2024-04-25 01:09 م

25 يناير بين الذكرى والعبرة

2015-01-22
بقلم: إيهاب شوقي
كثيرة هي العبر وقليل هو الاعتبار، والاحداث العظمى التي تمر بها الامم ان لم تستخلص منها الدروس فهي مجرد وقائع للسرد تشبه القصص التي تقص للطفل ليلا لاستدراجه للنوم, وما يفرق بين الأمم النامية والأمم المتخلفة هو القدرة على استباط العظات والدروس من الفواجع وكذلك من الانتصارات. والثورات لدى الامم هي لحظات تاريخية تتمتع بالمرونة الزمنية وبالحدة في الانجاز والتغيير، أي انها ليست لحظات مرتبطة بتوقيت وفترة وانما قد تكون عملية ممتدة تأخذ سنوات ان هي استمرت بذات الظروف الموضوعية والذاتية للثورات، ولكنها بعيدة كل البعد عن التأرجح في الهدف والالتواء في الوسائل. وكعادة المعسكرات وسنن الحياة، فكل معسكر به الصادقون وبه الانتهازيون وبه الحكماء وبه الحمقى وتكون محصلة النجاح او الفشل بقدر سيطرة وغلبة الصادقين والحكماء على الأمور وضبطهم للمنهج والحركة. والخطأ الكبير الذي يمكن ان يقع فيه الثوري الحقيقي هو اعتبار الثورة ذكرى زمنية ومناسبة من المناسبات، هذا يمكن تفهمه في حدث تاريخي او نصر عظيم او فاجعة كبرى، بحيث يتم احياء الذكرى للاعتبار او الاحتفال او التكريم او العزاء، اما وان تتحول عملية مستمرة كثورة بدأت وتعذرت وانحرفت واختطفت وشوهت وأعيد الأمل فيها وأعيد لها اعتبارها برغم الجدل المحيط بها، الى ذكرى فهو خطأ منهجي واشهار للإفلاس وتنازل عن سقف الطموحات الثورية والنزول بها من هدف التغيير لهدف الشغب. كثيرة هي الاخطاء التي وقعت فيها الثورة وأعظمها هو اعتبار الديمقراطية هدف لا وسيلة وافدحها هو الفصل بين النبل الثوري ونبل الممارسة والوسيلة، فكم من "مليونيات" استهلكت في مطالب فرعية كالتعددية وتغيير الاشخاص او اقرار القوانين ونادرا ما توجهت "مليونية" بمطالب جذرية تصحح التوجه الرئيسي الذي يخل بالعدالة وتنفذ الى صميم العراقيل التي تحول دون تحقيق مصالح الاغلبية الكادحة وتشخص الداء الرئيسي المتمثل في التبعية واختلال التوازن الاجتماعي والاقتصادي وهو الحائل الحقيقي الذي يحول دون وجود تنمية مستقلة تراعي المصلحة الوطنية وتوزيع عادل لعوائد هذه التنمية ينجم عنه مجتمع متماسك متمتع بتعليم ووعي يكفل له دقة التمييز والاختيار والانتماء للاحزاب أي يكفل له سلامة التوجه وحرية الاختيار أي وباختصار تحقيق الديمقراطية الحقيقية والتي هي وسيلة لمزيد من التنمية ومزيد من العدل وهو الهدف الذي تسعى اليه الثورات الحقيقية. كما وقعت الثورة في اخطاء الممارسة باستفزاز مشاعر قطاعات واسعة من الجماهير برغم ان الثورات تقوم للتعبير عنها، كما وقعت في سوء تقدير من يتصدرها ويمثلها ممن انحرف بالممارسة عن صميم وصلب العمل الثوري والتحق بمعسكرات مماثلة او ربما اسوأ من المعسكرات التي التحق بها النظام الذي قامت الثورة لتنحيته. مما يزيد الثورات اشتعالا وزخما وفرصا للنجاح هو ان يكون لها صدى وبعدا يتخطى حدود الدولة وهو ما شهدناه ابان المد الثوري في الخمسينيات من القرن الماضي وتحديدا مع حركات التحرر الوطني التي امدت بعضها بعضا بالوقود الثوري سواء المعنوي او المادي، اما 25 يناير