2024-04-25 04:43 ص

معادلة القنيطرة- مارون الراس!!

2015-01-24
بقلم: سمير الفزاع
كيان العدو الصهيوني كغيره من أعضاء حلف الحرب على سورية، وقع في ذات الخطأ الإستراتيجي الهائل الذي أوصل الأمور إلى ما هي عليه اليوم، والمتمثل، تقديرات صمود سورية، والإجابة على التساؤل المبني على هذا الخطأ بالتقدير، ماذا لو صمدت سورية ولم تسقط خلال ثلاثة أو ستة أشهر، كما تنبأ وزير حرب كيان العدو إيهود باراك؟ وماذا لو فشل أردوغان والقرضاوي بالصلاة في أموي دمشق؟ وماذا لو هزمت المعارضة المسلحة تسليحاً جيداً كما قالت هيلاري كلنتون؟ وماذا لو لم يعد بعد ثلاثة أشهر إلى دمشق خالد مشعل كما أخبر المناضل أحمد جبريل؟ وماذا إن سقطت ستالينغراد-باباعمرو، كما روج جنبلاط-فيلتمان؟ ... أي تكن الطريقة التي كشف فيها كيان العدو قافلة الشهداء في القنيطرة، وبصرف النظر عن أهدافه منها، وقفزاً على محاولة وضع السيناريوهات المحتملة للرد على جريمة العدو... سأدعي محاولة تقديم أفضلها وأنسبها، وأكثرها إيلاماً. * ملاحظات أولية حول عدوان القنيطرة: 1- موقف واشنطن اللافت من غارة القنيطرة: لم تعلن واشنطن عن الغارة الصهيونية كما فعلت عدة مرات من قبل، ولم تبررها كما في كلّ مرة؛ بل تكفل "فيلتمن" مساعد الأمين العام للأمم المتحدة بوصفها خرقاً لإتفاقية الهدنة، وعبر السفير الأميركي ديفيد هيل لرئيس الوزراء اللبناني تمام سلام، عن قلق بلاده ومتابعتها عن كثب ما يجري من تطورات... نافياً أن تكون واشنطن على علم بالغارة مسبقاً، حسب صحيفة "السفير" اللبنانية. 2- الخوف من العواقب: في كل مرة كان العدو الصهيوني يضرب هدفاً في سورية كان يسود الحديث بالدرجة الأولى عن طول الذراع الصهيونية، وقدرتها على منع تجاوز خطوطها الحمر، وعيونها وآذانها المفتوحة على كلّ صغيرة وكبيرة في المنطقة... في هذه المرة، إنقلب سريعاً الحديث عن إستهداف صيد ثمين من حزب الله، وإقتناص ضابط أيراني كبير إلى ما يشبه الهستيريا حول خطأ كبير في الحساب، وإخفاق إستخباري موصوف، وصولاً إلى محاولة التنصل من القصد والنية المبيتة في إستهداف بعض عناصر هذه الدورية. 3- ربما هي المرة الأولى التي يقتل فيها كيان العدو عسكريّاً إيرانيّاً بصورة علنية، وفي عمل عسكري وليس أمني. 4- حالة عامة من الصمت الرسمي المطبق، عربيّاً، إقليميّاً، دولياً. 5- تريث محور المقاومة في الردّ، يؤشر إلى عدة أمور، مثل، ترك مفاعيل القلق والذعر تأخذ من العدو مأخذها، الحصول على أكبر قدر من المعلومات عن الإستهداف، خلفياته، أهدافه، طريقة كشفه...، إختيار أنسب الطرق للرد... . * ما هو الردّ الأنسب؟ عندما نبحث عن السياق الذي إستشهد فيه رجال المقاومة الإسلامية والقيادي في الحرس الثوري الإيراني، نجده الدفاع عن سورية بما تمثله في محور المقاومة، فهي الرائدة في إنتهاج خيار المقاومة في وجه الحلول التسووية للصراع العربي الصهيوني، وهي من خطّ الحروف الأولى في أبجدية المقاومة الشعبية والكفاح المسلح في هذا الصراع منذ سليمان الحلبي وعز الدين القسام، وهي وحلفائها من رفد الثورة الإسلامية في إيران بالمعلمين الأول، وهي من أسس لظهور أفواج المقاومة الإسلامية في لبنان مع الإمام المغيب موسى الصدر، وهي من فتح معسكراته ومراكزه ومخازنه لمقاومي حزب الله دون إكتراث لعقوبات أو تهديدات... من هنا، نجد