2024-03-29 10:48 ص

داعش وأطفال سورية... التجنيد مستمر

2015-02-16
كتب الدكتور خيام الزعبي*
برزت في سورية ظاهرة إرهابية يندى لها الجبين الإنساني وهي ظاهرة تجنيد الأطفال، فالحالة السورية المعقدة أعادت فتح ملف إستغلال الأطفال في النزاعات المسلحة، التي تمت من قبل الإرهابيين والقتلة الذين إستباحوا الدم السوري، بذلك أصبحت سورية واحدة من الدول التي يتم فيها تجنيد الأطفال بشكل واسع من قبل هؤلاء، ما جعل الأطفال وقوداً للصراعات المسلحة المنتشرة في البلاد، وتختلف الدوافع التي تجبر الأطفال تحت 18 عاماً على الإلتحاق بهذه المجموعات، الأمر الذي يخلق تنوعاً في أساليب إيقاع الأطفال في براثن التجنيد، وهو ما يعني أن الأجيال الجديدة من الأطفال السوريين يعيشون حالة مسخ للهويّة وغسل للدماغ بأفكار عنفية ستجعلنا أمام المئات من أنصار التكفير والتفجير. بدأت عملية تجنيد الأطفال في المناطق التي تسيطر عليها داعش والمجموعات المسلحة من أشياء بسيطة لتتطور إلى نقل الجرحى أو إستخدامهم في تهريب الأسلحة، كما إستغلت هذه المجموعات الأطفال إعلامياً وصورتهم كضحايا بغية إستدراج التدخل الخارجي، بالإضافة الى إستخدامهم كدروع بشرية، وبمجرد تعثر وتدهور بعض المناطق في سورية، قامت الفصائل المسلحة التي إحتلت تلك المناطق بتغيير مناهج الدراسة وحذف عدد من المواد والتركيز على التعليم الديني، بهدف خلق أجيال جديدة من المتطرفين، إذ يتم تقديم حصص أسبوعية لطلاب المدارس تتحدث عن بطولات الحروب وفضائل "الجهاد والحرب في سبيل الله" وعرض أفلام حماسية تحكي بطولات شخصيات من القاعدة، وبث أناشيد وقصائد حماسية تغري الصغار بالإلتحاق بميليشيات داعش. لا يتوقف الأمر عند التعبئة والدروس الدينية، بل تخصص أياماً لتعليم الأطفال على التعامل مع السلاح وترغيبهم على حمله بشكل مستمر، بحيث يرسخون فكرة أن السلاح لا يجب أن يفارق الكتف بإعتباره صديق الرجل الذي يجب أن يحارب من أجل الذود عن دينه، كما تستخدم داعش الترهيب والترغيب في إقناع الطلاب للإنضمام إليهم، لكنهم يحرصون على الإكثار من وسائل الترغيب مثل الدورات التدريبية وتحقيق الرغبات للمراهقين كتسليحهم وتدريبهم وتوفير الحماية لهم عندما يدخلون في خصومة مع أهاليهم وعندما يهربون من مدارسهم ليلتحقوا بركب من سبقهم في الحروب، الأمر لا يقل سوءا فيما يخص الأطفال، الذين غادروا سورية إلى دول حدودية متعثرة بإستقبال مثل هذه الأعداد الهائلة دون إمكانات تسعهم، وهنا أخذ الأطفال على عاتقهم العودة إلى بلادهم والإنضمام إلى المجموعات المقاتلة بحثاً عن الحد الأدنى من الإستقرار والمعيشة، لا سيما بعد إعلان تنظيم داعش عن تخصيص رواتب وحوافز للمقاتلين والمنتمين إليهم. في سياق متصل هناك معسكرات للتدريب والقتال الخاصة بالأطفال المجندين، وتتحدث تقارير تابعة لمؤسسات دولية عن إنتساب المئات من الأطفال إلى هذه المعسكرات وخاصة في غرب مدينة الرقة السورية، التي تقع تحت سيطرة داعش، وبعد أن يتخرج الأطفال في هذه المعسكرات، يتم تشكيلهم عسكرياً من جديد لينخرطوا في مجموعات قتالية، وغالبا ما يتم تجنيدهم