2024-04-24 05:50 ص

سورية...الكعكة...واللصوص

2015-02-25
بقلم: الدكتور خيام الزعبي*
في مقدمة القضايا التي تقلقني وتشغلني هذه الأيام هي مخطط إعادة تفتيت سورية، فعندما أرادت أمريكا ضرب سورية قامت بطرح الكعكة السورية على حلفاؤها، فمنهم من قبل في العلن ومنهم من قبل في الخفاء، واليوم نرى عجزاً دولياً له مآربه وأهدافه في إطالة الوضع الحالي في سورية، تلكؤ دولي يسير ببطء نحو تغيير اللعبة فيها، هذا التلكؤ ليس نابعاً إلا من مخطط دولي لإنهاء الدولة السورية، وما السكوت عما يحدث فيها من جميع الأطراف إلا بهدف زيادة الأزمة حتى يحين الوقت لإستلامها وتقسيم الكعكة فيما بينهم، فالأحداث التي شهدتها المنطقة لعبت الإدارة الامريكية دوراً رئيسياً في صناعتها وتطويعها لصالحها ولصالح حليفتها إسرائيل، والضبابية التي تلف الساحة السورية وعدد الضحايا الذي يتزايد هنا وهناك وجبل الأوهام الذي يتراكم باسم الحرية والديمقراطية لا يمكن أن تحجب حقيقة أساسية مفادها أن المنطقة دخلت فعلاً لتفتيتها الى دويلات عنصرية وطائفية وزعزعة أمنها واستقرارها. اليوم خُلطت أوراق الشرق الأوسط وهُزت خريطته التي رسمها الإستعمار الأوروبي وضربت تحالفات عمرها عقود بعرض حائط المصالح الوجودية لأنظمة الحكم القائمة، هذا الوضع المُستجد أعاد خلط التوازنات الإقليمية في سورية وإذ برموز الأنظمة القديمة تعود إلى الساحة السياسية من باب مكافحة الإرهاب مستفيدة من أجواء الحرب الأممية على تنظيم الدولة الإسلامية، فالمتتبع لتطورات الأحداث الحالية التي تتفاعل على الساحة السورية الموغلة في وحل وبراثن التحالفات والحروب بين أطراف عدة, وتضم بين ثناياها قوى خارجية, يدرك وجود تحالف أمريكي تركي لتحقيق مصالحهم وأهدافهم في سورية، لذلك لم نتفاجأ مما تخطط له تركيا لتلعبه في المنطقة، خاصة وأنها تعتبر الحليف الرئيسي لما يسمّى إسرائيل في المنطقة وبينها وبين الكيان اليهودي إتفاقيات عسكرية وثيقة، وبذلك عملت تركيا في سورية منذ إنطلاق العدوان عليها على تقديم مبررات عديدة للتدخل العسكري للأراضي السورية، ولعبت دوراً أساسياً في دعم المجموعات المتطرفة وتأمين ملاذات آمنة لها وتسهيل حركتها، والهدف الرئيسي كان ولا يزال لأردوغان هو إسقاط نظام الرئيس الأسد وتقسيم سورية وإقتطاع أجزاء من الدولة السورية وضمها الى الإمبراطورية العثمانية. وفي سياق متصل هناك أطراف خارجية عربية وإسلامية تدفع باتجاه تكرار السيناريو الليبي والعراقي في سورية، وفتح سوق جديد مشابه لأسواق الفوضى المسلحة الدموية التي إندلعت في المنطقة بين معسكرات خارجية كل طرف يدعم سوقه ويسعى الى الانتصار على غريمه، وهنا لا بد من الإنتباه الى أن إنهيار الدولة السورية لن يكون في مصلحة الأطراف الداخلية المتصارعة ولا الأطراف الخارجية المتنازعة، وبالمقابل فإن الإعتماد على الخارج لا يجدي نفعاً بل هو اتجاه للمزيد من الإغراق والإنزلاق نحو الهاوية، فالذين يعتقدون أن الفوضى المسلحة وإطالة أمد الحرب في سورية يمكن أن يكون مصدر إستقرار لهم، فهم مخطئون وكل التجارب التي مرت بها المنطقة تؤكد إن أضمن طرق الإستقرار تتمثل في منح سورية الأمان والسلام، فلا أمن للمنطقة بدون أمن سورية، ومن هذا المنطلق يجب على أمريكا والدول الأخرى التي تدعم التطرف والإرهاب في سورية أن تأخذ العبر من الوقائع والتجارب السابقة، وتدرك أن التهديد الناشئ من ثقافة الإرهاب يتعدى دول المنطقة ليصل الى كل العالم، وخصوصاً تلك الدول الحاضنة والداعمة له. يخطئ من يعتقد أن الرئيس أوباما آتٍ على رأس تحالف دولي من أجل القضاء على داعش، وتطهير البلاد من هذا التنظيم لا أبداً! أميركا عائدة الى المنطقة