2024-04-20 09:15 ص

التصريحات الأخيرة للمتصهين فابيوس بالشأن السوري

2014-11-27
بقلم: الدكتور بهيج سكاكيني
وزير الخارجية السيد فابيوس لا يترك فرصة دون محاولة للمناطحة لإثبات الذات على وعسى أن يسجل له التاريخ موقعا يخلد ذكره، كما هو الحال مع رئيسه هولاند الي يقحم نفسه في لعبة الكبار باحثا عن دور لفرنسا، عله ينال على قول المثل الشعبي "طرطوشة" من هنا او هناك للحق يقال أن المكارم الوهابية قد وصلته عندما زار مهد الوهابية باحثا عن لقمة العيش لاقتصاد بلاده المتهالك، حيث وصلت صفقات السلاح التي تنوي السعودية اشرائها الى ما يقارب من 20 مليار دولار. السيد فابيوس صرح مؤخرا ان فرنسا تسعى لإقامة منطقة عازلة في حلب بحيث لا تتمكن الطائرات السورية من ممارسة أي نشاط ضمن هذه المنطقة، بمعنى إقامة منطقة حظر جوي ربما كتلك التي فرضت على بنغازي عام 2011 تحت غطاء دولي لحماية المدنيين، وجميعنا يعلم الى ماذا آلت عليه الأمور من الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي وتدمير ليبيا واشاعة الفوضى وعدم الاستقرار والتي ما زالت تعاني منها ليبيا لغاية الآن. والذي يبدو ان السيد فابيوس ما زال يحلم بتكرار التجربة الليبية وتطبيقها على سوريا. وكانت فرنسا من أوائل الدول التي اقترحت بإقامة مناطق عازلة وحظر جوي في بداية الازمة السورية، ولكن دعواتها لم تجد اذانا صاغية من المعلم والمايسترو الذي يدير اللعبة ويحدد الأدوار أي الولايات المتحدة. ولكن فرنسا برئيسها ووزير خارجيتها لا يرون حرجا في تكرار واجترار المواقف في هذا الشأن لعل وعسى أن يغير المايسترو تحت تأثير الضغوطات من الداخل الأمريكي وخاصة مع سيطرة الجمهوريين على مجلسي النواب والشيوخ الان، وكذلك من ضغوطات الدول الخليجية وخاصة السعودية التي ما زالت تنعق كالغراب يوما بعد يوم وتفتح خزائنها وتبدي الاستعداد الكامل لدفع أي مبلغ مهما كبر لتحقيق حلمها الابدي لإسقاط الدولة السورية، وعلى الأخص إزاحة الدكتور بشار الأسد من القيادة السياسية. والجميع بات على علم بالمليارات التي دفعت لفرنسا من السعودية تحت مسميات مختلفة بهدف أن تقف فرنسا الى جانب العمل على اسقاط الدولة السورية، سواء من تسليح المعارضة أو بالدعم السياسي لهذا الغرض أو تبني اطروحات ومشاريع قرارات قدمت لمجلس الامن تتيح العدوان العسكري على سوريا. واللافت للنظر ان تصريح فابيوس تضمن ان باريس تعمل على التنسيق مع مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا السيد دي ميستورا بشأن إقامة المنطقة العازلة، وكان دي ميستورا قد قدم أفكارا الى الحكومة السورية حول ما سمي "تجميد القتال" في حلب، وما زال الكثيرون يحاولون فك رموز هذه الاحجية لان هذا التعبير او المصطلح غير متواجد في كل القواميس العسكرية او القانونية، ولذلك طالبت الحكومة السورية المبعوث الدولي بإعطاء تفسير لهذا المصطلح الجديد وطرحت العديد من الأسئلة التي تتطلب الإجابة عليها. على العموم عودة الى السيد فابيوس الذي أضاف الى التصريحات السابقة الى انه يتوجب تسديد ضربات غامضة لإقامة المناطق الامنة، وطبعا المقصود هنا تسديد ضربات للجيش العربي السوري. ومن هنا نجد أن الموقف الفرنسي يأتي متطابقا ومتناغما مع موقف أردوغان الذي كان أحد شروطه التي وضعها لانضمام تركيا الى "التحالف الدولي " لمحاربة داعش إقامة منطقة عازلة أو آمنة أو منطقة حظر جوي