كعناصرإنتحارية أو جواسيس، بسبب قدرتهم على التنقل والتخفي ومعرفة الطرق على الأرض، والمغزى من تجنيد الأطفال الآن، الذي إرتفعت معدلاته بشكل تصاعدي بعد تحول أولويات جماعات العنف في طرائق المواجهة، هو تحويلهم إلى وقود للعمليات الإنتحارية، إضافة إلى أن نقص معدلات الإستقطاب منذ بدايات الحرب على الإرهاب أسهم في البحث عن فئات جديدة للاستفادة منها، على رأسها الأطفال وحتى المختلون عقليا، كما كان يحدث في تفجيرات السيارات المفخخة في العراق وغيرها من الدول المتعثرة كليبيا واليمن. في بيان أصدرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف" بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة إستغلال الأطفال، أنه "تم توثيق حالات في سورية والعراق لتجنيد أطفال بعمر 12 عاماً، وخضوعهم لتدريبات عسكرية وإستخدامهم كمخبرين وحراسة مواقع إستراتيجية وحراس على نقاط التفتيش، بالتالي يمكن القول أن أكثر الأطفال عرضة للتجنيد في سورية هم أطفال الشوارع والنازحون والأيتام والأطفال المنفصلون عن ذويهم والذين يعيشون في مناطق الصراع، بالإضافة إلى المتسربين من التعليم، والكارثة هنا أن معدل الأعمال في الأشخاص الذين لا تتوفر لهم أي فرص حقيقية للإستفادة من التعليم ومنشآته تزداد، وتشير التقارير إلى أن ما يزيد عن 52% من الأطفال بين عمر 6 و12 سنة لا يلتحقون بالتعليم الابتدائي، وهو ما ينذر بكارثة إنسانية كبرى في السنوات المقبلة على مستوى الأميّة، وبالتالي عواقب ذلك من التخلف والجهل وسهولة التجنيد. في إطار ما سبق يمكنني القول إن حماية الأطفال كفلها القانون في سورية حيث صدقت سورية على إتفاقية حقوق الطفل قبل أن تصدر مؤخراً تشريعاً خاصاً يجرم تجنيد الأطفال في الأعمال القتالية الذي ظهر كحالة طارئة على المجتمع السوري خلال الأحداث الراهنة وذلك بهدف إبعادهم عن التجنيد والإستغلال وضمان حقهم في الحياة وتأمين سلامتهم الجسدية والنفسية، وفي إطار الإجراءات الإحترازية لحماية الأطفال وأمهاتهم أحدثت وزارة الشؤون الاجتماعية مركزا لإقامة الضحايا من الاطفال والنساء اللاتي تعرضن لإنتهاكات في المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة تحت مسميات مختلفة ، وأخيراً أختم بالقول ما يحدث اليوم هو أن أطفالنا في سورية يجندون ويجبرون على ترك المدارس ويزجون في الحروب ويستخدمون كقنبلة موقوتة ويستعملون للقتل، لذلك بات واضحاً أن حياة الأطفال تحت حكم خلافة داعش تعني التجنيد وعملية تفريخ للعناصر القتالية على نحو مستمر، التي لم تفرق بين انسان وآخر وشعارها حصد رؤوس الأبرياء في سبيل تحقيق غاياتهم الدنيئة، وأمام جيشنا السوري بكل عناصره الوقت اللازم للتصدي لتلك الزمر المجرمة التي لا يروق لها إستقرار سورية وتحقيق الأمان فيها، لذلك لا بد من تحصين أطفالنا من سموم تلك الجماعات وهو الأمر الذي لابد أن يعطى الأولوية في كافة برامجنا وخططنا التي تعمل من خلالها على دحر الإرهاب والقضاء على فلوله الذين عاثوا في الأرض فساداً. 
*مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق 
Khaym1979@yahoo.com