2024-03-28 06:36 م

بوغدانوف: الأمير بندر قال لي سندمر سوريا

2014-12-13
سامي كليب
منذ لحظة وصوله الى المنطقة، حرص نائب وزير الخارجية الروسية ميخائيل بوغدانوف على إظهار لهجة أكثر حزما حيال دعم نظام الرئيس بشار الاسد. لمس بعض محاوريه ان نبرته ارتفعت عما كانت عليه في اللقاءات الماضية. اللهجة مرتبطة باحتدام الصراع الروسي الاطلسي. يدرك الرئيس فلاديمير بوتين ان سوريا مهمة جدا في هذه الصراع. لا بد من العودة بقوة اذاً صوب دمشق.

استقبل بوتين علانية وبترحيب كبير وزير الخارجية السورية وليد المعلم. رفع مستوى توريد السلاح كماً ونوعاً الى الحليف السوري. قال للمعلم إنه فوجئ واُعجب بنسبة التصويت لمصلحة الأسد في الانتخابات الرئاسية. قال كلاما عاليا جعل الوفد السوري يقول أثناء عودته إنه «سمع ما فاق توقعاته».
تلك السجادة الحمراء التي فرشها بوتين، جعلت بوغدانوف يتقدم عليها صوب المنطقة، مدركا ان مهتمه الاولى هي دعم سوريا كي تصمد، لأن في صمودها ما يقوِّي اوراق الصراع الروسية مع الغرب. لا بد اذاً من دفع المعارضة إلى محاورة النظام، او على الاقل من تحميلها مسؤولية احباط الحوار. يقين موسكو ان المعارضة المفككة بسبب خلافاتها الداخلية، وخفوت الدعم الغربي لها، سيدفعانها إلى قبول المسعى الروسي. ربما في هذا اليقين بعض مغالاة.
لم يكن غريبا اذاً، ان يسمع بعض معارضة الداخل كلاما من بوغدانوف فيه شيء من السخرية حيال «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة». قال ما حرفيته وبلغته العربية الممتازة: «سنذهب الى إسطنبول لنرى معارضة فنادق الخمس نجوم إذا ما كانت تعيش فعلا رفاهية الحياة» ضحك الجميع. كانت الرسالة واضحة.

بندر والتدمير

لم يكن غريبا أيضا ان يروي بوغدانوف لمحادثيه في المنطقة، كيف ان رئيس الاستخبارات السعودية السابق الامير بندر بن سلطان قال حرفيا في موسكو: «نريد تدمير هذا النظام العلوي في سوريا حتى لو جرى تدمير سوريا». وحين سأله بوغدانوف: «كيف كانت علاقتكم بالرئيس الراحل حافظ الاسد؟»، سارع الامير السعودي إلى الاجابة: «كانت ممتازة، وكان رجلا حكيما»، فقال له بوغدانوف: «إذاً المشكلة ليست في النظام العلوي، بل مع الرئيس بشار الاسد نفسه». كَشفُ هذا الأمر الآن يحمل رسالة روسية واضحة ايضا حيال الرياض.
لم يكن غريبا كذلك، أن يوجه بوغدانوف انتقادات لاذعة إلى الاميركيين برغم انه كشف عن موافقتهم على التحرك الروسي الحالي. روى لمحادثيه كيف جاء جون كيري بعد 3 اسابيع على مفاوضات جنيف 2 يقول للروس: «لقد فشلت المفاوضات، وسوف نعود الان الى الحرب»، كان الجواب الروسي انكم حين تتولون الاشراف على التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين تمضون 9 أشهر ثم تمددون 9 أشهر اخرى ثم تكررون الامر لفترات طويلة، فلماذا لا تفعلون الشيء نفسه لانقاذ سوريا.
قناعة بوغدانوف بان لا ثقة مطلقا حاليا بالاميركيين. إمكانية ان يخدعوا قائمة. فهم متفقون مع موسكو على هذا التحرك لجمع المعارضة والدولة، لكن الموافقة هي من باب «سنترككم تتحركون ولا شك انكم ستفشلون». هذا بالضبط ما يجعل المسؤولين الروس يتحفظون جدا على تأييد اي عمل اميركي او أطلسي خارج مجلس الامن ضد داعش، ولعلهم في قرارة أنفسهم لم يرتاحوا كثيرا لانفتاح سوريا على الرغبة في التعاون مع التحالف الدولي ضد داعش. فهم كما الايرانيون، يرون ان اي اشارة إيجابية للتحالف تعني السماح لاميركا وحلفائها بارتكاب اخطاء، والقيام بخدع على الاراضي السورية.
من قابل المبعوث الروسي فقد سمع مثلا كيف ان كيري نفسه قال للروسي: «لا تعتقدوا بأننا جئنا نضرب داعش في سوريا لكي يستفيد النظام». يبدو ان هذا الامر كان محور صدامات كثيرة روسية اميركية. سابقا، كان الاميركيون يقولون للروس ما دام نوري المالكي في السلطة فلن نتحرك لضرب الارهاب في العراق، وهم يقولون الشيء نفسه تقريبا في سوريا، برغم انهم مضطرون إلى ضرب داعش. رد الروس أكثر من مرة، وفق رواية بوغدانوف، بالقول: «انكم بهذا ايضا تخرقون كل القانون الدولي والانساني، لانكم تسهلون الارهاب لغايات سياسية، وهذه سابقة في السياسة الدولية».
لماذا التحرك اذا الان ما دام لا ثقة بالاميركيين؟ ببساطة لان موسكو تريد احراج واشنطن، وإحداث اختراق سياسي، او الايحاء بهذا الاختراق. الاسد متفهم لهذا الامر، وهو يريد تسهيل المهمة الروسية برغم انه قال اكثر من مرة لبوغدانوف وغيره إن هذه المعارضة لا تؤثر في شارع واحد ومن الافضل التحاور مع المسلحين. لا بأس، فالاسد، تماما كما موسكو، يدرك ان الائتلاف وحلفاءه هم المحرجون بالتحرك الروسي. إن قبلوا الذهاب الى موسكو، فإن هذا يعني انهم قبلوا توسيع اطار المعارضة، ما سيلغي دورهم الاول، وان لم يقبلوا، فهم يتحملون نتيجة الفشل ويقتصر الحوار على اطراف معارضة يقبلها النظام.

