2024-03-28 01:58 م

التاريخ معكوساً!!

2015-01-31
بقلم: سمير الفزاع
مخطئ من يظن أن السيد حسن نصر الله كان يتحدث بلسان حزب الله لوحده، ومخطئ من يعتقد بأن عملية شبعا كانت تعني حزب الله وحده، ومخطئ جداً من ظن أن حزب الله كان سيذهب إلى حرب مع كيان العدو لو تطورت الأمور بعد عملية شبعا لوحده، ومخطئ أيضاً من يتصور أن حالة الإستنفار والتأهب الميداني إستعداداً لهذه الحرب كانت محصورة في جبهة الجنوب اللبناني فقط... ما سبق عملية شبعا –على أهميتها وخطورتها- هو الأهم والأخطر، وما تلاهما، وتحديداً بعد خطاب السيد حسن التأسيسي يوم الجمعة، سيكون الأهم والأخطر من كلّ ما سبقه. إن مرحلة كبرى في آليات وطبيعة الصراع، بمستواه، وساحاته، وأسلحته، وقوانينه، وإمتداداته، وتداعياته... أُشرعت في عملية شبعا، وتمّ تظهير بعض من أهم عناوينه ومفرداته في خطاب الجمعة 30/1/2015. وفق فهمي المتواضع، سأحاول الإشارة إلى عدد من أهم الموضوعات والعناوين التي تطرق إليها السيد حسن نصر الله في هذا الخطاب، والدلالات السياسيّة-العسكرية لها. عناوين ودلالات: * قبل عملية شبعا بأقل من 24 ساعة، تمّ إطلاق عدد من الصواريخ من الأراضي السورية إلى أهداف في الجولان السوري المحتل، وقيل بأنها كانت جزء من عملية التمويه والخداع للتعمية عن العملية الأساسية التي كان يُعد حزب الله لتنفيذها في مزارع شبعا... بالأمس ثبت بأن هذا الظن خاطئ، لقد أكدت تلك الصواريخ رسالتين في غاية الأهمية، أنها كانت جزء من الرد؛ حيث بشّرت بتوحيد الجبهات وتنسيق الردود، والثانية، أن سورية منخرطة في توحيد إيقاع وحركة هذه الجبهات وإن لم تُعلن ليتكفل سيد المقاومة السيد حسن إعلان ذلك في خطابه الأخير. * عندما سأل السيد حسن العرب والمسلمين، وتحديداً تلك الفئة من السوريين التي تقاتل إلى جانب المجموعات الإرهابية، والمعارضة السورية، وتلك الفئة التي "تلتزم" موقفاً رماديّاً إنتهازيّاً... ماذا يفعل الألآف من المقاتلين في شريط يتراوح عرضه بين 6-7 كم، وعلى طول الجبهة مع الكيان العدو الصهيوني، وهم يمتلكون الدبابات والمدافع والصواريخ وكميات ضخمة من المتفجرات... إزاء من يحتل أرضهم، ومسرى نبيهم، وقبلتهم الإسلامية الأولى؟ وكيف يطمئن لهم كيان العدو، وينسق معهم، ويطبب جرحاهم، ويفاخر بتفقد مسؤليه لهؤلاء الجرحى... في الوقت الذي يرعبه مرور سيارتين مدنيتي الملامح، فيقوم بإستهدافهما فوراً؟ إذاً، هناك تحالف عضوي، وتخادم واضح بين كيان العدو وهذه الجماعات، حتى وإن رفعت راية إسلامية، والمطلوب من كلّ سوري إستناداً إلى هذا الواقع الموثق والمثبت عمليّاً التعامل معها كقوة إحتلال، أو عميلة للإحتلال في الحدّ الأدنى. * نحن ذاهبون إلى نقاط إشتباك جديدة وفق قواعد إشتباك جديدة كليّاً، ونحن مقاومة عاقلة حكيمة، تدرس خطاها وساحات عملها إستناداً لمصالح جبهة مقاومة ممتدة... وما كان سائداً من قواعد إشتباك حينها فقد رحل إلى غير رجعة، "ونحن في المقاومة الإسلامية في لبنان لم تعد تعنينا أي شيء اسمه قواعد اشتباك. نحن لا نعترف بقواعد اشتباك. انتهت. ولا في مواجهة العدوان والاغتيال، لا توجد قواعد اشتباك، ولم نعد نعترف بتفكيك الساحات والميادين...". لا تهددونا بحرب لا نسعى إليها، ولكننا نشتاقها، ولا تخوفونا بحرب لا نريدها، ولكننا مستعدون لخوضها والإنتصار بها. * لم يكن هذا "الربيع العربي" إلا قفزاً