2024-04-25 06:43 م

مسلسل تصنيع الأحلاف .. من كوبا ؟!

2014-12-24
بقلم: محمد بكر*
ليس بوسع بلادي المضي في ذات المسار حيال كوبا , وسنتخذ خطوات عملية لتفعيل مصالح البلدين في كافة المجالات بما فيها مكافحة الإرهاب , وإن الدول التي تساعدنا في محاربة الإرهاب لانفع للعزلة معها , بهذه الكلمات أطل الرئيس الأمريكي باراك أوباما وفي اتصال هاتفي مباشر مع نظيره الكوبي ليعلن عودة العلاقات مع كوبا في صفقة تبال للمسجونين بين البلدين وأنه وجه وزير خارجيته جون كيري لرفع كوبا من قائمة الدول الداعمة للإرهاب , إذاً اختار " السيناريست " الأمريكي هذه المرة الأراضي الكوبية لصياغة جديد سيناريوهاته "التحشيدية " في مسلسله المعنون " تصنيع الأحلاف " , وذلك في ذروة كباشه السياسي مع خصمة الروسي وبالتزامن مع حراكه لسن قانون جديد يفرض فيه عقوبات إضافية على روسيا . فلماذا كوبا ؟ وكيف تمكن لنا قراءة توقيت إعلان عودة العلاقات الأمريكية – الكوبية بعد سنوات من الحصار الاقتصادي الأمريكي والعزلة لكوبا ؟؟ في ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية كانت كوبا حاضرة بقوة في قلب ذلك الصراع وتحديداً في أعقاب الثورة الكوبية وحركة 26 حزيران التي قادها فيدل كاسترو الذي استطاع الإطاحة بنظام باتيستا الحاكم لكوبا في ذلك الوقت ,إذ سيطرت الحركة في منتصف عام 1958 على الأوضاع في كوبا ، وفّر باتيستا إلى خارج البلاد. وأصبح كاسترو رئيسًا للحكومة, بعدها حاولت الولايات المتحدة دعم حكومة كاسترو في البداية لكن القيادات الثورية لم ترحب بذلك الدعم, الأمر الذي زاد العلاقات بين الطرفين سوءً ولاسيما بعد قيام الحكومة الكوبية بالسيطرة على مصالح الأمريكيين هناك خلال عامي 1959-1960, وفي استعراض عيد رأس السنة الجديدة لعام 1961، استعرضت الحكومة الكوبية دبابات وأسلحة سوفيتية لتصبح هذه الدولة الجزيرة الصغيرة ثاني أكبر قوة مسلحة في أمريكا اللاتينية بعد البرازيل, كما أصبحت كوبا عضواًَ مميزاً في معسكر الاتحاد السوفييتي , وبحلول عام 1961، غادر مئات الآلاف من الكوبيين بلادهم إلى الولايات المتحدة, كما فشلت عملية غزو خليج الخنازير عام 1961 التي حاولت إسقاط الحكومة الكوبية من خلال القوة التي دربتها الولايات المتحدة من المنفيين الكوبيين إذ بدأت العملية في نيسان عام 1961، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر من تنصيب جون كيندي رئيساً للولايات المتحدة,هزمت خلالها القوات الكوبية المسلحة المدربة من قبل دول الكتلة الشرقية، قوات المنفيين في ثلاثة أيام. كما ازداد تدهور العلاقات الأمريكية الكوبية السيئة أصلاً في العام التالي مع أزمة الصواريخ الكوبية، عندما طالبت إدارة كيندي بالسحب الفوري للصواريخ السوفياتية من كوبا، والتي جاءت رداً على الصواريخ النووية الأميركية في تركيا , إذ أبرمت في النهاية معاهدة كيندي - خروتشوف والتي نصت على إزالة الصواريخ السوفيتية من كوبا وأزيلت الصواريخ الأمريكية سراً من تركيا في غضون بضعة أشهر. كما وافق كيندي أيضاً على عدم غزو كوبا مستقبلاً. أما المنفيون الكوبيون المعتقلون أثناء عملية غزو خليج الخنازير، فقد جرت مبادلتهم بشحنة من الإمدادات من أمريكا, ومن هنا تأتي خصوصية كوبا كمستهدف رئيس في التوجهات الأمريكية , فاليوم وبعد المفرزات الجديدة للعبة الأمم وما استولتدته من القطب الدولي الجديد المتمثل في الروسي , تواصل الولايات المتحدة بسط نفوها من آسيا إلى أمريكا