بوغدانوف ينتقد الاعتقالات

حين طرح وزير الخارجية السورية وليد المعلم ان تكون اجتماعات المعارضة والحكومة السورية في دمشق، كان الجواب: «لا، ليس في دمشق، بل في موسكو، هذا افضل». سأل المعلم عن السبب، وخصوصا ان دمشق باتت آمنة الآن، فكان جواب بوغدانوف: «لو كانت آمنة لما اختفى عبد العزيز الخير ورجاء الناصر، واعتقل لؤي حسين». موسكو منزعجة من اختفاء او اعتقال هؤلاء المعارضين الثلاثة.

حاولت التدخل أكثر من مرة للافراج عنهم او لمعرفة مصيرهم، كان الجواب بالنسبة إلى الخير ان الدولة لا تعرف اين هو، وبالنسبة إلى الاخرين فإن ثمة اجراءات قضائية. ثمة من ينقل عن السفير الروسي في دمشق قوله ان بوغدانوف طرح موضوع رئيس تيار بناء الدولة لؤي حسين على الرئيس الاسد، ولكنه لم يلق جوابا شافيا. دمشق تتسلح دائما بالجوانب القانونية والقضائية، بينما موسكو ترى في الامر مؤشرات سياسية ضرورية لبناء الثقة.
هذا بالضبط ما قاله المعارض السوري الدكتور هيثم مناع لموفد روسي زاره قبل فترة. سأله المسؤول الروسي عن كيفية تفعيل هيئة التنسيق، وانهم يعولون على دوره الشخصي في سياق الحل السياسي والتحاور، سأله مناع: «هل تقبلون حكومة فيها عبد العزيز الخير وزيرا للعمل، ولؤي حسين وزيرا للنقل، ورجاء الناصر وزيرا للعدل؟». ذهب المسؤول ولم يعد، فاختار مناع الصمت مستندا الى حديث نبوي يقول: «من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا او فليصمت»، ويضيف: «في هذه المرحلة الصمت موقف»، لكنّ العارفين ببعض تحركات المعارضة في الخارج يلمسون توسيعا لهامش تحرك مناع، واستقبال مسؤولين غربيين وعرب كثيرين له، كان بعضهم يرفض حتى الحديث اليه في السنوات الماضية.
بوغدانوف كان قد التقى في بيروت وفدين من المعارضة السورية يوم السبت الماضي، الاول يضم منى غانم وأنس جودة من قيادة تيار بناء الدولة، ونضال السبع الوسيط بين بعض معارضة الداخل والسفارة الروسية في بيروت. استمر اللقاء ساعة كاملة من الـ4 الى الـ5 مساء. كان مرصودا له نصف ساعة على ان يكون النصف الآخر لوفد هيئة التنسيق بقيادة حسن عبد العظيم، وعضوية صفوان العكاش وأحمد الحسراوي. تأخر الوفد لمشكلة في أوراق العكاش عند الحدود السورية. جرى اتصال بالامن السوري، جرى تمرير الوفد فوصل متأخرا.
عند وصول عبد العظيم وصحبه، اجتمعوا بمدير إدارة الشرق الاوسط في الخارجية الروسية بينما كان بوغدانوف قد ذهب للقاء الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ولكن حين عاد اجتمع مع عبد العظيم والوفد بحضور نضال السبع.
إشادة بمعاذ الخطيب

