2024-04-25 07:59 ص

بوتين – أوباما .. جردة حساب ؟!

2014-11-28
بقلم : محمد بكر*
من قمة دول العشرين الأخيرة المنعقدة في استراليا كان أول المغادرين , أدار ظهره لكل التحشيد الأمريكي الحاصل ضده , ولم يعبأ بكل ذلك الصراخ والتهديد والوعيد الذي أطلقه أوباما لجهة استمرار واشنطن وحلفائها بعزل روسيا إذا ما استمرت بخرق القوانين الدولية (بحسب الرؤية الأمريكية) , لم ترعبه العقوبات الاقتصادية المفروضة في محاولة لتغيير النظام في روسيا كما بين سيرغي لافروف , رمى كرته في الملعب الأمريكي فارضاً شروطه لعودة المياه إلى سواقيها في العلاقة مع واشنطن لجهة الاحترام المتبادل للمصالح, والتكافؤ, وعدم التدخل في الشؤون الداخلية, كيف لا وقد أتم كل خطوات استيلاد " الذات الدولية " , وظهّر كل القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية ,إنه سيد الكرملين ذو الإطلالة المميزة والحضور الفريد المتربع بقوة على العرش الدولي, وصاحب الشخصية القيادية وماتختزنه من عوامل القدرة والثبات والثقة التي شكلت العامل الرئيس لانجذاب حتى خصومه نحوه , من ديفيد كاميرون الذي لم يكد يخبو هيجانه على منبر التهديد, والمنخرط حتى النخاع في الخطاب الأمريكي الموجه ضد روسيا حتى كان أول المهرولين باتجاه مقر بوتين في قمة العشرين, إلى فرانسوا أولاند الذي سارع هو الآخر لمجالسة بوتين في نفس السيارة مروراً بالدعوة التي وجهها رئيس الوزراء الإيطالي لبوتين من أجل حضور المؤتمر الاقتصادي القادم في ميلانو . في مشهدية الاشتباك الروسي – الأمريكي التي لم تهدأ لحظة ً واحدة منذ اندلاع ماسمي بالربيع العربي , يزداد لظى مشاهد النزاع, وتتوارد بزخم صور الحرب الباردة, تتسع معها ساحات الكباش " وتناطح " الرؤوس الحامية, في صورة يعيد فيها التاريخ رسم نفسه من جديد يعمل من خلالها الروسي بدأب شديد, لرد الصاع ,وإثبات التفوق ولاسيما مع ذاكرة ٍ تفيض بالأسى وتستحضر مفرزات الحرب الباردة التي اندلعت على مدى ستة وأربعين عاماً مع نهاية الحرب العالمية الثانية بين الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي ونظيرتها الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي استطاعت أن تكسب تلك الحرب وتتفرد بقيادة العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1991 لجهة فرض السياسات والرؤى الأمريكية قسراً على الشعوب , وإخضاع العالم لتوجهاتها وقوانينها السلطوية ولاسيما المتعلقة منها بالدعم اللامتناهي للكيان الصهيوني والوقوف بوجه كل القرارات الدولية التي من شأنها إدانة الجرائم الصهيونية وممارساتها القمعية ضد أبناء الشعب الفلسطيني . ما ميز الحرب الباردة آنذاك هو سباق التسلح الذي كان في ذروة احتدامه بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة إضافة لجملة من المذاهب والرؤى والاستراتيجيات والمبادئ التي كان يطرحها الساسة الأمريكان خلال سنوات الحرب في محاولة للاستئثار بمناطق النفوذ والضغط على الخصم الروسي , تماماً كما يحدث اليوم في ساحات وميادين النزاع الروسي – الأميركي , ولعل أشهر تلك المذاهب هو مذهب ترومان وأيزنهاور لمواجهة المد الشيوعي وما رافقها من سباق غير مسبوق لتصنيع الأحلاف والانخراط في معادلة صراع المحاور , إذ كان جوهر تلك المذاهب هو الإقدام الأمريكي نحو تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية للدول, في محاولة للحصول على مناطق نفوذ فيها , ما يؤسس لأرضيات صلبة لمواجهة الاتحاد السوفييتي وإيقاف تغلغله ,إذ أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان في العام 1947 عن مشروع أمام الكونغرس لتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية لكل من اليونان وتركيا وذلك لسد الفراغ الذي تركته بريطانيا في ذلك الوقت , إضافة للنهم الأمريكي حينها للحصول على مناطق نفوذ في البحر المتوسط ومنع السوفييت من الوصول إلى المناطق الدافئة , وبنفس النهج وبذات الاستراتيجية