2024-03-28 02:28 م

الحرب لم تنته....والأسد لم يسقط؟!

2014-11-25
بقلم: الدكتور خيام الزعبي*
ليس غريباً إن إدارة الرئيس الامريكي أوباما تواصل تعثرها في مساعي حل الأزمة السورية، خاصة أنه لا توجد خيارات جيدة في حرب أدت إلى نزوح الملاييين من المواطنيين، إن الادارة الأميركية مضطرة عاجلاً ام آجلاً لرسم إستراتيجية واضحة تجاه سورية، فهي تدرك بأن المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط بعد صعود تنظيم داعش، والتبدلات الأميركية الداخلية بعد إثر سيطرة الجمهوريين على الكونغرس، يحتمان على الرئيس أوباما وضع خطط وإستراتيجيات عملية لمقاربة آفاق الحلول للوضع في سورية. منذ بدء الحرب السورية وحتى الآن لم يعطي أوباما رأياً واضحاً ودقيقاً حول مستقبل سورية ومصيرها، شأنه في ذلك شأن وزير خارجيته جون كيري الذي يصفه المحللين الأمريكيين بأنه "كثير الحركة من دون رؤية"، في إطار ذلك إن كل ما قالته واشنطن منذ بدء الأزمة السورية إن على الرئيس السوري بشار الأسد أن يرحل، أما كيف سيتم ذلك فلا أحد يعرف، بالنسبة إلى البعض، فإن المرحلة التي سجلت التحول الأمريكي بعدم ضرب النظام السوري بعد إتهامه بإستخدام الأسلحة الكيميائية، هي مرحلة حاسمة أسست للتردد الذي عاشته الإدارة الأميركية منذ ذلك الوقت، وفي الجهة الأخرى، إعتقد الأمريكيون إن الرئيس الأسد ديكتاتور آخر يمكن أية إنتفاضة عليه أن تسقطه، كما حدث في ليبيا ومصر وتونس واليمن، لكن ما حصل كان العكس تماماً، فالرئيس السوري لا يزال محمياً أكثر من اي وقت مضى، ومن هنا يعترف البيت الأبيض بالأخطاء التي إرتكبت في معالجة الأزمة، والعلاقة مع المعارضة السورية التي يعتبر البعض انها لم تتمكن من فرض نفسها كمعارضة موحدة وذات رأي واحد لمواجهة الأسد وتحمل مسؤولياتها العسكرية والسياسية لإسقاطه، كما أنها لا تشكل موضع ثقة بالنسبة الى الأمريكيين وحلفاءهم ولعل صعود تنظيم داعش بهذا الشكل ضاعف من النظرة السلبية التي يرى بها البعض المعارضة السورية وأخطاءها. في الأيام القليلة الماضية تجمعت مؤشرات عديدة تؤكد وجود مبادرة روسية جديدة لعلها بغطاء أمريكي من أجل إيجاد تسوية للأزمة السورية، ومن بين أهم هذه المؤشرات الحوار الذي تُعد له روسيا كما يبدو بين أطرف المعارضة السورية في الخارج والداخل وبين النظام السوري للبحث في بنود خطة تسوية سياسية شبيهة إلى حد بعيد بخطة مؤتمر جنيف "1"، أي تشكيل حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات، وبقاء الرئيس الأسد على رأس السلطة، وبالمقابل إتفق وزير الخارجية الأمريكية جون كيري مع نظيرة الروسي سيرغي لافروف على عودة الدور الروسي إلى سورية، وذلك من خلال رعاية روسيا إجراء حوار في موسكو بين أطراف المعارضة والحكومة السورية، ويشكل القبول الأمريكي بهذه الفكرة إعترافاً ضمنياً بأن الإئتلاف الوطني للمعارضة السورية في الخارج لم يعد يشكل في نظر الأمريكيين الممثل الوحيد للمعارضة السورية، في ظل هذا الحديث جاءت زيارة رئيس الإئتلاف السابق معاذ الخطيب إلى موسكو، ويدور الحديث عن حوار سوري على أساس جنيف "1" بمشاركة وفد موسع للمعارضة السورية في الداخل وقيادات المعارضة الخارجية. في سياق متصل أعادت الحرب الدولية على الارهاب عقارب السياسة والحرب الى الوراء، بسبب ظهور تنظيم داعش وتمدده عبر سورية والعراق ولبنان، وتهديده دول الخليج، بينما أظهرت قوة هذا التنظيم مفارقة الخلافات المستجدة بين الولايات المتحدة وتركيا التي بدأت تفقد ثقة واشنطن بها كحليف إسلامي يمكن الوثوق به، هذا التوجه الإمريكي الجديد والمتحول تدريجياً أظهر الخلاف بين واشنطن وحلفائها الإقليمين الى العلن بفعل تمدد تنظيم داعش