2024-04-19 10:06 ص

السعودية تدفع ثمن تمردها على سوريا

2014-11-26
بقلم: الدكتور خيام الزعبي*
في ظل المعادلة السياسية الحالية وتطورات الأوضاع العسكرية على الأرض السورية، تبرز تحديات جديدة أمام دول الإقليم، وبالأخص السعودية، التي ذهبت منذ بداية الأزمة الى أقصى درجات العداء مع سورية، بعد أن كانت المملكة العربية تهادن بين الفترة والأخرة، أو تتعامل بشيء من الدبلوماسية، ولم يكن الملك عبدالله يريد قطع العلاقات مع النظام، لعل النظام لن يسقط فيكون هناك خط للرجعة، وبعد أن شعرت السعودية أن الأزمة طويلة في سورية، وأنه يمكن لها أن تلعب دوراً إقليمياً ببسط نفوذها على المنطقة العربية وبضوء أخضر أميركي، راحت السعودية ترفع من سقف خطابها ودعمها للإرهابيين تدريجياً من أجل إسقاط النظام السوري. الحكام السعوديين ناقمون على إدارة أوباما لأنها لم تنفذ عدوانها ضد سورية وقبلت بالتراجع عنه لقاء تدمير السلاح الكيمياوي السوري، وزاد من غضب السعودية ونقمتها، اللقاء الذي جمع الطرفين الأميركي والإيراني في عُمان لبحث الإتفاق حول الملف النووي الإيراني، فهي تعتبر أن أي إتفاق بين الجانبين سيكون بمثابة تقوية لإيران على حساب المملكة، ما سيؤثر على إنفرادها في زعامة المنطقة والعالم الإسلامي، لذلك تترقب المملكة بفارغ الصبر فشل المفاوضات الجارية أو وصولها إلى حائط مسدود، ومن هنا، تنطلق مصادر سياسية متابعة لتضع الموقف السعودي في سياق "الكباش الإقليمي"، متحدثة عن هواجس سعودية لم تعد بخافية على أحد، هواجس يعمقها القلق المتنامي لدى القيادة السعودية من إمكانية الوصول إلى إتفاق في المفاوضات الدائرة حول الملف النووي الإيراني، الأمر الذي من شأنه تحطيم الآمال التي لا يزال البعض يعقدها في تشديد الحصار على إيران، كما توضح هذه المصادر أن السعودية، التي ربطت مصالحها في المنطقة بالمصالح الأميركية، تشعر اليوم بخوف كبير من أن يتخلى عنها الطرف الأميركي في حال توصله لمثل هذا الإتفاق، وبالتالي فإن لديها هاجساً كبير من تراجع دورها على الصعيد الإقليمي، وهو ما يربطه المراقبون أيضاً بتطورات "البيت الخليجي" بعد التمرد القطري، الذي وإن تم إستيعابه مؤخراً، يبقى مرشحاً للعودة إلى الواجهة في أي وقت، كما إن الأمر لا يقف عند حدود القلق السعودي ، بل يصل لحد خيبة الأمل التي تعتري القيادة السعودية، في ضوء فشل مشروعها في سورية، وعدم قدرتها على تحقيق أهدافها من خلال ضغطها على من تعتبرهم حلفاءها على هذا الصعيد، فضلاُ عن أن السعودية التي دخلت كجزء أساسي من التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، كانت تريد أن يكون مثل هذا التحالف مصوّباً باتجاه النظام السوري، إنطلاقاً من قناعة راسخة لدى السعوديين بأنّ ما يسمّونه "إرهاب النظام السوري" لا يقلّ شأناً عن إرهاب التنظيمات المتطرّفة والمسلحة في سورية. على الصعيد الآخر تظهر السعودية على انها الخاصرة الرخوة فيما يتعلق بالأوضاع في العراق واليمن وسورية إذ أصبحت خارج السيطرة السعودية، بل قد تكون السعودية اليوم تحولت من لاعب مؤثر الى هدف محتمل، يضاف الى ذلك ان السياسة السعودية غير الواضحة وغير المدركة لحجم الأخطار التي تتربص بالمنطقة، يتسبب اليوم في تعظيم هذه المخاطر، فالسعودية التي