اللاتينية التي تضم دولاً تتماهى في نهجها السياسي و السياسة الروسية, ولاسيما بعد تناغم دول البريكس التي تضم البرازيل الدولة الفاعلة في قارة أمريكا اللاتينية إضافة لفنزويلا الدولة النفطية الهامة في القارة , مع التوجه الروسي ورؤيته للأحداث التي عصفت بالمنطقة وإدراكها لحجم التجاذبات والاصطفافات الحاصلة في المشهد الدولي والإقليمي, وبعد تسجيل مواقف عدة في المحافل الدولية بعكس ما كان يتمناه الأمريكي , تلك المواقف التي جعلت هذه الدول محسوبة لا بل جزء أساسي من المنظومة الدولية التي عمل الروسي على صياغتها لجهة توسيع التحالفات وتصنيع المحاور في وجه الكتلة التي يتزعمها الأمريكي الذي يعمل من خلالها هو الآخر على إنجاح مشاريعه ومخططاته في المنطقة التي من ضمنها تغيير النظام في روسيا بحسب ما صرح به سيرغي لافروف غيرة مرة حول هذا الهدف بالتحديد من جهة أخرى فإن كل الدعم والإجراءات الأمريكية المتخذة لجهة دعم سلطة كييف والضغط على الروسي انطلاقاً من الساحة الأوكرانية لم تثني " النشاط " الروسي ولم تحد مطلقاً من حراكه الدولي وفي أكثر من ساحة شكل في حيثياته رسائل سياسية وعسكرية روسية شديدة اللهجة , وتموضعاً دولياً فاعلاً كان له عظيم الأثر في نفس الأمريكي , إذ وفي ذروة حراك الأخير لتوسيع عمل تحالفه المزعوم لمحاربة " داعش " , وفي خضم الحديث المتكرر عن الاستراتيجيات وبرامج العمل الأمريكية في المنطقة , يمضي الروسي قدماً في تصنيع الاستراتيجيات الخاصة به وبحلفائه ويدير الظهر مستهتراً بكل الرؤى والطروحات الأمريكية , هذه الاستراتيجيات التي تبعث برسائل لا يشكل فحواها أي مصدر سرور واستقرار للأمريكي بل باتت تشكل حجر العثرة في طريق المبتغى الأمريكي غير المعلن لجهة العودة إلى المنطقة بذريعة مكافحة الإرهاب , ولعل الحراك السياسي الحاصل والمتنامي مؤخراً في موسكو وطهران شكل المحرض الرئيس للتحرك الأمريكي باتجاه كوبا , إذ أكد نائب وزير الخارجية الإيرانية حسين عبد اللهيان من موسكو أن إيران وروسيا مستمرتان في تقديم الدعم المطلق لسورية والعراق في محاربة الإرهاب وأن إيران تدعم الطرح الروسي ومبادرته لجهة إجراء حوار سوري – سوري في موسكو في حين لم يجد مستشار مرشد الثورة الإسلامية يحيى رحيم صفوي في الإعلان وفي ظل ما يستكمل من حراك لاستئناف المفاوضات, أن أمريكا وإسرائيل منيتا بهزائم أمام إيران في الساحة الدولية , وإن تحالف الولايات المتحدة سيفشل ولن يصمد أمام قوة التحالف الذي تقوده إيران بمشاركة سورية والعراق , في حين ينشط الروسي كثيراً على الساحة السورية ,يطرح الأفكار والمبادرات لجمع الدولة السورية وعدد من ممثلي المعارضة السورية على طاولة الحوار ومن موسكو يتهيأ لإطلاق وإنجاح عملية سياسية تشكل الحل السياسي النهائي للأزمة السورية وتستبعد كل ما عذا ذلك, في محاولة روسية للرد على السيناريوهات والمشاهد الالتفاقية التي يصوغها الأمريكي في مسلسل حربه على سورية التي كان آخرها تدريب ودعم ما تسميه واشنطن " معارضة معتدلة " تستطيع أن تملك أوراق رابحة على طاولة المفاوضات مع الدولة السورية بحسب الرؤية الأمنريكية. إن مشهد تصنيع الأحلاف الذي كان السمة المميزة للحرب الباردة في فترة الخمسينيات من القرن الماضي يعود اليوم ليجدد نفسه في ميادين النزاع المحتدم الذي يتواصل فيه ويتنافس المسلسلان الروسي والأمريكي في تصنيع الأحلاف وإفشال الخصم وتالياً الفوز "بذهبية " أفضل عرض. 
* كاتب سياسي فلسطيني مقيم في سورية