وفشل السياسة " التركية القطرية السعودية الهجومية" في سورية في تنفيذ الهدف الأمريكي الأول المتمثل في إسقاط أركان النظام في دمشق، وهذا حتم على الرئيس أوباما تغيير سياسة بلاده تدريجياً في المنطقة وبدأ هذا التغيير في الحرب العالمية على الإرهاب الذي تقوده أمريكا حالياً عبر غارات جوية تنفذها ضد مواقع داعش في العراق وسورية، على خلاف رغبة حلفائها الإقليميين خصوصا في تركيا، ففي الوقت الذي يتمثل هدف واشنطن في التخلص من داعش من على الحدود بين تركيا وسورية، فإن أنقرة تصر على أن أي إستراتيجية لا تتضمن إسقاط الأسد، لن تؤتي أكلها مستشهدة بتصريح مسؤول تركي "إذا تعاملنا فقط مع أعراض المرض ولن نتعامل مع المرض نفسه، فسيستمر وجود داعش وستظهر جماعات إرهابية أخرى، كما أن أحد نقاط الخلاف أيضا تتمثل في رغبة واشنطن في استغلال قاعدتها الجوية في إنجرليك جنوب تركيا، في حربها ضد داعش، من أجل مهمات البحث والإنقاذ المحتملة، والتي يمكن إنجازها من خلال طلعات جوية لا تستغرق وقتا طويلاً، وهناك خلاف آخر بين البلدين على صياغة إتفاق تقوم بموجبه أنقرة بتدريب الجيش السوري الحر، ومن هنا كانت زيارة بايدن لتركيا الأكثر حساسية بسبب الوضع الدبلوماسي المعقد الذي تمخض عن تعليقاته التي إتهم فيها أنقرة بالسماح بمرور المقاتلين الجهاديين عبر حدودها لداخل سورية، وطالبه الرئيس التركي بإعتذار رسمي على تلك التعليقات. هذا التحول الأمريكي التدريجي في سورية لم يقتصر على الميدان العسكري، بل تعداه الى المجال الدبلوماسي والسياسي من خلال قرار أمريكي بإعادة فتح أبواب السفارة الأمريكية في دمشق في المدى القريب، والتي تعيد البعثة الدبلوماسية الأمريكية فتح أبوابها في دمشق وسوف يحضر دبلوماسيون أمريكيون الى السفارة الأمريكية في سورية لتمثيل مصالح بلادهم مباشرة. من خلال ذلك يمكن القول إن من أهم الأخطاء التي أدت الى عدم إيجاد الحلول للأزمة تكمن في أن رسم الحلول لسورية إنطلق من النقطة الخاطئة وهي العمل على إطاحة الاسد، بالإضافة الى الحديث عن إمكانية تغيير حدود سورية، وهذا أسوأ الإحتمالات لأن اي محاولة من هذا النوع ستفتح باب المتغيرات الحدودية للدول المجاورة، وفي ذلك خطر كبير ليس للعالم الغربي والشرق الأوسط قدرة على تحمله، لا سيما في ظل تفرّع الأزمة السورية الى مجموعة من الأزمات المتداخلة وإنبثاق خطر داعش منها، فضلاً عن الغموض في قراءة ما يمكن للرئيس أوباما القيام به إزاء حرب سورية، وحتى بالنسبة الى أسلوب ضرب تنظيم داعش لا يوجد إستراتيجية واضحة لكن من المؤكد أن هناك شبه إجماع على إن الإولوية الآن لمحاربة التنظيم وليس لإسقاط الاسد. هذا ما يرسم الأميركيون وحلفاؤهم من العرب معالمه لإعادة تشكيل الأنظمة السياسية في المنطقة إنطلاقاً من سورية، ولكن المعطيات الميدانية لا تشير إلى تطابقها مع هذه المعالم، لا سيما أن القوات السورية و قد إستعادت زمام المبادرة، وهذا ما قد يدفع الولايات المتحدة إلى إعادة النظر في رؤيتها للأمور، لا سيما أن إسرائيل غير قادرة في هذه المرحلة على تحريك ذراعها ولا تملك الأوراق الكافية التي تؤهلها للعب على طاولة الأحداث. وأخيراً يمكنني القول إن سورية إعتمدت في مواجهة المؤامرة سواء بوجهها الإرهابي أم في أجنداتها السياسية السرية والعلنية سبيلاً وطنياً واضح المبادئ والأهداف، يجسد إرادة السوريين وطموحاتهم الوطنية وتراكم عبر السنوات التي راوحت أربع سنوات نجاحات حققها الصمود السوري وتضحيات قواتهم المسلحة، وإذا كانت المصالحات الوطنية عاملاً بارزاً للنجاح فإن النصر على الإرهاب ودحره وإجتثاثه وإحباط مخططات داعميه باتت قريبة من المنال.
*صحفي وكاتب أكاديمي 
Khaym1979@yahoo.com