فكانت سيئة الحظ بوقوعها ابان صدى وبعد اخر يتخطى حدود الدول ولكنه في اتجاه سلبي وهو المد الثوري الملون الذي وصف بـ"الربيع العربي" والذي اريد له ان يكون امتدادا للثورات الملونة في شرق اوربا وتحديدا المحيط الجيوسياسي لروسيا خدمة للمصالح الامريكية. للأسف استغلت مشاعر الغضب العربية واوضاعها الثورية الحقيقية في تحقيق اهداف تصب في صالح الاعداء الحقيقيين للامة العربية، وفطنت الجماهير لذلك فلم تلتحق بالمزيد من الممارسات وشاركت فترة بالصمت ثم ما لبثت ان شاركت بالايجاب في اتجاه عكسي يرفض كل ما يمت لهذه الممارسات بصلة ويرفض كل ما تمخض عنها من نتائج فحدثت وقفة 30 يونيو لإيقاف وازالة النتائج السلبية الناتجة عن سوء الادارة، الا ان الرفض وصل لدرجة رفض 25 يناير ذاتها وتغليب وصفها بالمؤامرة بفعل تجاوزاتها وبفعل المعسكر الانتهازي الذي توارى داخل 30 يونيو والمنتمي للنظام القديم والذي وجد فرصته في الانتقام ورد الاعتبار ومحاولة العودة للاضواء. وما بين الانتهازيين في المعسكرين ضاعت فرصة ثورية اضحى معها تنافسا بين 25 و30 برغم انهما لحظتان اثبت فيهما الشعب ان به قوى حية قادرة على تغيير الاوضاع واثبت الجيش في اللحظتين انه مع قوى الشعب الغالبة وانه لا وجود لصدام اهلي في وجوده ولا وجود لصدام بين الجيش وبين الارادة الشعبية الحقيقية المستندة على ميراث هذا الشعب الحضاري والنابعة من ذاته والغير ملونة والغير مستوردة من الغرب او الشرق على حد سواء. هناك احترام رسمي معلن ووصف للحدثين بالثورتين ولكن هناك غضب شعبي من 25 وايضا من 30 ان هو اسفر عن عودة لاوضاع قديمة. بقي الحديث عن الوعي الشعبي وقدرته على بلورة احلامه وقدرته على الاستجابة لنداء التنمية والتغيير الثوري بعد الالتباسات التي حدثت والمعسكرات التي تشكلت والعراقيل الحالية التي قد تزيد الالتباسات بقدر اكبر من تحفيزها للتحدي والصمود، وهو ما يتطلب من القيادة في مصر جهدا اكبر في الشرح والتشخيص والمكاشفة وجرأة اكبر في اقتحام المحظورات وسرعة اكبر في الاشتباك والتمتع بإيمان عملي اكثر بقدرة هذا الشعب على الصمود والتغيير المنجز المعجز. هناك ايمان من القيادة المصرية بهذا الشعب وبصبره وصموده وقدرته على التغيير وهو ايمان صادق ومعلن، والمطلوب هو استغلال هذا الايمان عمليا في معارك التحرر الوطني والقضاء على محاولات اعادة سيطرة رأس المال على الحكم والنفاذ الى اوكار الثعابين وعملاء الاستعمار وسرعة بلورة توجه وطني واضح والاعلان الصريح عن المعارك التي تنتظرنا للخلاص من كل ما يمت بصلة للواقع الاليم الذي قامت وتقوم عليه أي ثورة، هذا هو ما سيضمن الوحدة الوطنية والتماسك واستعادة مصر لدورها. المطلوب في 25 يناير ليس الاحتفال وليس السباب والشماتة وليس استعادة التهاب الاوضاع، المطلوب هو ان تكون لحظة لتصحيح مفهوم الثورة وتدشين القيادة لمعركة وطنية وحشد الجماهير لها واستغلال وطنيتهم وتأييدهم واحتفاظهم بالبوصلة الوطنية قبل ان تنحرف هذه البوصلة لدى الكثيرين بفعل المؤامرات المحاكة والاستهداف الدولي من جهة او بفعل صعوبات التنمية وتحقيق العدالة في ظل المعطيات الحالية من جهة أخرى.

الملفات