هذا التعاون بدأت معالمها بالظهور في العراق مع التصدي لجهادي داعش وإرغامهم على التراجع في أكثر من منطقة، ومن الطبيعي أن يتجلى إبرام إتفاق نووي في إظهار المزيد من التعاون الأميركي - الإيراني لإيجاد حل سلمي في سورية، في إطار ذلك يشكل الحل السلمي في سورية هما وأرقاً كبيراً لدول الخليج العربي وتركيا يفوق ربما إبرام الإتفاق النووي وخطر الجهاديين الذين لم تنته وظيفتهم بعد، من هنا يمكن تفسير الزخم الجديد لـ"جبهة النصرة" على كل الجبهات السورية وخصوصاً في القنيطرة ودرعا وحلب وإدلب وذلك قطعاً للطريق على مبادرة المبعوث الأممي ستيفان دو ميستورا للتوصل الى تهدئة تدريجية إنطلاقاً من مدينة حلب. لقد تصورت إدارة الرئيس أوباما أن الأزمة السورية أزمة عادية وتملك مفاتيحها، ويمكن علاجها بأسلوب الإستقطابات التقليدية، وتدخلت فيها بأداوت مختلفة، وإنتظرت سقوط الثمرة في حجرها كنتيجة طبيعية لنضجها، وبعد عدة أشهر، كادت الثمرة تسقط في حجر آخرين، فإيران هيأت نفسها لإلتقاطها بسرعة، بمساعدة حزب الله اللبنانى، وروسيا بذلت جهداً كبيراً لتفوز بها بمساندة صينية، والمعارضة السورية إستعجلت القطف، فغرقت في وحل الخلافات وسقطت في بئر الخيانة واتهامات بالعمالة، الأمر الذى منح الفرصة لمتطرفين ليكونوا قاب قوسين أو أدنى من تلقفها، في إطار ذلك لم تتمكن الإدارة الأميركية الإمساك بزمام الأمور كما تخيلت، بل باتت مهددة بمزيد من الإنفلات وإزدادت المشكلة صعوبة، عقب ارتفاع معدل التداخلات الدولية والإقليمية بين بضعة أزمات في المنطقة والأزمة السورية، فتنشغل واشنطن بالجديد وتتراجع أو تتقاعس عن تحريك أو السيطرة على القديم. ومن هنا يعتبر إقتراح المبعوث الدولي، دي ميستورا، إنجاز مصالحات ميدانية في سورية تبدأ بتجميد الوضع في مدينة حلب تمهيداً للتفاوض وفك الحصار، والزيارة المثيرة للجدل التي قام بها الرئيس السابق لإئتلاف المعارضة، معاذ الخطيب، إلى موسكو وما أسفرت عنها من ردود فعل، بعضها كان غاضباً ورافضاً، وبعضها وجد فيها بارقة أمل في طريق الخلاص، وعودة الدور الروسي إلى الواجهة وما يثار من أحاديث حول "جنيف "3 أو "موسكو 1" ثم التسريبات عن وجود مساعٍ أو مشروع مبادرة يحركها النظام المصري لإختراق الإستعصاء السوري المزمن، كل ما سبق وقائع تشير إلى عودة الإهتمام العالمي والعربي بوضع حد للصراع الدائر في سورية منذ أربع سنوات، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة، هل هناك فرصة حقيقية لحل سياسي يوقف العنف والصراع وينقذ المجتمع والدولة السورية من التفكك والإنهيار؟ وهل يكون الأسد شريكا وقائداً ميدانياً بالهجوم على داعش كون سورية هي مسرحها الأبرز؟ فاليوم أصبح القلق والتخوف على أشده مما تخلفه بؤرة التوتر السورية من إستقطابات حادة وإحتقانات مذهبية وطائفية، ومن أخطار إجتماعية وإقتصادية على بلدان الجوار نتيجة الإزدياد المتواتر لأعداد اللاجئين السوريين على أراضيها، فضلاً عن تنامي إستعداد الأطراف الداخلية لقبول حل سياسي، سواء لجهة شيوع رغبة عارمة لدى الناس بضرورة الخلاص أمام التدهور المريع في شروط حياتهم وعيشهم وأمنهم، أو لجهة حالة التعب والإنهاك التي أصابت القوى المتصارعة ووصولها كلها إلى إقتناع بعجز أي منها عن تحقيق الحسم، وبأنها باتت وبدرجات مختلفة، مرتهنة لإرادة داعميها وحساباتهم، وأبعد من رفض أي تسوية سياسية يقررونها. في إطار ذلك يعتبر الحل السياسي في سورية فكرة مؤرقة لدى الخليج العربي وتركيا، فتركيا تشارك على مضض في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد هذا التنظيم في سورية والعراق وتدفع من أجل إستراتيجية أكثر شمولاً تتضمن إزاحة الأسد عن السلطة، وتقوية المعارضة السورية المعتدلة ودعمها لإفساح المجال أمامها للسيطرة على المناطق التي ينسحب منها داعش، ما يعني حلاً وسطاً بين المطلب الأميركي بالتركيز على القضاء على داعش أولاً والطلب التركي بألا يستفيد الأسد من هجمات التحالف الدولي - العربي على التنظيم، وتقوية المعارضة من أجل إحياء مفاوضات "جنيف1" وإجبار الأسد على التفاوض من أجل حكومة إنتقالية كاملة الصلاحيات، وفي الجوهر يبقى موقف الأميركان والأتراك متباين بشأن الأزمة السورية. وعلى الجانب الأخر لتجاوز المأزق الأمريكي في سورية، وجه الرئيس الأمريكي مساعديه ومستشاريه، إلى ضرورة إعادة النظر في السياسة الأمريكية حيال سورية، أما مفتاح هذه المراجعة ومدخله، فقد حدده الرئيس أوباما حينما قال: ربما لن يكون ممكناً الإنتصار على داعش من دون إزاحة الأسد موقف يؤكد إنعطافاً في الموقف الأمريكي الذي ظل حتى الآن يعطي الأولوية للحرب على الإرهاب وليس على النظام السوري، بالمقابل أكد وزير الدفاع الامريكي إن تنحية الأسد أو إسقاطه، لن يغير من ديناميكيات الأزمة السورية، بل أنه شدد على الحل السياسي لا العسكري، للأزمة السورية، وقال إن إسقاط الأسد يتم بالتفاوض، وهذا يدل بإنه لا يمانع في أن يكون الأسد جزءاً من العملية سواء محاربة داعش أو التفاوض حول حل سياسي. وأختم مقالي بالقول إن الرئيس أوباما بدأ الآن يدرك ويعترف بالحقيقة، وهي أن الخطر الأساسي على المنطقة وعلى مصالح الغرب، لا يتمثل في نظام الأسد، وإنما في إحتمال إستيلاء الجهاديين في سورية ودول أخرى في المنطقة على السلطة، ويبقى أمام أوباما وحلفائه فرصة أخيرة قد تلجأ إليها لتحقيق مكسب إيجابي يتمثل في إمكانية تغيير سياسته في المنطقة العربية من خلال إيجاد قنوات إتصال مع النظام السوري والتعاون للقضاء على داعش ومساعدة دمشق في إعادة ترميم ما دمرته الحرب وترميم العلاقة بين دول المنطقة العربية، بإختصار شديد سيتعين علينا أن ننتظر انتهاء عملية إعادة التقييم للسياسة الأمريكية في سوريا، لنعرف مصائر ما يجري من تحركات ومبادرات بهدف إحياء الحل السياسي للأزمة السورية، بدءاً بخطة التجميد التي جاء بها دي ميستورا، انطلاقاً من حلب، أو ما تقوم به روسيا من محاولات خلق جبهة موحدة للمعارضة السورية، يجلس ممثلوها قبالة ممثلي النظام في "جنيف 3" للوصول إلى مثل هذا الحل. 
*صحفي وكاتب أكاديمي 
khaym1979@yahoo.com