أن أنسب ردّ على هذا الإستهداف، يكون بإتمام المشروع الذي إستشهد لأجله أعضاء قافلة المقاومة، وجنود الجيش العربي السوري والقوى الرديفة له، وبإجتراح إستراتيجية جبهوية مقاومة تقوم على عدة أسس كبرى، منها: 1- مأسسة عمل حلف المقاومة: لم يعد هناك من داع للخجل والتستر من إعلان حلف مقاومة تربط مكوناته إتفاقيات ومواثيق، عسكرية-أمنية، قبل أي شيء آخر، بعد أن حاربنا جيوشاً من الإرهابيين، تديرهم، وتمولهم، وتدربهم، وتنظر لهم وتحميهم... دول عدوة ومعروفة بعينها. 2- إنخراط علني وواضح لحلف المقاومة في الدفاع عن سورية، وكلامي هنا موجه إلى إيران والقيادة والشعب السوريين. لا أرى مانعاً من وجود قوات إيرانية كبيرة تساعد الجيش العربي السوري والقوى الرديفة له في حربه على الأدوات الإرهابية من جهة، ومن جهة ثانية لا أعتقد بأن هناك ما يمنع الشعب السوري وقيادته من تقبل هذه المساعدة. 3- إنشاء مقاومة سورية محترفة من التشكيلات الشعبية التي تساند الجيش العربي السوري في حربه ضد الإرهاب، لتكون رأس الحربة في القضاء على الإرهابيين في المناطق المحررة من الجولان، ولتكون النواة الصلبة لمقاومة شعبية سورية تشرع بالأعمال الحربية حتى تحرر كامل الجولان المحتل. * المقاومة المسلحة في سورية: المقاومة المسلحة، هي حق وواجب الإستخدام المشروع للقوة المسلحة بهدف طرد الإحتلال الأجنبي، وإنتزاع السيادة، وإنجاز التحرير. تلجأ إليها الشعوب من حيث المبدأ بعد عجز المجتمع الدولي وخاصة الأمم المتحدة، وفشل الحلول الدبلوماسية في إستعادة الحقوق. تأسيساً على ما سبق، ما هي العقبات المرحلية التي تواجه نشؤ مقاومة سورية مسلحة؟: 1- تنشأ المقاومة غالباً في حالة إنهيار الدولة وتفكك جيشها الوطني، وعلى الرغم من صمود الدولة وتماسك الجيش في الحالة السورية، إلا أن هناك ما يبرر نشؤ هذه المقاومة منطقيّاً وقانونيّاً وعمليّاً، من جهة، هناك الإنشغال الكبير للجيش العربي السوري المنتشر على عدد كبير من الجبهات وعلى مساحات واسعة من الأرض. ومن جهة ثانية، تعرض الوطن لإعتداء مركب على عدد من الجبهات الحدودية وأخرى داخليّة مرتبطة بما وراء الحدود. والثالثة، أن هذه الحالة موجودة عمليّاً في الواقع ولا يحتاج الأمر أكثر من التوسع بها وقولبتها، وتوجيهها نحو الهدف، والرابعة، وصول طرفي الصراع (سورية وكيان العدو) إلى حالة من الردع المتقابل تصعب الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة على النمط التقليدي للحروب. 2- وجود فئة من الشعب العربي السوري عميلة لواشنطن، وشريكة كاملة لها في الحرب على سورية. لا أتحدث هنا عن الأدوات الإرهابية؛ بل عن فئة ترى في المقاومة مغامرة، وفي الصمود تخلف، وفي الجيش العربي السوري كتلة بشرية ضخمة معطلة تستنزف الكثير من الثروات... تتمنى رحيل الرئيس بشار حافظ الأسد لترتمي في حضن البترودولار، وتلتحق نهائياً بواشنطن، وتكمل ما بدأه أنور السادات... وهي الغطاء الحقيقي للأدوات الإرهابية. 3- هناك قسم من الشعب، إنصرف بكليته إلى مشاغله المالية غير آبه بما يجري، يتربع على رأس إهتماماته منفرداً مصالحه المالية، سواء كانت مصنعاً، فندقاً، متجراً أو وكراً للدعارة... مستعد للإتجار بكل شيء حتى قوت المواطن ومقدرات صمود الوطن، ولا يرى في الحرب على الإرهاب أو مع كيان العدو الصهيوني إلا خراباً لمنشأته، وكساداً لبضاعته، وتعطل تجارته... . 