تشن حرباً مباشرة على الإخوان المسلمين في المنطقة، تدعم بسياساتها في سورية التصور التركي الحاضن لجماعة الإخوان المسلمين، كما تدعم التنظيمات المسلحة وتمولها بشكلٍ أو بآخر في سورية، وتعارضها في العراق القريب منها خوفاً من إمتدادها إلى أراضيها، وفي إطار ذلك فإن الواقع في المنطقة كان يجب ان يدفع دولة بحجم السعودية الى إنتهاج سياسة إنهاء الأزمات لا تصعيدها، خصوصاً إن تحديات السعودية الداخلية والخارجية باتت كثيرة، فكافة التقارير الامنية تشير الى ان المنطقة الشرقية من المملكة تمر بحالة غليان وفوضى عارمة، يضاف الى ذلك الإنقسام الواضح في القرار السياسي السعودي، بالإضافة الى أن السعودية اليوم تخوض حربا ً داخلية لا تقل خطورتها عن التهديدات الخارجية. واليوم فإن النار التي أشعلتها دول الخليج وتركيا وأمريكا وإسرائيل في سورية، أخذت تمتد ألسنتها اليهم، فالجميع يتذكر كيف إستشاطت هذه الدول غضباً على عدم تسليح الولايات المتحدة للمجموعات المسلحة في سورية بأسلحة فتاكة وعدم تدخلها عسكرياً في سورية، وهددت ونفذت تهديدها بدعم وتسليح هذه المجموعات، وهي تعرف جيداً إن كل هذا الدعم سيذهب الى تنظيم داعش والمجموعات التكفيرية في سورية، فالدعم غير المحدود والمفتوح للدول الخليجية، للمجموعات التي أوجدتها في سورية بهدف إسقاط نظام الأسد، قد أثار حفيظة حتى اقرب حلفاء دول الخليج في الغرب وأمريكا، فلا يمر يوم إلا وتكشف التقارير عن الدعم الضخم الذي تقدمه هذه الدول للمجموعات التكفيرية في سورية وفي مقدمتها تنظيم داعش، وهو ما دعا نائب الرئيس الامريكي جو بايدن الى الإعلان صراحة عن أن الدول الخليجية وتركيا وحلفاؤهم هي التي أوجدت ومولت ودعمت داعش في سورية، وبالتالي فإن المملكة التي كانت تعتقد إنها قضت على الإرهاب في الداخل وإنها وصلت الى المستوى الذي يمكنها من إدارة المجموعات التكفيرية خارج أراضيها وإستخدامها كأداة لتحقيق أهدافها، إلا ان الوقائع على الأرض لاسيما على الأرض السعودية أثبتت فشل هذه السياسية، وإن ما حدث في منطقة الدالوة ضد اتباع اهل البيت، كان القشة التي ستقصم ظهر السياسة السعودية على الصعيدين الداخلي والخارجي. في نهاية المطاف ستتغلب سورية الدولة على الإرهاب، وكل المعطيات تشير الى صمود النظام وحسمه المعارك الميدانية والدبلوماسية والسياسية، لذلك يبدو الموقف السعودي متراجع جداً، وتبدو السعودية في مأزق كبير، فهي لا تعرف إن كانت تستمر في أفعالها أو تتراجع عن دعمها للمجموعات المتشددة، بمعنى إنه بعد الإنفتاح الأميركي للحل السياسي، وصمود النظام السوري أمام الحرب الشرسة عليه، ووقوف حلفائه معه، فإن الامور متجهة نحو الحل السياسي للأزمة، والنظام لن يخرج خسراناً، وبالتالي فإن بعض الدول العربية ولاسيما السعودية ستكون في قمة الإحراج، وعليها أن تبحث عن فرصة لتعيد العلاقات مع سورية، فبدون سورية لا يمكن ان تمر اي ملفات إقليمية تهم المنطقة، بإختصار شديد يمكنني القول إن كل هذه المعطيات تشير الى إن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، خصوصاً إن سيناريو التفاهم الأمريكي الإيراني قد يعود الى السطح مجدداً، ما يعني نتائج سلبية جديدة لبعض دول الاقليم في المنطقة.
*صحفي وكاتب أكاديمي 
Khaym1979@yahoo.com