ويتقدمها الرئيس أوباما حاملاً سلة في مرفقه ليحصد ما زرع، وقد أنشأت داعش بديلاً عن القاعدة العجوز بعد أن إستنزفتها وقامت بالدور الذي أسندته إليها، وصرفتها من الخدمة عندما خرجت القاعدة على النص، وبالتالي فإن هدف اللعبة الجديدة لإدارة أوباما هي نشر الفوضى الخلاقة وتفتيت وتقسيم سورية ، ومن هنا يمكنني القول إن التدخل الأمريكي في سورية لن يتوقف عند ضرب داعش فقط، فليس من المعقول أن تترك أمريكا نظام الأسد، عدوها اللدود، يحصد مجاناً ثمار عملياتها العسكرية ضد عدوه اللدود هو أيضاً "داعش"، وليس من المعقول أن تقبل الولايات المتحدة، التي لا تخفي رغبتها في رحيل الأسد، أن تهدي إليه نصراً مجانياً أو تدعم وجوده في السلطة، الشيء المؤكد هنا هو أن الغارات التي بدأتها أمريكا لن تكون نهاية العمل العسكري الأمريكي في سورية بل ستكون بدايته. لا شك أن سورية تمثل نقطة ثقل مهمة في سياسة روسيا التي تسمح لها بالعودة إلى الساحة الدولية كلاعب كبير، بفضل سياسة يقودها بوتين وهذا ما تثبته روسيا بتمسكها بشرعية الدولة السورية، خاصة بعد ما حصل في ليبيا، والدعم الكبير الذي قدمته لدمشق منذ بداية الأزمة حتى اليوم على أكثر من صعيد، وهو ما يفسر موقفها من الحرب في سورية وعليها، فالهجمة الشرسة التي تُشن على سورية بتوجيّه أميركي – غربي، بهدف مواجهة التنين الصيني الصاعد ومحاصرة روسيا الاتحادية العائدة بقوة إلى مسرح السياسة الدولية وخاصة في سورية، هذا أولاً، أما الصراع الثاني الذي يدور للسيطرة عليها فهو ذو شقين، الأول تركي – خليجي يهدف إلى محاصرة إيران وتحجيّم دورها الإقليمي، والثاني تركي – قطري من جهة وباقي دول الخليج من جهة أخرى، الذي يدور حول طبيعة الإسلام الذي سيحكُم المنطقة، دون أن نُغّفل الدور الإسرائيلي في هذا الصراع. فالحرب لم تعد حرباً على سورية الوطن فقط، بل تحولت الى حرباً للنيل من تاريخها وعراقتها وسلب إرثها الحضاري والثقافي وهو أغلى ما تملك، فضلاً عن وجود حملات مسعورة تشوه تاريخنا العظيم من جوامع تهدم وقبور تنبش ومتاحف تسحق وتطمس، هذا مما سيحرم الأجيال القادمة من معرفة الجانب المشرق من تاريخهم وجذورهم، فسورية تملك سجل عظيم يحتوي على تاريخ وإرث حضاري عريق، ظل هذا السجل لآلاف السنين محافظاً على صفحاته الخالدة، والآن يتعرض هذا السجل للتدمير والعبث بصفحاته من قبل اللصوص، الذي يهدفون الى تعزيز خلخلة موقع سورية في التصنيف العالمي، فضلاً عن تشويه وتغيير هذا الإرث الحضاري والثقافي الكبير للشام، بالتالي إن كل ما يجري في سورية من تدمير وتخريب لمعالمنا الثقافية هو مخططاً رهيباً وحاقداً لإزالة شواخص سورية وبنيتها الحضرية، يريدون من خلاله القضاء على ذاكرتنا ...وحضارتنا... وثقافتنا... وتراثنا... واستبدال العلم بهمجية التخلف والوفاء والمحبة بالبغض والكراهية. مجملاً...الكل يحاول الإستفادة من الوضع القائم في سورية، لحين الإتفاق على تسوية دولية إقليمية توفر المحاصصة بين الدول المؤثرة، طالما ان الكل وصل إلى نتيجة لا ربح ولا خسارة كاملة، المسألة ببساطة أن ما يجرى فى سورية الآن من خراب وتدمير هو نتيجة وجود أصابع أمريكا والغرب لتحقيق مشروعهم الإستعماري، وأصبح اللعب الآن على المكشوف فى محاولات مستميتة لجر الجيش السوري إلى المعركة الدائرة مع الجماعات المتطرفة، فالولايات المتحدة تريد أن تهدم المؤسسة العسكرية السورية فلذلك تستخدم أدواتها من داعش والأتراك والخليجيين ويعرضون مئات المليارات من الدولارات لإسقاط سورية فى بحر الفوضى والحرب الأهلية وتقسيمها وتجزئتها على غرار ما يجرى فى العراق وليبيا واليمن.
*مدير مكتب صحيفة العالم الجديد بدمشق 
Khaym1979@yahoo.com