لوحظ في خلال لقاءي بوغدانوف مع وفدي معارضة الداخل أنه سأل عن هيثم مناع وركز على اهمية دور هيئة التنسيق، ولكنه سأل أيضا عن رأيهم في الشيخ معاذ الخطيب، الرئيس السابق للائتلاف، واشاد بدوره وتحدث عن بعض الاتصالات الروسية معه. كان لافتا ان حسن عبد العظيم أشاد هو الآخر بمعاذ الخطيب، وقال إن هيئة التنسيق على تواصل وتنسيق دائمين معه، وان الخطيب بات يقود مجموعة من الأعضاء السابقين للائتلاف، المؤمنين بالحل السياسي والتفاوض.
منى غانم التي تقود «تيار بناء الدولة» حاليا في الداخل السوريّ بعد اعتقال رئيسه لؤي حسين تحدثت عن مجموعة من النقاط، ابرزها: «الحفاظ على وحدة الاراضي السورية. بناء الدولة الديمقراطية العادلة. إطلاق الحريات والمعتقلين السياسيين. الحفاظ على مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية. محاربة الارهاب بكل الطرق السياسية والثقافية والعسكرية».
اما عبد العظيم، فقد قدم مشروعا للحل من صفحات عديدة. تتضمن الصفحات النقاط التي كررتها هيئة التنسيق غير مرة. جرى حديث عن مسؤولية الدولة السورية وضرورة قيامها بخطوات لبناء الثقة.
لا خطة واضحة
مختصر الامر ان بوغدانوف جاء ليسمع كل وجهات النظر، وخصوصا انه يسير في حقل الغام. فلا الائتلاف يريد دورا فاعلا روسياً، خشية من أن يكون قريبا من النظام، ولا النظام مؤمن بتأثير للمعارضة الخارجية في الوضع الداخلي، ولا اميركا تريد لروسيا ان تنجح حيث فشلت هي. ولذلك فإن أقصى الطموح هو ان تنجح روسيا بجمع المعارضة اولا في موسكو، للاتفاق على وفد معارض، ثم أن تجمعها مع السلطة. اذا نجحت في الخطوة الاولى، فهي دون ادنى شك ستجد شبه استحالة في انجاح الخطوات التالية.
أميركا ليست جاهزة بعد، والسعودية لم تغير رأيها. هذا ما يمكن فهمه من نقاشات بوغدانوف مع الاطراف الاخرى، من دمشق الى حزب الله مرورا بقيادات لبنانية. ولعل حزب الله سمع من المبعوث الروسي كلاما مفاده بان موسكو لن تتأخر في دعم سوريا سياسيا وعسكريا باقصى ما تستطيع لكي تضرب الارهاب.
من الطبيعي ان يشعر حزب الله بأن موسكو اليوم اكثر تشددا من اي وقت مضى في دعمها لسوريا وتقديرها لدور حزب الله في ضرب الارهاب. لعل الحزب لمس ان لهجة بوغدانوف اليوم اكثر صلابة من تلك التي سمعها منه وفد الحزب في موسكو. هذا رصيد اضافي لموقف روسي سابق. حين جاء وفد المجلس الفدرالي للبرلمان الروسي برئاسة نائب رئيسه إلياس اوماخانوف والتقى مطولا قيادة حزب الله، واستهل لقاءاته في لبنان بعشاء على مائدة الحزب، قيل كلام كبير الاهمية آنذاك، لدرجة جعلت قيادة المقاومة تقتنع بأن موقف موسكو اكثر استراتيجية مما يعتقد البعض، وأكثر استعدادا للمواجهة مما يظن خصوم موسكو.
يبدو ان بوغدانوف يأتي بالتفكير عينه. ذلك ان حماية سوريا هذه المرة باتت اكثر من ضرورية لمستقبل الصراع الروسي الغربي، ما يفترض سحب كل احتمالات «الغدر الاميركي»، واقناع جميع الاطراف السورية بأن الحوار هو الافضل.
لعل اسرائيل فهمت الرسالة قبل غيرها، فردّت في اليوم التالي للقاء بوغدانوف مع حزب الله وزيارة المعلم الى ايران بقصف مواقع قرب دمشق.
هل تنجح موسكو؟ من الصعب ذلك، لكنها سحبت ولو لحين اضواء الملف السوري لمصلحتها. هذا بحد ذاته مهم في أوج الصراع الروسي الاطلسي. هذا ما يدفع الاسد إلى تسهيل مهمة بوغدانوف الى اقصى حد، برغم قناعته الذاتية كما كان شأنه مع جنيف، بأن كل هذا ليس سوى ذر للرماد في العيون.
المصدر: صحيفة "الأخبار" اللبنانية