والأسلوب تقدم الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور برسالة وجهها إلى الكونغرس في العام 1957 حول الوضع في الشرق الأوسط وماسمي حينها بمبدأ أيزنهاور الذي نص على أن أي بلد يستطيع أن يطلب العون من القوات المسلحة الأمريكية ولاسيما ضد الأخطار التي تأتي من بلدان خاضعة لسيطرة الشيوعية الدولية , فكانت أزمة لبنان في العام 1958 التطبيق العملي الأول لذلك المبدأ عندما أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى بيروت فيما عرف حينها بعملية الخفاش الأزرق لدعم الرئيس كميل شمعون ضد الحراك المسلح الذي دعمه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر آنذاك في فترة الوحدة مع سورية, وذلك رداً على سياسة كميل شمعون الرافضة لقطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي هاجمت مصر في عدوان 1956. واليوم تستمر السياسة الأمريكية في تدخلها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة , تصوغ الاستراتيجيات والاتفاقات الأمنية , وتغدق في تقديم المساعدات لمن تسميهم معارضات وشعوب ثائرة , وتستحوذ على مقدرات الخليج العربي , وعلى أراضيه تنشر قواعدها العسكرية , في محاولة لتوطيد مواطئ أقدامها في المنطقة, وتحت يافطة محاربة الإرهاب المصنوع والمغذى على عينها تحاول العودة إلى المنطقة , فليست وحدها سياسة أوباما التي لم تتغير منذ العام 2009 كما عدّها رودس نائب مستشارة الأمن القومي الأمريكي في كتابه " خطابات أوباما ", بل إن سياسة جميع من تعاقب على الإدارة الأمريكية لم تتغير أيضاً . في مقال نشر في صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 11/ 11/ 2014 كتب السفير الروسي في واشنطن يقول : إن واشنطن تحاول الوصول إلى آسيا لكن الروس سبقوها إليها وهم موجودون فيها فعلاً, وهذا جوهر الصراع الحاصل بالفعل لجهة السباق الروسي – الأمريكي للاستئثار بمناطق نفوذ في منطقة آسيا , هذه المنطقة التي عدها بوتين منطقة استراتيجية تتوافر فيها المناخات المثالية للاستثمار, وفي ذروة احتدام ذلك المشهد من الاشتباك , ومن سورية إلى أوكرانيا مروراً بإيران والعراق ومصر يمضي الروسي قدماً في فرض هيبته الدولية , يقف طويلاً في "جردة حساب " لإبطال مفاعيل السطوة الأمريكية , وعلى وقع تفاقم الخلافات الأمريكية بشأن الاستراتيجية الموضوعة لمحاربة " داعش " , يتنامى حراكه في اللعبة الدولية في محاولة لتكريس الحضور الفاعل وتوسيع دائرة التحالفات ضد خصومه الدوليين, إذ لم يجد حرجاً وفي أكثر المراحل تعقيداً وتشابكاً فيما يتعلق بمفاوضات الملف النووي الإيراني في الإعلان عن اتفاق روسي – إيراني لإقامة مفاعلات نووية إضافية في إيران , ولاننسى في ذات السياق المشهد الذي قدم فيه بوتين هدية لنظيره روحاني في قمة دول بحر قزوين الأخيرة وهي درع من البرونز يعود تاريخه إلى جيش الشاه عباس الأول قائلاً له : أنتم من يستحق أن يحتفظ بهذا الدرع , فيما يواصل ( أي الروسي ) تمسكه بالموقف المبدئي من الأزمة السورية المنطلق ليس فقط من العلاقات التاريخية التي تربط بين البلدين وإنما من إيمان روسيا بمبدأ سيادة واستقلال الدول بحسب ماجاء على لسان بوغدانوف الذي لم يجد هو الآخر أي حرج عندما صرح من لبنان بأن روسيا ترى في حزب الله قوة فاعلة رئيسة في المنطقة وعلى استعداد للتعاون معه من أجل استقرار وأمن لبنان, ولانغفل أيضاً عن العروض العسكرية الروسية التي وضعت في متناول الجيش المصري في محاولة لضم مصر وتعزيز المحور الروسي . فهل ينجح الروسي في تسيد المشهد الدولي وتالياً تكون حساباته في منتهى الدقة والفاعلية تُحسم معها النتيجة بالضربة القاضية وتلحق الخسارة المادية بالرابحين المفترضين في الحرب الباردة كما سماهم بوتين ؟ أم إن الحقيبة الأمريكية لازالت ملأى بالأوراق الرابحة يتحول معها الربح المفترض إلى ربح واقعي يستطيع تصفير الحسابات الروسية وإنهاء اللعبة ؟؟
 *كاتب فلسطيني مقيم في سورية