فوق حالة ثبات-ستاتكو مستمرة منذ سنوات، وتمزيق لخرائط وقواعد إشتباك "مستمرة" منذ عقود، وقد عبثتم بها طمعاً بإقامة "الفوضى الخلاقة" التي بشرتم بها منذ عقد تقريباً عبر جماعات إرهابية "أسقطت" الحدود، وضربت الهوية، وخربت التنوع... وأفرغتم الجولان من "الأندوف" إمعاناً في هذه الفوضى، وإعادة رسم الخرائط... سنجعل من هذه "الفوضى" الشاملة التي سعيتم لها، المنصة لإسقاط مشاريعكم، وهزيمة أدواتكم، وحبل المشنقة الذي سيختنق به كيانكم الصهيوني، وسنعيد توجيه بوصلة الصراع نحوه، وسنوحد الجبهات في وجهه، بقواعد إشتباك جديدة تغير الجغرافيا ووجه التاريخ، ولنجعل من ساعة خرابه الكبير أقرب وأقرب. * الكيان الصهيوني، كقاعدة عسكرية من المرتزقة والمهجّرين، وكيان وظيفي يؤدي دور "الشرطي الشرير" في المنطقة لفائدة المصالح الغربية، ظهر مكشوفاً خائباً، وفاقداً للوزن والقدرة والمبادرة خلال الأيام العشرة الماضية؛ بل إن مصير وبقاء هذا الكيان بات موضع شك. في مواجهة إستنفار الجيش العربي السوري وقوات حزب الله، سحب جيش العدو جلّ قواته ومعداته ليحشدها على جبهتي الجولان وجنوب لبنان، حيث دفع بفرقة عسكرية كاملة إلى الجولان المحتل قبل فترة، وعزز جبهتي الجولان والجنوب اللبناني بحوالي 1200 دبابة إضافية، ورحل كامل منصات الصواريخ المضادة للصواريخ إلى شمال فلسطين ولم يترك سوى واحدة منها قبالة قطاع غزة المحاصر؟!. * تأكيداً على توحيد الجبهات كمّاً ونوعاً، تحدثت معلومات ميدانية عن قيام عدد من الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها "كتائب القسّام"، بتنفذ مناورة عسكريّة صاروخيّة في قطاع غزة المحاصر هي الاكبر منذ انتهاء العدوان الصهيوني الاخير على القطاع في نفس الوقت الذي كان السيد نصر الله يلقي فيه خطابه التأسيسي. ومع بدء الكلمة المرتقبة للامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله، إخترقت مجموعة تطلق على نفسها اسم مجموعة "الشهيد مصطفى شمران الالكترونية" اكثر من 500 موقع إلكتروني تابع للكيان الصهيوني، حيث تمت السيطرة بشكل كامل على جميع المواقع الادارية الخاصة بحكومة كيان العدو، ومن اهمها: وزارة الحرب الصهيونية، وزارة الامن الداخلي، وزارة المالية، كافة مواقع اجهزة الاستخبارات داخل كيان العدو، كل المواقع الالكترونية للوزارات الصهيونية التي تحمل الرمز gov.ir... ثم نقل كلمة السيد حسن نصرالله مباشرة على مواقع العدو التي تمت السيطرة عليها. * لقد كان لكلام السيد حسن عن أعمار أعضاء قافلة الشهادة والمجد في القنيطرة، إشارة ذكيّة وبالغة الدلالة عن طبيعة الصراع وفكرة المقاومة، إن إسقاط عدو بمرتبة الكيان الصهيوني ليس صراع أشهر وأيام، ومقاومته لن تكتفي بجيل واحد أو جيلين؛ بل سيكون نتاجاً لصراع مستمر ومقاومة مستدامة غير مسموح فيها للتعب أو الحزن أو الخوف... بتكبيلنا أو دفعنا للإستقالة من مسؤولياتنا. وفيها دعوة لهذا الشباب وهذه الأجيال التي تفجر وطنها، وتذبح أهلها، وتدمر جيوش ومقدرات بلدانها... للإلتفات إلى قضية فلسطين المركزية ليكتشفوا أين هم منها وأينها منهم، ومن يأخذهم إلى حيث هم، ولماذا، ومن المستفيد؟!. * بكل صراحة وموضوعيّة، لقد كان القرار الإستراتيجي الكبير الذي أسس لتدشين هذه المرحلة التاريخيّة الجديدة في المنطقة، من توحيد للجبهات وتغيير لقواعد الإشتباك، قراراً سوريّاً بإمتياز. كيف؟ إن إتخاذ القيادة السورية توجهاً بدعم وشرعنة مقاومة شعبيّة سوريّة مسلحة، تساهم بتطهير جبهة القنيطرة-حوران وصولاً إلى تحرير الجولان، بدعم وتنسيق مع حزب الله وبقيّة الحلفاء، يظهر تصميماً لدى القيادة السورية على تحمل تبعات هذا العمل الخطير حتى وإن أدى إلى حرب مع كيان العدو، بالرغم من الظروف الدقيقة التي تمر بها سورية داخليّاً، وعلى مستوى علاقاتها العربية والإقليميّة والدوليّة. إن قراراً من هذا النوع لا يمكن أن يتخذ دون حساب دقيق لظروف كلّ طرف من أطراف جبهة المقاومة، وخصوصاً الدولة المقبلة على فتح جبهة جديدة كليّاً للصراع مع العدو الصهيوني وحلفائه في المنطقة والعالم، وهذا بُعد جديد في الصراع على مستوى منطقتنا العربية، وعلى مستوى الإقليم والعالم، ومن هنا الدلائل المهمّة للصواريخ الأربعة التي أطلقت من سورية، لتستقبلها قرى ومدن الجولان بصفارات الإنذار وإخلاء المرافق السياحيّة وتحويل الجولان المحتل إلى منطقة عسكريّة مغلقة، ومن هنا نفهم حالة الإستنفار التي يعيشها الجيش العربي السوري قبيل إطلاق هذه الصواريخ وتنفيذ عملية شبعا. * كلمة أخيرة: لقد أسس هذا الخطاب لعنوانين كبيرين: جبهة الإرهاب والعدوان واحدة، أمريكا والكيان الصهيوني، وأدواتهما الإرهابية، وعملائهما من الأنظمة العربية والإقليمية... مقابل جبهة المقاومة –وليس حلف المقاومة، كتعبير عن إرتقاء حركية الحلف إلى جبهه- سورية وحزب الله وإيران، والفصائل المقاومة في فلسطين، والعراق... وحيثما وجدت في الإقليم. والعنوان الثاني، آن الأوان لتكون جبهة القنيطرة-درعا، ومن خلفهما الجولان، صراط الحق القويم الذي يميز ويفصل أمام شعوب المنطقة والأمة والعالم، بين الحق والباطل، الصديق والعدو، الحلفاء الطبيعيون والأعداء الطبيعيون، العرب والمسلمون وأعداء العروبة والإسلام وإن إنتموا صوريّاً لأحدهما أو كلاهما... بين من ينتمي إلى خطّ تحرير الجولان وفلسطين وحرية الشعوب، ومن هم أعوان الإحتلال وعملاءه، وأدوت صهيو-أمريكية لقهر إرادته وسلب حريته وتحرره. "إن امتزاج الدم الايراني واللبناني على الارض السورية في القنيطرة يعبر من خلال امتزاج هذا الدم، عن وحدة القضية ووحدة المصير ووحدة المعركة، التي عندما جزأتها الحكومات والتيارات السياسية والتناقضات والانقسامات دخلنا زمن الهزائم... وعندما وحّدها الدم من فلسطين إلى لبنان إلى سوريا إلى ايران إلى كامل المنطقة، دخلنا في زمن الانتصارات". إن إمتزاج هذا الدم، ووحدة القضية والمصير والمعركة، والتغيير الكليّ لقواعد الإشتباك... يؤكد بما لا يدع مجال للشك بأن هناك إعداد وتفاهم وترتيب مسبق تم الوصول إليه بين أطراف هذه الجبهة منذ زمن، ويؤكد بأن القرار قد إتخذ لكنه كان ينتظر اللحظة المناسبة للإعلان عنه، فكانت قافلة الشهادة والمجد في القنيطرة الفرصة الأنسب، والخطأ الصهيوني الأكبر الذي سمح بتظهير هذه التفاهم وهذا القرار. وهذا يشبه إلى حدّ بعيد ما حدث في عدوان تموز، عندما أسر حزب الله جنديين صهيونيين في شبعا، قبيل أن يشن كيان العدو حربه على لبنان التي كان يعد لها في الخفاء، ولكن الأمر معكوساً هنا؛ حيث جبهة المقاومة هي من كان يُعد لمقاومة تحرر القنيطرة والجولان وما بعدها... قبيل حادثة القنيطرة، مع فارق "بسيط" هذه المرة، أن علم العدو وجهله لن يؤثر بنتائج بما أُعد ويُعد له، وقادم الأيام سيكون البرهان.

الملفات