على الحدود وداخل الأراضي السورية بعمق يتراوح بين 5 الى 35 كيلومتر تقريبا. ومؤخرا تحدث اردوغان عن "الوقاحة الامريكية في التعاطي مع الملف السوري". رأى البعض أن هذه التصريحات الفرنسية والتركية التي أتت متزامنة مع الدعوات الروسية للحل السياسي للازمة السورية من خلال الحوار بين المعارضة السورية والدولة السورية الي تعمل على استضافته في موسكو، انما تأتي للتخريب على ما طرحته موسكو التي اجرت حوارا مع وفد من بعض عناصر المعارضة، الى جانب الاجتماع بالوفد السوري الذي ترأسه وزير الخارجية السوري وليد المعلم قبل بضعة أيام. قد يكون هذا الى حد ما صحيح، ولكن هذه الدعوات بما يخص حلب وضرورة حمايتها من التقدم الملحوظ للجيش العربي السوري ومحاصرة ما تبقى من المعارضة المتآكلة ليس بالأمر الجديد. فقد كانت هنالك دعوات منذ 2012 بهذا الخصوص. وهنالك مقال لافت كتبه وزير الخارجية الفرنسي ونشر في الواشنطن بوست 3 نوفمبر 2014 بالإضافة الى الفيغارو الفرنسية وجريدة الحياة اللندنية بعنوان "بعد كوباني انقذوا حلب"، أكد فيه على ان حلب هي "حصن" المعارضة المعتدلة وان على التحالف الدولي مساعدتهم. وذكر في المقال بان " التخلي عن حلب يعني الإبقاء على العنف في سوريا لسنوات"، واضاف" ان التخلي عنها يعني نهاية الآمال لأي حل سياسي في سوريا". وفي مقاله يساوي السيد فابيوس الجيش العربي السوري الذي يحارب الارهاب التي أمدته فرنسا بشكل مباشر أو غير مباشر بالإرهابيين التكفيريين من داعش والنصرة التي استسلم لها بعض المجموعات المسمية بالمعتدلة بأسلحتهم الفرنسية والأمريكية. ولقد اشارت المصادر الفرنسية مؤخرا الى ان 80% من الأسلحة الفرنسية التي أرسلت للمعارضة في سوريا انتهت الى المجموعات المرتبطة بالقاعدة كالنصرة وداعش في سوريا. ما أصاب به السيد فابيوس هو ان حلب هي آخر معاقل أو "حصن" كما في مقاله للمعارضة "المعتدلة" التي تتمول وتتسلح وتتحرك منه واليه عبر الأراضي التركية وهي المعبر الرئيسي وقد يكون المنفذ الوحيد "للمعارضة المعتدلة"، وإذا ما ذهبت حلب وهربت "المعارضة المعتدلة" تحت ضربات الجيش العربي السوري فان الحسابات الفرنسية والتركية في تحقيق أية مكاسب أو حتى أدوار في رسم الخرائط الجيوسياسية للمنطقة قد تذهب هباء منثورا بكليتها. والمخططات التركية والفرنسية هي تقسيم الجغرافيا السورية الى دولتين احداهما في الشمال وعاصمتها حلب والأخرى جنوبية عاصمتها دمشق أو هكذا قيل عن أحلام الطرفين. ومن هنا نرى الأهمية الجيوسياسية لحلب بالنسبة لهذه الأطراف. ولقد أشار معهد الدراسات الأوروبية "انترناشيونال كرايسس جروب" في دراسة نشرت في 9 سبتمبر ، أن سقوط حلب سيكون له أثر كبير على معنويات "المعارضة المعتدلة" التي ما زالت تسيطر على بؤر متناثرة محدودة على الساحة السورية مما سيؤدي الى تركها لساحة القتال او الانضمام الى مجموعة قوية مثل داعش. وفي كلا الحالتين فان هذا سيشكل النهاية الحتمية لفلول "الجيش الحر". وتستخلص الدراسة انه من الضروري في المرحلة الحالية " ان تحسن الدول الداعمة للمعارضة من دعمها كما ونوعا" وتضيف الدراسة " ان هذا يتطلب في الحد الأدنى، زيادة المساعدات المالية، والذخائر والأسلحة المضادة للدبابات المقدمة لفصائل المعارضة المعتدلة، والتي يمكن ان ينتهي بعضها في ايدي الجهاديين". "وعلى ان هذا يتطلب مستوى اعلى من الاستثمار من قبل الولايات