4- رافق الصراع العربي الصهيوني، تاريخياً، نهج إنهزامي تفريطي، يُنظّر للهزيمة ويزينها بمصطلحات عدة آخرها كان "ثقافة الحياة" أو "حب الحياة". يطرح أصحاب هذا النهج، ثقافة الحياة بالضد وعلى النقيض مع ثقافة المقاومة، وكأن الشهداء الذين يسقطون في مسيرة المقاومة إنتحاريون، وأن ثقافة المقاومة إنعكاس لـ"ثقافة الموت". 5- تحتاج المقاومة المسلحة إلى حاضنة شعبية صلبة، مؤمنة، واثقة، مضحية، قادرة على العطاء بإستمرار... وعاصمة تحتضن هذه المقاومة، تدعمها بكل ما تحتاج، ومستعدة لأن تكون خزانها البشري النضالي والجماهيري، ودرعها السياسي والإعلامي، وغطائها المالي-العسكري... وأهلنا في جنوب لبنان والضاحية الجنوبية خير مثال على هذه الثنائية. 6- البناء الفكري-المشروع: كما تحتاج إلى السلاح، تحتاج المقاومة إلى بناء فكري واضح، جليّ، ساطع كالشمس... مفتوح أمام جمهورها، مقتنعة به، ومنتمية إليه، مستعدة للمضي به حتى آخر المشوار. إن وضوح البناء الفكري – البناء النظري للمشروع- أمر بغاية الأهمية، فهو المقدمة اللازمة لعمق الفهم والإعتقاد، والرافعة المتينة لحسن التنفيذ والمتابعة. 7- الشروع بمقاومة شعبية مسلحة تستند إلى منطق الحق والواجب، ستكون وسيلة كشف موثوقة تماماً للحلفاء والأعداء الطبيعيين على حدّ سواء؛ حيث سيقف إلى جانبها، ويدعمها، ويلتحق بصفوفها، ويكون جزءاً من جمهورها... حلفائنا الطبيعيون في داخل الوطن وخارجه، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات أو دول، والعكس صحيح تماماً. * كلمة أخيرة: المقاومة المسلحة، حق مشروع، وواجب إنساني وأخلاقي ووطني وديني، ولم تكن يوماً محط إجماع شعبي مطلق بالرغم من أن حتى الطبيعة البيولوجية للكائنات الحيّة تفرضه، عندما يقوم جهاز المناعة في هذه الكائنات على مقاومة الفيروسات والجراثيم والأمراض التي تغزوها. منذ بداية الحرب على سورية وأدوات الغزو الإرهابي الصهيو-أمريكية، تتمدد شيئاً فشيئاً من درعا الى القنيطرة وصولاً إلى جنوب لبنان، في الوقت الذي كان الجيش العربي السوري منشغلاً بالدفاع عن قلب البلاد وعاصمتها دمشق. لم يطلق هؤلاء "الثوار الأشاوس" رصاصة واحدة على الكيان الصهيوني، بالرغم من إتهامهم للراحل حافظ الأسد ببيع الجولان للعدو وأنهم ماضون لتحريره. والمفارقة الكبرى، أن هذا الكيان الذي يدعون محاربته عالج لهم من الجرحى في مستشفياته وفق أرقامه الرسمية 1700 جريح، وبادلهم العشق بالعشق فلم يطلق عليهم رصاصة واحدة أيضاً؛ بل كان قاعدتهم الخلفية، وغطائهم الجوي، وإسنادهم المدفعي. لقد أسقط كيان العدو مفاعيل إتفاقية الهدنة، وصار واضحاً بما لا يقبل الشك أنه يسعى لإقامة "جداره الطيب" على غرار الحزام الأمني في جنوب لبنان. لكن لبنان وجنوبه نفضوا عنهم عار سعد حداد وأنطوان لحد وجيشهم العميل، وأنتجوا مقاومة صارت محط فخر لكل شريف وحرّ في هذا العالم. أوجه كلامي بشكل خاص هنا إلى محافظات درعا ودمشق وريفها، ولكل سوري شريف، من درعا بدأت الحكاية ومنها يجب أن تنتهي، وعلى خاصرة دمشق تتشكل الغدة السرطانية وبيدها يجب أن تقتلع... سقط شريط سعد حداد وبقيت مارون الراس، والفرصة مواتية جداً لتصحيح وجهة الصراع، ولنتأمل بعمق، إن التاريخ قاس لا يعرف مداده الرحمة أو المحاباة.

الملفات