المتحدة والتعاون بين السعودية وقطر وتركيا". ولم توضح الدراسة ما المقصود من المستوى الأعلى من الاستثمار من قبل الولايات المتحدة. ولكن الذي يبدو ان التفاهم والمصالحة التي تمت بين السعودية بالتحديد مع قطر قد تدخل ضمن هذا الإطار أو المخطط مع انتظار دخول تركيا الى قطر والسعودية من الباب القطري، حيث أن هنالك تقاطع واضح في المصالح بالنسبة لسوريا. والذي يبدو ان هذا الثالوث الإرهابي قد اعطي مزيد من الوقت لحين العودة للمفاوضات مع ايران على برنامجها النووي، "لإنقاذ" الوضع في حلب على الأقل بمنع تقدم الجيش العربي السوري وتحقيق مزيد من القضم التدريجي للمناطق التي ما زالت تحت سيطرة المسلحين، وذلك للاحتفاظ بورقة في أي حل سياسي قادم او مرتقب. مع الانتباه الى أن " الجهد وحتى في حالة نجاحه فانه لن يغير شيئا من ميزان القوى العسكري لصالح المعارضة المعتدلة، لكنه قد يمنع هزيمتها" كما خلصت دراسة معهد "انترناشيونال كرايسس جروب". في النهاية نود ان نؤكد على ان الدور الفرنسي أو التركي لن يكون فاعلا الا من خلال الدور الأمريكي اللاعب الأساسي في هذه المسرحية المسماة محاربة تنظيم "داعش" في العراق وسوريا، وبالتالي مهما علت الأصوات او العنتريات الفرنسية او التركية فالقرار هو لصاحب البيت الأبيض. وللتأكيد على ذلك ففي اخر زيارة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري لباريس وفي معرض الحديث عن سوريا قال " إذا ما أراد الفرنسيون الاقدام على أي عمل عسكري في سوريا، والذي لم يصرحوا به حتى الآن، فنحن بكل تأكيد سنرحب بالحوار معهم حول ما هي المشاركة التي يودون عملها" والنبيه من الإشارة يفهم ما المقصود بذلك. ولمزيد من التوضيح نعود ونذكر بان البيت الأبيض صرح حول "التحالف الدولي" المزعوم لمحاربة داعش " ان الولايات المتحدة هي من سيقود هذا التحالف" وعلى ان " القيادة الامريكية هي الثابت الوحيد في هذا العالم المتغير. امريكا هي الدولة الوحيدة التي لديها القدرة على تحشيد العالم ضد الإرهابيين". أمريكا في المرحلة الحالية لا تريد القضاء على داعش لأنها تريدها ورقة للضغط على سوريا وحلفاء سوريا وخاصة ايران في ملفها النووي بالإضافة الى روسيا، وتريد استخدامها كفزاعة ربما هنا وهناك كقوة يمكن استخدامها في ملفات إقليمية التي لم تنتهي بعد. وبالتالي فان أمريكا تريد فقط احتواء داعش وحصرها في مناطق جغرافية محددة ولن تسمح لها بتجاوز هذه الحدود. ولنا في تجربة أربيل والعاصمة بغداد ومؤخرا عين العرب أمثلة حية على ذلك. والذي لا يستطيع أي انسان مهما بلغت سذاجته السياسية ان يستوعب لماذا لا تقوم الطائرات الامريكية لغاية الان بالقضاء على مقاتلي داعش الذين ما زالوا في تلك المنطقة المكشوفة لعين العرب، وضرب كل الامدادات التي تصلهم عبر الأراضي الصحراوية المكشوفة والمراقبة من الأجواء على مدار الساعة وخاصة وأن قوافل الامدادات بالرجال والعتاد العسكري والأسلحة الثقيلة تقطع مئات الاميال للوصول الى عين العرب. الجواب ببساطة ان أمريكا تريد ان تبقي الحال على ما هو في المرحلة الحالية، وهي ليست معنية للاستجابة للمطالب التركية أو الفرنسية في إقامة منطقة حظر جوي او منطقة عازلة او آمنة التي ينادي بها الطرفين، وهو ما صرح به مؤخرا قائد القوات البرية لحلف الناتو الأمريكي الجنرال جون نيكلسون " الناتو لا يدرس إقامة منطقة حظر جويفي سوريا".

الملفات